الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾، الاختيار: افتعال من لفظ الخير، يقال: اختار الشيء أي: أخذ خيره وخياره [[في (ب): (وختاره).]]، وأصل اختار (اختير)، فلما تحركت الياء وقبلها فتحة قلبت ألفًا نحو: قال وباع، وفي الأسماء (دار) و (ناب)، أصلهما [[في (ب): (أصلها).]] دَوَرٌ ونَيَبٌ، ولهذا استوى لفظ الفاعل والمفعول فقيل فيهما: (مختار) والأصل (مُختَيِر) و (مُختَيَر)، فقلبت الياء فيهما ألفًا فاستويا في اللفظ [[انظر: "العين" 4/ 301، و"البارع" ص224، و"تهذيب اللغة" 1/ 959، 960، == و"الصحاح" 2/ 651، و"المجمل" 2/ 308، و"مقاييس اللغة" 2/ 233، و"المفردات" ص 301، و"اللسان" 3/ 1299 (خير).]]. قال جماعة النحويين [[انظر: "الكتاب" 1/ 37، و"معاني الأخفش" 2/ 312، و"المقتضب" 4/ 330، و"معاني الزجاج" 2/ 380، و"إعراب النحاس" 2/ 154.]]: (معناه: واختار موسى [من] [[لفظ: (من) ساقط من (ب).]] قومه، فحذفت (من) ووصل الفعل فنصب، يقال: اخترت من الرجال زيدًا [واخترت الرجال زيدًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]. وأنشدوا قول الفرزدق [["ديوانه" 2/ 418، و"الكتاب" 1/ 39، و"الكامل" 1/ 33، و"تفسير الطبري" 9/ 74، و"الأمالي" لابن الشجري 2/ 131، و"اللسان" (3/ 1299 (غير)، و"الدر المصون" 5/ 474 وبلا نسبة في "معاني الأخفش" 2/ 312، و"المقتضب" 4/ 330، و"معاني الزجاج" 2/ 380، و"إعراب النحاس" 1/ 642، وانظر شرحه في "الخزانة" 9/ 123 - 125.]]: منَّا الذي اختير الرِّجالَ سماحة ... وجودًا إذا هبَّ الرِّياح الزَّعازعُ قال الفراء: (وإنما استجيز وقوع الفعل عليهم إذا طُرحت (من)؛ لأنه مأخوذ من قولك: هؤلاء خير القوم، وخير من القوم، فلما جازت الإضافة مكان (من) ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلاً، واخترت منكم رجلاً) [["معاني الفراء" 1/ 395.]] وأنشد للراعي [[الرّاعي: هو عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل النميري أبو جندل البصري، شاعر أموي، لقب بالراعي؛ لكثرة وصفه الإبل، وتوفي بعد سنة 90 هـ. انظر: "طبقات فحول الشعراء" 2/ 298، و"الشعر والشعراء" ص 265، و"الأغاني" 24/ 168، و"الأعلام" 4/ 188.]]: فقلت [["ديوانه" ص 259، و"الدر المصون" 5/ 473، وبلا نسبة في "معاني الفراء" 2/ 395، و"تفسير الطبري" 9/ 75، والقلوص: الفتية من الإبل، والناب: المسنة، والحيا: الخصب والمطر لإحيائه الأرض فتخصب، والحيا: الشحم والسمن، وصدره في الديوان، و"طبقات فحول الشعراء" 2/ 521: فقلت لرب الناب خذها ثنية]] له [[في (أ): (فقلت لها)، وهو تحريف.]] اخترها قلوصًا سمينه ... وناب علينا مثلُ نابك في الحيا أراد: اختر منها، قال أبو علي: (والأصل في هذا الباب أن من الأفعال ما يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر، ثم يتسع فيحذف حرف الجر فيتعدى الفعل إلى المفعول الثاني، من ذلك قولك: اخترت من الرجال زيدًا [[النص في "الإيضاح العضدي" 1/ 200 وفيه: (فمن ذلك قولك: اخترت زيدًا من الرجال ..).]]، ثم يُتسع فيقال: اخترت الرجال زيدًا، وأستغفر الله من ذنبي، [وأستغفر الله ذنبي] [[لفظ: (واستغفر الله ذنبي) ساقط من (ب)، وفي "الإيضاح": (واستغفرت الله ذنبي).]]، وكذلك أمرت زيدًا الخير، وأمرته بالخير. قال الشاعر: أستغفر الله ذنبًا لست مُحْصِيَه [[لم أعرف قائله وهو في "الكتاب" 1/ 37، و"معاني الفراء" 1/ 233، و"أدب الكاتب" ص 419، و"تأويل مشكل القرآن" ص 229، و"المقتضب" 4/ 331، و"الأصول" 1/ 178، و"الخصائص" 3/ 247، و"الصاحبي" ص 291، و"المخصص" 14/ 71، و"اللسان" 6/ 3274 (غفر)، و"الدر المصون" 5/ 474، وعجزه: ربُّ العباد إليه الوجه والعمل == والشاهد: أستغفر الله ذنبًا حيث حذف حرف الجر من ثاني مفعولي (استغفر) الذي تعدى إليه بواسطة الحرف، والأصل: أستغفر الله من ذنب. انظر: "الخزانة" 3/ 111.]] وقال آخر: أمرتُك الخير فافعل [[في (أ): (وافعل).]] ما أُمِرت به) [[الشاهد مختلف في نسبته وهو في ديوان عمرو بن معد يكرب ص 63، والعباس بن مرداس ص 131، و"خفاف بن ندبة" ص 126، ونسب إلى زرعة بن السائب أو أعشى طرود، وهو في "الكتاب" 1/ 37، و"معاني الأخفش" 2/ 312، و"الكامل" للمبرد 1/ 33، و"المقتضب" 4/ 331، و"تفسير الطبري" 9/ 74، و"الأصول" 1/ 178، و"البغداديات" ص 283، و"المحتسب" 1/ 51، و"المخصص" 14/ 71، و"الأمالي" لابن الشجري 2/ 558، و"الدر المصون" 5/ 474 وعجزه: فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب والنشب: المال الثابت كالضياع ونحوها، والشاهد (أمرتك الخير)، حيث حذف الجار، والأصل أمرتك بالخير. انظر: "الخزانة" 9/ 124.]] وقوله تعالى: ﴿سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾. قال السدي: (أمر الله موسى أن يأتيه [[لفظ: (في) ساقط من (ب).]] [في] ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدًا، فاختار موسى سبعين رجلاً ليعتذروا) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 9/ 72 بسند جيد.]]. وقال ابن يسار [[ابن يسار: هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، إمام تقدمت ترجمته.]]: (اختارهم ليتوبوا إليه مما صنعوا، ويسألوه التوبة على [[في (ب): (عن من ورائهم).]] من ورائهم من قومهم) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 9/ 72 بسند جيد.]]. وقال وهب: (إنهم لم يصدقوا موسى أنه يسمع كلام الله وقالوا: يحضرك طائفة منا حتى يكلمك، فيسمعوا كلامه فنؤمن، وتذهب التهمة) [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 198 أ.]] وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾. قال ابن عباس: (يريد: ماتوا) [["تنوير المقباس" 2/ 130، وذكره السمرقندي في "تفسيره" 1/ 573.]]. قال الزجاج: (والرجفة الحركة الشديدة، يقال: إنهم رجف بهم الجبل فماتوا) [["معاني الزجاج" 2/ 380، وانظر: "معاني النحاس" 3/ 86.]]. قال ابن يسار، والسدي: (إنما أخذتهم الرجفة لأنهم قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾) [[أخرجه الطبري 9/ 72 بسند جيد عن السدي وابن إسحاق.]] [النساء: 153]. وقال ابن عباس: (إنهم قالوا في دعائهم: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدًا قبلنا ولا تعطيه أحدًا بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرجفة) [[أخرجه الطبري 9/ 72، وابن أبي حاتم 5/ 1574 بسند جيد.]]. وروى أبو الجوزاء [[أبو الجوزاء البصري: هو أوس بن عبد الله الربعي. تقدمت ترجمته.]] عنه قال: (إنما أخذتهم الرجفة لأنهم كانوا [لم] [[لفظ: (لم) ساقط من (ب).]] ينهوا عن عبادة العجل) [[أخرجه الطبري 9/ 73، 74 من طرق جيدة]]. ونحو ذلك قال قتادة وابن جريج [[أخرجه الطبري 9/ 74 بسند جيد عن قتادة وابن جريج.]] والقرظي [[ذكره الثعلبي 198 ب، والبغوي 3/ 286 عن قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظي.]] قالوا: (إنهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل، ولم يأمروهم بالمعروف، ولم ينهوهم عن المنكر). وقال وهب: (لم تكن تلك الرجفة موتًا ، ولكن القوم لما رأوا تلك الهيبة أخذتهم الرعدة ورجفوا حتى كادت أن تبين منهم مفاصلهم، وتنقص ظهورهم، وخاف موسى عليهم الموت، فعند ذلك بكى ودعا فكشف الله عنهم تلك الرجفة) [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 198 ب، والبغوي 3/ 286، والخازن 2/ 294.]]. وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾. قال الزجاج: (أي: لو شئت أمتهم من قبل أن تبتليهم بما أوجب عليهم الرجفة) [["معاني الزجاج" 2/ 380.]]. وقال السدي: (قال موسى: يا رب كيف أرجع إلى بني إسرائيل وقد أهلكت خيارهم، وليس معي رجل واحد، فما الذي يصدقونني به أو يأمنوني [[في (ب): (أو يأمنونني علي).]] عليه بعد هذا، فأحياهم الله) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 9/ 76، وفي "التاريخ" 1/ 428 بسند جيد، وذكره الثعلبي 198 ب، والرازي 15/ 18.]]. فمعني قوله: ﴿لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ﴾ ﴿وَإِيَّايَ﴾ أن موسى خاف أن يتهمه بنو إسرائيل على السبعين إذا عاد إليهم، ولم يصدقوه أنهم ماتوا، فقال لربه: لو شئت أهلكتنا قبل خروجنا للميقات، وكانوا [[في (ب): (وكان).]] بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهمونني. وقوله تعالى: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾. قال الفراء: (ظن موسى أنهم أُهلكوا باتخاذ [أصحابه] [[لفظ: (أصحابه) ساقط من (ب).]] العجل، [فقال: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾، يعني: عبدة العجل] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، وإنما أهلكوا لمسألتهم الرؤية، وقولهم [[في (ب): (وقوله تعالى).]]: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [["معاني الفراء" 1/ 395.]] [النساء: 153]، و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] هذا قول الكلبي [[ذكره هود الهواري في "تفسيره" 2/ 49، والخازن 2/ 295.]] وجماعة. وقال قوم: (لا يجوز أن يُظن بموسى أن الله -عز وجل- يهلك قومًا بذنوب غيرهم، ولكن قوله: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾ استفهام على تأويل الجحد، وأراد: لست تفعل ذلك كما تقول: أتهين من يكرمك؟ أي: لست تهين من يكرمك)، وهذا قول ابن الأنباري [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 249، وابن الجوزي 3/ 269، والسمين في "الدر" 5/ 476.]] ، [و] [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] على هذا أنكر موسى أن يكون سبب إهلاكهم فعل السفهاء، وكأنه لم يعلم سبب إهلاكهم، وأنكر أن يكون فعل السفهاء سبب الإهلاك [[انظر: "إعراب النحاس" 1/ 642، و"معاني النحاس" 3/ 87]]. [و] [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] قال المبرد: (هذا استفهام استعطاف أي: لا تهلكنا) [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 198 ب، والواحدي في "الوسيط" 1/ 249، والبغوي 3/ 287، وابن الجوزي 3/ 269، والرازي 15/ 19.]]. وقوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾. الكناية في قوله ﴿هِيَ﴾ تعود إلى الفتنة، [كما تقول: إن هو إلا زيد، وإن هي إلا هند، والمعنى: إن تلك الفتنة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] التي وقع فيها السفهاء لم تكن ﴿إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ أي: اختبارك، وابتلاؤك، وهذا تأكيد لقوله: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾ لأن معناه: لا تهلكنا بفعلهم، فإن تلك الفتنة كانت اختبارًا منك وابتلاءً أضللت بها قوماً فافتتنوا، وهديت قومًا فعصمتهم حتى ثبتوا على دينك [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 76، و"معاني النحاس" 3/ 88، و"إعراب النحاس" 1/ 642، و"تفسير السمرقندي" 1/ 573.]]، فذلك معنى قوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾ [[لفظ: (﴿وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾) ساقط من (ب).]]. وهذه الآية من الحجج الظاهرة على القدرية التي لا يبقى لهم معها عذر [[انظر: "تفسير الرازي" 15/ 19، والقرطبي 7/ 296، والخازن 2/ 295.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب