الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، قال ابن عباس في رواية الوالبي: (﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني آخرتهم، يقول: أشككهم فيها، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أرغبهم في دنياهم) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 136، وابن أبي حاتم 5/ 1444 بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 136.]].
وهو قول قتادة، قال: (آتيهم ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار، ومن ﴿خَلْفِهِمْ﴾ من أمر الدنيا فزيَّنها لهم ودعاهم إليها) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 136 بسند جيد.، وابن أبي حاتم 5/ 1444 بسند جيد عن قتادة عن الحسن وقال: (وروى عن عكرمة نحو ذلك) اهـ.]]، ونحو هذا قال الكلبي [["تنوير المقباس" 2/ 84، وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 225 بسند جيد عن الكلبي، وذكره السمرقندي 1/ 533، والثعلبي 188 ب.]]، وهؤلاء جعلوا الآخرة بين أيديهم لأنهم يردون عليها فهي بين أيديهم، وإذا كانت الآخرة بين أيديهم كانت الدنيا خلفهم لأنهم يخلفونها [[ذكر نحوه النحاس في "معانيه" 3/ 18.]].
وقال الحكم [[الحكم بن عتيبة الكندي أبو محمد الكوفي، إمام ثقة فقيه، تقدمت ترجمته، والأثر عنه، أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 136، 137 بسند جيد، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1445 وقال: (روي عن مجاهد والنخعي والحكم وأبي صالح والسدي) اهـ. وذكره النحاس في "معانيه" 3/ 16 - 17، والثعلبي في "الكشف" ص 188/ ب.]] والسدي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 137 بسند جيد وذكره السمرقندي في "تفسيره" 1/ 533، والثعلبي 188 ب.]]: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ (يعني الدنيا ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾، من قبل الآخرة). وهو قول ابن عباس في رواية العوفي، قال: (أما ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ فمن قبل دنياهم، وأما ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [[لفظ: (من) ساقط من (أ).]] فأمر آخرتهم) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 136، 137 بسند جيد عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وأخرجه الطبري أيضًا، وابن أبي حاتم 5/ 1444 بسند ضعيف من طريق عطية العوفي، وذكر النحاس في "معانيه" 3/ 17 - 18 كلا الروايتين من طريق علي بن أبي طلحة وقال: (وذلك القول لا يمتنع؛ لأن الآخرة لم تأت بعد فهي بين أيدينا وهي تكون بعد موتنا فمن هذه الجهة يقال: هي خلفنا) اهـ.]]. فهؤلاء جعلوا (بين أيديهم) الدنيا؛ لأنها بين يدي الإنسان يسعى فيها ويعمل لها والآخرة تأتي [[في (ب): (يأتي).]] من بعد.
وقوله تعالى: ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾، قال الوالبي عن ابن عباس ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾: (أُشَبِّه عليهم أمر دينهم، ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ أُشَهِّي [[في (ب): (اشتهى)، والمشهور: (اشَهَّي) وقد سبق تخريجه.]] لهم المعاصي). وقال في رواية عطاء: (﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ يريد: من قبل الحق، ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ يريد: من قبل الباطل) [[لي أقف عليه بهذا اللفظ عن ابن عباس. وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 176 عن مجاهد والسدي.]].
وهو قول الحكم [[سبق تخريجه عن الحكم والسدي.]] والسدي، قالا: (﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من قبل الحق؛ أصدهم [[في (ب): (اصدقهم)، وهو تحريف.]] عنه وأشككهم فيه، ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ من قبل الباطل أخففه [[في (ب): (أحققه)، وهو خلاف ما في المصادر.]] عليهم، وأزينه لهم، وأرغبهم فيه).
وقال [[أي ابن عباس من طريق عطية العوفي. وقد سبق تخريجه. وأيضًا أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 136 بسند جيد عن علي بن أبي طلحة.]] في رواية العوفي: (أما ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ فمن قبل حسناتهم، وأمما ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ فمن قبل سيئاتهم).
وهو قول قتادة، قال: (﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من قبل حسناتهم بَطَّأَهم عنها ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها، أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله) [[سبق تخريجه، وذكر النحاس في "معانيه" 3/ 16 - 18 نحوه عن الحكم بن عتيبة. وقال: (هذا قول حسن وشرطه أن معنى ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ من دنياهم حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار والأمم السالفة ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ من آخرتهم حتى يكذبوا بها، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من حسناتهم وأمور دينهم، ويدل على هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [الصافات: 28] ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ يعني: سيئاتهم أي: يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم) اهـ.]].
قال أبو بكر: (وقولُ من قال: (الأيمان كناية عن الحسنات، والشمائل كناية عن السيئات) حسنٌ؛ لأن العرب تقول: اجعلني في يمينك، ولا تجعلني في شمالك، يريد اجعلني من المقدمين عندك، ولا تجعلني من المؤخرين، أنشدنا أبو العباس [[أبو العباس: أحمد بن يحيى الإِمام ثعلب. تقدمت ترجمته.]] لابن الدمينة [[ابن الدُّمَيْنْةَ: هو عبد الله بن عبيد الله بن أحمد الخَثْعَمي، أبو السَّريّ، شاعر إسلامي، له شعر كثير، والدمينة أمه، توفي سنة 130 هـ.
انظر: "الشعر والشعراء" ص 489، و"الأغاني" 17/ 98، و"شرح شواهد المغني" للسيوطي 1/ 425، و"الأعلام" 4/ 102.]]:
أَبِيِنى [["ديوانه" ص 17، و"أمالي الزجاجي" ص 108، و"الأغاني" 17/ 96، و"دلائل الإعجاز" للجرجاني ص 90، و"بدائع التفسير" 2/ 197، وبلا نسبة في الماوردي 4/ 297، و"وضح البرهان" للغزنوي 2/ 431، وهو في "الصناعتين" ص 355 لطرفة ابن العبد وليس في "ديوانه"، وفي (ب): (أتيني) وهو خلاف ما في المراجع.]] أفِي يُمْنَى يَدَيْكِ جَعلْتِنى ... فَأَفْرَحَ أَمْ صَيَّرْتِني في شِمالِكِ) [["شرح القصائد" لابن الأنباري ص 411.]]
وروى أبو عبيد عن الأصمعي [[في "الغريب المصنف" 1/ 318 قال أبو عبيد: (الشمائل واحدها شمال، وقد تكون من الأخلاف ومن خلفه الجسد)، وفي "اللسان" 8/ 4969 (يمن)، (اليَمين المنزلة، قال الأصمعي: هو عندنا باليمين أي: بمنزلة حسنة) اهـ. وذكره عن أبي عبيد عن الأصمعي، ابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 197.]]: (هو عندنا باليمين أي: بمنزلة حسنة، وإذا خست منزلته قال: أنت عندي [[ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 1929، وصاحب "اللسان" 4/ 2329 (شمل) عن العرب.]] بالشمال وقال:
رَأَيْتُ بَنِي العَلَّاتِ لَمّا تَضَافَرُوا ... يَحُوزون سَهْمِي دُونَهْم فيِ الشَّمَائِل [[لم أهتد إلى قائله. وهو في "تهذيب اللغة" 2/ 1931، و"اللسان" 4/ 2329 (شمل) ، و"الدر المصون" 2/ 270 ، و"بدائع التفسير" 2/ 197، وبنو العلات == -بالفتح- بنو أمهات شتى من رجل واحد لأن الذي تزوجها على أولى قد كانت قبلها ناهل ثم عل من هذه، انظر: "اللسان" 5/ 3080 (علل).]] أي: ينزلونني بالمنزلة الخسيسة) [[ذكره الرازي في "تفسيره" 14/ 41، عن الأنباري.]]، وروى الأزهري في هذه الآية عن بعضهم: (﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: لأغوينهم حتى يكذبوا بما تقدم من أمور الأمم السالفة، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ بأمر البعث، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ أي: لأضلنهم فيما يعملون؛ لأن الكسب يقال فيه: (ذلك بما كسبت يداك) وإن كانت اليدان لم تجنيا شيئًا؛ لأن اليدين هما الأصل في التصرف، فجعلت مثلًا لجميع ما عمل بغيرهما) [["تهذيب اللغة" 4/ 3985. وذكره عن البعض الزجاج في "معانيه" 2/ 325، وصاحب "اللسان" 8/ 4969 (يمن).]].
وقال ابن الأنباري: (على هذا القول: ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ أي: أزهدهم فيما ينبغي أن يعملوا له مما يكسبهم ثواب ربهم، قال: والعرب تذكر (الأيمان) و (الأيدي) عند العمل والفعل فيقول: جنت عليه يده، وكسبت يده، فلما كان ذكر الأيدي مستعملًا في الأفعال والأعمال اكتفى الله تعالى بها من الأفعال) [[لم أقف عليه. وانظر: "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري 1/ 356، ص 379.]]، وقال آخرون: (ذكر الله تعالى هذه الوجوه للمبالغة في التوكيد، أي: ثم لآتينهم من جميع الجهات)، وهو اختيار أبي إسحاق؛ قال: (الحقيقة -والله أعلم- أي: أنصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم) [["معاني الزجاج" 2/ 324، وهذا هو اختيار جمهور المفسرين منهم الطبري في "تفسيره" 8/ 137، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 603، وابن عطية في "تفسيره" 5/ 447، وقال القرطبي 7/ 176: (ومن أحسن ما قيل في تأويل الآية؛ == أي: لأصدنهم عن الحق وأرغبنهم في الدنيا وأشككهم في الآخرة وهذا غاية في الضلالة) فالراجح في الآية أنه يأتيهم حقيقة من جميع الوجوه الممكنة من حيث لا يبصرون، ومن جميع طرق الخير والشر، فالخير يصدهم عنه والشر يحسنه لهم، وانظر: "تأويل المشكل" ص 248، و"تفسير ابن كثير" 2/ 229.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾. قال ابن عباس: (يريد: [أن] [[لفظ: (أن) ساقط من (ب).]] أكثرهم لإبليس طائعين، ولله عاصين) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 164، وأخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 138، وابن أبي حاتم 5/ 1446 بسند جيد عن ابن عباس قال: (موحدين)، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 136.]].
{"ayah":"ثُمَّ لَـَٔاتِیَنَّهُم مِّنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَیۡمَـٰنِهِمۡ وَعَن شَمَاۤىِٕلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق