الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾، قال ابن عباس: (أي: تركوا ما وعظوا به) [[أخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1601 بسند جيد وذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 258، وانظر: "تفسير الطبري" 9/ 99، و"معاني الزجاج" 2/ 386، والنحاس 3/ 94، و"تفسير السمرقندي" 1/ 577، الثعلبي 6/ 14/ ب، والماوردي 2/ 272.]]، ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾، يعني: الفرقة الناهية، واختلفوا في الفرقة الممسكة غير الناهية الذين قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ﴾، فقال ابن عباس في رواية عطاء بن السائب [[عطاء بن السائب بن يزيد الثقفي أبو يزيد الكوفي، إمام تابعي عابد من كبار العلماء، ثقة ساء حفظه في آخر عمره توفي سنة 136هـ، انظر: "طبقات ابن سعد" 6/ 338، و"الجرح والتعديل" 6/ 332، و"سير أعلام النبلاء" 6/ 110، و"تهذيب التهذيب" 3/ 103، ومقدمة "فتح الباري" ص 425.]]: (أسمع الله يقول: ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ إلى قوله ﴿يَفْسُقُونَ﴾، فليت شعري ما فعل بهؤلاء الذين قالوا ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾) [[أخرجه "عبد الرزاق" 1/ 2/ 239 - 242، والطبري 9/ 98، والحاكم صححه 2/ 322 - 323 من عدة طرق جيدة.]]. فمذهبه في هذه الرواية الوقف في الفرقة الممسكة. وروي عنه أيضًا أنه قال: (كانوا أثلاثًا؛ ثلثًا نهى، وثلثًا قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾، وثلثا أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم) [[أخرجه الطبري 9/ 97، وابن أبي حاتم 1600 من طرق جيدة وذكره ابن كثير في "تفسيره" 2/ 287 - 288، وقال: (نص الله على نجاة الناهين وهلاك الظالمين وسكت عن الساكتين؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحًا فيمدحوا ، ولا ارتكبوا عظيمًا فيذموا، ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم فروي عن ابن عباس بإسناد جيد أنه قال: (ما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم)، ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهذا لأنه تبين حالهم == بعد ذلك والله أعلم) اهـ. بتصرف. وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "الفتاوى" 17/ 382: (أنجى الله الناهين، وأما أولئك الكارهون للذنب الذين قالوا ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾ فالأكثرون على أنهم نجوا؛ لأنهم كانوا كارهين فأنكروا بحسب قدرتهم، وأما من ترك الإنكار مطلقًا فهو ظالم يعذب) اهـ.]]. وهذا قول ابن زيد أيضاً، قال: (كانوا ثلاث فرقٍ؛ فرقة اعتدت، وفرقة نهت، وفرقة لم تنه، وقالت ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾، فنجت الناهية، وهلكت الفرقتان. قال: وهذه الآية أشد آية في القرآن في ترك النهي عن المنكر) [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 6/ 13 ب، والواحدي في "الوسيط" 2/ 260، والبغوي 3/ 294، والخازن 2/ 303.]]. وروى ابن جريج عن عكرمة قال: (دخلت على ابن عباس وهو ينظر في المصحف ويبكي قبل أن يذهب بصره، فقلت: ما يبكيك؟ فذكر قصة أصحاب أيلة، ثم قرأ قوله [[لفظ: (قوله) ساقط من (ب).]]: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾. الآية، وقال: أسمع الله ذكر الذين نهوا ولا أسمع الذين سكتوا، ونحن نرى أشياء ننكرها فلا نقول فيها ولا نغيرها. قال [[في (أ): (وقال).]] عكرمة: فقلت له: جعلني الله فداك، ألا تراهم قد أنكروا حين قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾، وإن لم يقل الله: أنجيتهم، لم يقل أيضًا أهلكتهم، ولم أزل به حتى عرفته أنهم نجوا، قال: فأعجبه ذلك من قولي، فرضي، وأمر لي ببردين فكسانيهما) [[أخرجه عبد الرزاق 1/ 2/ 240 - 242، والطبري 9/ 64، وابن خالويه في "إعراب == القراءات" 1/ 212 - 214، والحاكم 2/ 322 - 323 وصححه من طرق جيدة. وأخرج الطبري 9/ 95، وابن أبي حاتم 5/ 1600 بسند جيد عن ابن عباس قال: (نجت فرقتان، وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة وخنازير) اهـ.]]. وهذا أيضًا مذهب الحسن ويمانٍ. قال الحسن: (نجت فرقتان، وهلكت فرقة، وهم الذين أخذوا الحيتان) [[ذكره هود الهواري في "تفسيره" 2/ 55، والواحدي في "الوسيط" 1/ 260، والبغوي 3/ 294، وابن عطية 6/ 116، والرازي 15/ 38 - 39، والقرطبي 7/ 307، والخازن 2/ 302.]]. وقال يمانٍ: (نجت الطائفتان؛ الذين قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ﴾، والذين قالوا: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾، وأهلك الله أهل معصيته) [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 6/ 14 أ، والبغوي 3/ 294.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾، أي: شديد من العذاب، قاله ابن عباس [[أخرجه أبو عبيد في كتاب "اللغات" ص 106، و"ابن حسنون" ص 25 بسند جيد، وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 240 - 242، الطبري 9/ 100 - 101، وابن أبي حاتم 5/ 1602 بسند ضعيف عن ابن عباس قال: (أليم وجيع) اهـ.]] والحسن [[لم أقف عليه.]] ومجاهد [["تفسير مجاهد" 1/ 248، وأخرجه الطبري 9/ 101، وابن أبي حاتم 5/ 1602 من طرق جيدة بلفظ: (أليم شديد) اهـ.]] وقتادة [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 239، والطبري 9/ 101 من طرق جيدة بلفظ: (موجع).]] وابن زيد [[أخرجه الطبري 9/ 101 بسند جيد وهو قول أهل اللغة والتفسير. انظر: "مجاز == القرآن" 1/ 231، و"غريب القرآن" لليزيدي ص 152، و"تفسير غريب القرآن" ص 182، و"معاني الزجاج" 2/ 386، و"نزهة القلوب" ص 141، و"معاني النحاس" 5/ 93، و"تفسير السمرقندي" 1/ 577، والثعلبي 6/ 14 ب، والماوردي 2/ 272، وقال الطبري 9/ 101: (أجمعوا على أن معناه: شديد) اهـ.]]. قال ابن الأعرابي: (البَئِس [[في النسخ: البيئيس، والبئيس، وهو تصحيف.]] والبَيِس على فَعِل العذابُ الشديد) [["تهذيب اللغة" 1/ 411 (بئس) وانظر: "العين" 7/ 316، و"الصحاح" 3/ 907، و"المجمل" 1/ 141، و"مقاييس اللغة" 1/ 328، و"المفردات" ص 153، و"اللسان" 1/ 199 (بأس).]]. ونحو ذلك قال الزجاج [[في "معاني الزجاج" 2/ 386، قال: (بئيس أي: شديد يقال: بئس يبؤس بأسًا إذا اشتد) اهـ. وانظر: "تهذيب اللغة" 1/ 411 (بئس).]]. قال أبو علي: ﴿بَئِيسٍ﴾ على وزن فعيل يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون فعيلًا من بؤس يبؤس بأسًا: إذا اشتد. والآخر: ما قاله أبو زيد قال: يقال من البؤس وهو الفقر: بَئِسَ الرجل يبأس بؤسًا وبأساء وبئيسًا [[في (ب): "وبيسا" وهو كذلك في "الحجة" لأبي علي 4/ 100 عن أبي زيد.]] إذا افتقر فهو بائس أي: فقير [[هذا وما قبله من قول أبي زيد في "تهذيب اللغة" 1/ 411 (بئس) وذكره الجوهري في "الصحاح" 3/ 907، وقال: (حكاه أبو زيد في كتاب "الهمز") اهـ.]]. فوصف العذاب ببئيس وهو مصدر على فعيل كالنذير والنكير والشحيح، والتقدير: بعذاب ذي بئيس أي: ذي بؤس. وقرأ نافع [[قرأ نافع: (بيس) بكسر الباء وسكون الياء من غير همز، وقرأ ابن عامر: ﴿بَئْسَ﴾، بكسر الباء وبعدها همزة ساكنة، وقرأ الباقون: ﴿بَئِيسٍ﴾ بفتح الباء وبعدها همزة مكسورة وبعدها ياء ساكنة، وروى أبو بكر عن عاصم أنه قرأ: (بَيْئسَ) على وزن == فيعل، بفتح الباء وبعدها ياء ساكنة وبعدها همزة مفتوحة-. انظر: "السبعة" ص 296، و"المبسوط" ص 186، و"التذكرة" 2/ 427، و"التيسير" ص 114، و"النشر" 2/ 272.]]: (بيس) جعل (بيس) الذي هو فعل اسمًا، فوصف به [[في (ب): (فوصف به العذاب ببيس) ولا يوجد ذلك في "الحجة" لأبي علي 4/ 100.]]، ومثل ذلك قوله: "إن الله ينهى عن قيلَ وقال" [[هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (14771) كتاب الزكاة، باب: قول الله: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ﴾، ومسلم رقم (1715) كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة السائل من غير حاجة، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن الرسول ﷺ قال: "إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال" اهـ. وفيهما قيلَ وقالَ -بالفتح-.]]. ويروى "قيلٍ وقالٍ" [[يريد الرواية الأولى بالفتح والثانية بالكسر منونًا، وقد أخرج مسلم رقم (1715) كتاب الأقضية، باب النهي عن كثر المسائل، عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله نهى عن ثلاث: قيلٍ وقالٍ وكثرة السؤال وإضاعة المال" اهـ. وفيه قيل وقال بالكسر منونًا. قال النووي في "شرح مسلم" 12/ 16: (اختلفوا في حقيقة قيل وقال على قولين: أحدهما: أنهما فعلان، فقيل مبني لما لم يسم فاعله، وقال فعل ماض، والثاني: أنهما اسمان مجروران منونان لأن القيل والقال والقول والقالة كلها بمعنى) اهـ. وانظر: "فتح الباري" 12/ 407.]]، ونحوه: مُذ شُبَّ [[في "الحجة" 4/ 101: (مِنْ شب إلى دب ومن شب إلى دب) وأشار المحقق إلى ورود (مد) في بعض النسخ وهذا من أمثال العرب تقول: "أعييتني من شب إلى دبَّ ومن شب إلى دُبِّ" أي: من لدن شببت إلى أن دببت على العصا هرمًا، وهو مثل يضرب للبغيض ولمن يكون في أمر عظيم غير مرضى فيمتد فيه أو يأتي بما هو أعظم منه. انظر: "جمهرة الأمثال" 1/ 54، و"مجمع الأمثال" 1/ 198، و"المستقصى" 1/ 257.]] إلى دبَّ، ومذ شبِّ إلى دبِّ [[أي بالفتح والكسر مع التنوين وعدمه، فمن نونه جعله بمنزلة الاسم بإدخال من عليه، ومن لم ينونه جعله على وجه الحكاية للفعل، أفاده الميداني في "مجمع الأمثال" 1/ 198.]]، فكما استعملت هذه [[في (ب): (هذا)، وهو تحريف.]] الألفاظ أسماءً وأفعالاً، كذلك (بيس) جعله اسمًا بعد أن كان فعلاً، فصار وصفًا مثل نِقضٍ [[نِقْض، بكسر النون وسكون القاف، وهو المهزول من الإبل والخيل، انظر: "اللسان" 8/ 4524 (نقض).]] ونضوٍ [[نضو - بكسر النون وسكون الضاد: المهزول من جميع الدواب وقد يستعمل في الإنسان، انظر: "اللسان" 7/ 4457 (نصا).]]. وقرأ ابن عامر: ﴿بِئْسَ﴾ [[في: (أ): (ييئس)، وفي (ب). (بيس)، وهو تصحيف.]]، وهو مثل قراءة نافع إلا أنه حقق الهمزة، وروى أبو بكر [[أبو بكر: هو أبو بكر بن عياش الأسدي أحد الرواة عن عاصم، إمام، تقدمت ترجمته.]] عن عاصم (بيأس)، وهو وصف مثل ضيغم [[ضيغم، بفتح الضاء وسكون الياء وفتح الغين: الأسد والواسع الشدق والذي يعَضَ، واسم الشاعر ضيغم الأسدي. انظر: "اللسان": 5/ 2592 (ضغم).]] وحيدرٍ [[حيدر: بفتح الحاء وسكون الياء وفتح الدال اسم، انظر: "اللسان" 2/ 803 (حدر).]]، وهو بناء كثير في الصفة [["الحجة" لأبي علي 4/ 100 - 102، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 428، و"إعراب القراءات" 1/ 211، و"الحجة" لابن زنجلة ص 300، و"الكشف" 1/ 481، وقال ابن خالويه في "الحجة" ص 166: (هذه القراءات لغات مشهورات مستعملات في القراءة) اهـ.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب