الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾. قال ابن عباس: (يريد: الذين يتجبرون على عبادي، ويحاربون أوليائي. ويستحلون محارمي حتى لا يؤمنوا بما جئت به) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 241، والبغوي 3/ 282، والخازن 2/ 289.]]، فالآيات على قول ابن عباس: هي القرآن، و ﴿الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ﴾ هم: المشركون. قال [[في: (ب): (كما قال).]] ابن الأنباري: (والمعنى على هذا ﴿سَأَصْرِفُ﴾ ﴿الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ﴾ عن قبول آياتي والتصديق بها لعنادهم الحق؛ عوقبوا بأن حرموا الهداية وسُتِرَ عنهم الحق. وهذا كقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: 5]، وقوله: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [التوبة: 127]). وذكر قولًا آخر، قال: (المعنى: ﴿سَأَصْرِفُ﴾ عن إبطال ﴿آيَاتِيَ﴾ وعن الاعتراض عليها هؤلاء الكفرة، كما تقول: وهو يمنعنى من زيد، أي: من ضربه، وأذاه، وكما قال عبد المطلب لما قصدت الحبشة البيت: (إن لهذا البيت [[هذه كلمة سارت مسير الأمثال، وذلك أن أبرهة الحبشي لما سار لهدم الكعبة وأشرف على مكة وجد إبلا لعبد المطلب وأخذها فذهب عبد المطلب إليه وكلمه في الإبل فعجب أبرهة منه وقال: (أتكلمني في الإبل ولا تكلمني في بيت فيه عزك وشرفك؟ فقال عبد المطلب: (أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه) وفي رواية (يحميه). انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 51، و"الروض الأنف" 1/ 69، و"السيرة النبوية" لأبي شهبة ص 167 - 169.]] ربا سيمنع منه) [[في: (ب): (عنه).]]. أي: سيمنع من تخريبه وقتل أهله) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 241.]]. وقال ابن جريج: (الآيات خلق السموات والأرض، يعني: أصرفهم عن الاعتبار بما فيها) [[أخرجه الطبري 9/ 60 بسند جيد.]]. وهو قول ابن زيد [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" ص 197/ ب، عن ابن زيد وابن جريج.]] ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 63، والأكثر على أن الآية عامة أي: سأمنع وأصد عن النظر في الآيات الكونية والشرعية والتفكر والاستدلال بها، انظر: الطبري 9/ 60، و"معاني النحاس" 3/ 78، والسمرقندي 1/ 569، والبغوي 3/ 282، وابن عطية 6/ 78، وابن الجوزي 3/ 260.]]. قال أبو إسحاق: (أي: أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية ﴿آيَاتِيَ﴾). قال: ومعنى: ﴿يَتَكَبَّرُونَ﴾ أنهم يرون أنهم أفضل الخلق، وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم، وهذه الصفة -أعنى: المتكبر- لا تكون إلا لله عز وجل [[في (أ): (جل وعز).]] خاصة؛ لأنه هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد مثله، فبذلك يستحق أن يقال له: المتكبر، وليس لأحد أن يتكبر لأن الناس في الحقوق سواء وليس لأحد ما ليس لغيره، وهو المكبر جل وعز، فأعلم أن هؤلاء ﴿يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [["معاني الزجاج" 2/ 376.]]. وقال غيره من أهل المعاني [[انظر: "معاني النحاس" 3/ 79، و"تفسير السمرقندي" 1/ 569، والماوردي 2/ 262.]]: (التكبر: إظهار كبر النفس على غيرها)، وصفة متكبر صفة ذم في جميع العباد، وصفة مدح [[انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص 35، و"اشقاق أسماء الله" للزجاجي ص 155، 241، و"الأسماء والصفات" للبيهقي ص 93.]] في القديم جل وعز؛ لأنه يستحق إظهار الكبر على من سواه لأن ذلك حق، وهذا المعنى في صفة غيره باطل. وقال أحمد بن يحيى: ﴿يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ من الكِبَر لا من الكِبْر [[قوله: (من الكِبَر، هو: بكسر الكاف وفتح الباء لا من الكِبْر هو بفتح الكاف وسكون الباء والتكبر التعظم، وكبَر، بكسر الكاف وفتح الباء الهرم ضد الصغر، وكِبْر، بسكون الباء: العظمة، وكبُر، بفتح الكاف وضم الباء: عظم. انظر: "العين" 5/ 361، و"الجمهرة" 1/ 327، و"الصحاح" 2/ 801، و"المجمل" 3/ 776، و"مقاييس اللغة" 5/ 153، و"المفردات" ص 696، و"اللسان" 5/ 125 (كبير).]]، أي: يتفضلون ويرون أنهم أفضل من غيرهم) [["تهذيب اللغة" 10/ 210 - 211 (كبر).]]، وهذا الذي قاله أحمد قريبٌ من الأول بل هو بعينه معنى. وقوله تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ﴾ حجة على القدرية [[انظر: "تفسير الرازي" 15/ 3 - 4.]]، و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] دليل ذلك أن له أن يصرف عن الإيمان من شاء. وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ﴾ قال ابن عباس: (يريد سبيل الهدى والبيان الذي جاء من الله، ﴿لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾ قال: يريد: لا يتخذوه دينا، ﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ﴾ يريد: طاعة الشيطان وضلالته، ﴿يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾ يريد: دينا) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 241 - 242 بدون نسبة، وانظر: "تفسير الطبري" 13/ 114 - 115، و"معاني الزجاج" 3/ 376، والنحاس 3/ 79، والسمرقندي 1/ 570، والماوردي 2/ 57.]]. وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ قال الزجاج: ﴿ذَلِكَ﴾ يصلح أن يكون نصبا على معنى: فعل الله بهم ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [["معاني الزجاج" 2/ 376، وفيه: (ذلك يصلح أن يكون رفعا أي أمرهم ذلك، ويجوز أن يكون نصبا ..) اهـ. وقال أبو حيان في "البحر" 4/ 390، والسمين في == "الدر" 5/ 457 - 458: (الأظهر أنه مبتدأ خبره الجار بعده، أي: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم، وجوز فيه النصب فقدره ابن عطية 7/ 162، فعلنا ذلك، فجعله مفعولا به، وقدره الزمخشري 2/ 117، صرفهم الله ذلك الصرف بعينه، فجعله مصدراً) اهـ، وانظر: "الفريد" 2/ 360.]]. وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ أي: جحدوا الإيمان بها والنظر فيها والتدبر لها [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 61، و"معاني الزجاج" 2/ 376، النحاس 3/ 80]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب