الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ الآية. هذا إغراء من الملأ وتحريض لفرعون على موسى، وإنكار أن يتركه مقيماً على مخالفته. قال سعيد بن جبير: (كان فرعون قد ملئ رعباً من موسى، وكان إذا رآه بال كما يبول الحمار، ولم يعلم قوم فرعون ذلك الرعب من فرعون، فأنكروا عليه خلاف عادة الملوك في السطوة لمن خالف عليهم، وشقِّ العصّا ولم يعلموا أنه غير قادر على قهره) [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾. قال ابن عباس: (يريد: يعبدوا الله ويوحدوه) [["تنوير المقباس" 2/ 119.]]. وقال غيره: (أراد بالإفساد في الأرض دعاؤهم الناس إلى مخالفة فرعون في عبادته وتجهيلهم إياه) [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 24، 25، والسمرقندي 1/ 562، والماوردي 2/ 248.]]، وهذا راجع إلى ما قاله ابن عباس؛ لأن عبادة الله وتوحيده تتضمن مخالفة فرعون وتجهيله. وقوله تعالى: ﴿وَيَذَرَكَ﴾. قال ابن الأنباري: (إنه ينتصب على الصرف [[واو الصرف: هي واو المعية عند الكوفين. انظر: "معجم المصطلحات النحوية والصرفية" ص 125.]] عن الأول، يراد به ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ وقد ترك أن يطيعك وأن يعبد ألهتك). وهذا قول الفراء [[انظر: "معاني الفراء" 1/ 391، وهو قول الطبري في "تفسيره" 9/ 25.]]، واحتج على هذا بقراءة أبيّ: (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوا أن يعبدوك) [[ذكر القراءة أيضًا عن أبي: أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 127، والطبري في "تفسيره" 9/ 25، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 632، وابن عطية 6/ 42، والقرطبي 7/ 262، وأبو حيان في "البحر" 4/ 367، وجاء عند الجميع إلا النحاس: (وقد تركوك أن يعبدوك).]]. قال أبو بكر: (وقال بعض النحويين: الواو نائبة عن الفاء، والتقدير: فيذرك وآلهتك) [[انظر: "الإيضاح" لابن الأنباري 2/ 663، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 221، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 419 - 420.]]، وهذا قول أبي إسحاق، قال: (نصب ﴿وَيَذَرَكَ﴾ على جواب الاستفهام بالواو، والمعنى: أيكون منك أن تذر موسى وأن يذرك موسى) [["معاني الزجاج" 2/ 367، وانظر: "إعراب النحاس" 1/ 632.]]. قال أبو بكر: (وحمله بعض الناس على إعراب (يُفسدوا)، وفي هذا بُعدٌ؛ لأن توحيده مع جمع (يفسدوا) يدل على انقطاعه منه) [[قال ابن الأنباري في "الإيضاح" 2/ 663: (قال اليزيدي: ﴿وَيَذَرَكَ﴾ منصوب على معنى: ﴿لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ وليذرك وآلهتك) اهـ. وقال السمين في "الدر" 5/ 423: (في النصب وجهان: أظهرهما أنه على العطف على ﴿لِيُفْسِدُوا﴾، والثاني: النصب على جواب الاستفهام) اهـ.]]. وقوله تعالى: ﴿وَآلِهَتَكَ﴾. قال أبو بكر: (كان ابن عباس ينكر قراءة العامة ويقرأ: (وإلاهتك) أي: عبادتك، ويقول: [[أخرج الطبري 9/ 25، 26، وابن أبي حاتم 5/ 1538 من طرق جيدة عن ابن عباس أنه قرأ: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ بكسر الألف، وقال: (إنما كان فرعون يُعْبدَ ولا يَعْبُد) == اهـ وأخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 172، القراءة بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" 3/ 200.]] إن فرعون كان يُعبد ولا يَعبد) [[ذكره عن ابن الأنباري السمين في "الدر" 5/ 424، وانظر: "تفسير الرازي" 14/ 211.]]، وبه قرأ الضحاك وابن مسعود والشعبي وابن أبي إسحاق [[ذكرها الثعلبي في "الكشف" 6/ 7 ب، 6/ 8 أعن ابن مسعود وابن عباس وابن أبي إسحاق والضحاك والشعبي، وذكرها البغوي 3/ 267، و"الخازن" 2/ 273، عن ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك وذكرها عن ابن مسعود وابن عباس أكثرهم. انظر: "مختصر الشواذ" ص 55، و"المحتسب" 1/ 256، وابن عطية 6/ 43، وابن الجوزي 3/ 244، و"البحر" 4/ 367 وهي قراءة مجاهد كما أخرجه الطبري 9/ 26 بسند جيد.]]. قال الزجاج: (والمعنى: ويذرك وربوبيتك فـ (إلاهتك) بمنزلة ربوبيتك) [[لم أقف عليه في "معانيه"، وذكره عن الزجاج ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 244.]]. وقرأ العامة ﴿وَآلِهَتَكَ﴾ على جمع إله مثل إزار وآزرة، وقد مرّ مستقصًى شرحه في أول الكتاب [[انظر: "البسيط" تفسير البسملة من الفاتحة.]]، وعلى هذه القراءة فقد روي عن ابن عباس أنه قال: (كان فرعون صنع لقومه أصناماً صغاراً، وأمرهم بعبادتها، وقال: أنا ربكم ورب هذه الأصنام، فذلك قوله: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 6/ 7 ب، وابن الجوزي 3/ 244، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 221 من رواية الكلبي عن ابن عباس.]] [النازعات: 24]، ونحو ذلك قال الزجاج، فقال: (إن فرعون كان له أصنام يعبدها قومه تقرباً إليه) [["معاني الزجاج" 2/ 367.]]. وقال الحسن: (كان فرعون يعبد الأصنام) [[أخرجه الطبري 9/ 25، وابن أبي حاتم 5/ 1538 من عدة طرق جيدة، وذكره الثعلبي 6/ 7 ب، والماوردي 2/ 248، والبغوي 3/ 267.]]، فعلى هذا كان يَعبد ويُعبد. وقال السدي: (كان يعبد ما يستحسن من البقر، وكانوا إذا رأوا بقرة حسناء، أمر قومه أن يعبدوها، وعلى ذلك أخرج السامري عجلاً) [[أخرجه الطبري 9/ 25 بسند جيد.]]، ونحو هذا روي عن سليمان التيمي [[أخرج ابن أبي حاتم 5/ 1538 بسند جيد، وذكره النحاس في "معانيه" 3/ 65.]]. وقوله تعالى: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾. قال ابن عباس: (كان فرعون قد ترك قتل أبناء بني إسرائيل، فلما أتاه موسى بالرسالة -وكان من أمره ما كان- أمر بإعادة القتل عليهم، فذلك قوله: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 6/ 8 أ، والواحدي في "الوسيط" 1/ 221، والبغوي 3/ 267.]]. قال أهل المعاني: (إنما دعي فرعون إلى قتل موسى، لكنه لم يطمع في ذلك لما رأى من قوة أمره وعلوّ شأنه، فعدل عن ذلك إلى إضعاف بني إسرائيل بقتل أبنائهم واستحياء نساءهم للمهنة والخدمة) [[انظر: "تفسير الماوردي" 2/ 248، والرازي 14/ 211، 212.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾، قال ابن عباس: (يريد: وإنا على ذلك قادرون) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 221.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب