الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ موضع (ما [[﴿مَاَ﴾ اسم استفهام مبتدأ وما بعدها خبرها. انظر: "إعراب النحاس" 1/ 601، و"المشكل" 1/ 284.]]) رفع، المعنى: أي شيء منعك من السجود. قال أبو بكر [[أبو بكر بن الأنباري، إمام لغوي. تقدمت ترجمته.]]: (ومعنى سؤاله الله عز وجل إبليس عن علة ترك السجود وهو عالم بذلك التوبيخ له [و] التعنيف [[لفظ: (الواو): ساقطة من (ب).]] وليظهر أنه معاند وأنه ركب المعصية خلافاً لله عز وجل، كما يقول الرجل لعبده: ما منعك من طاعتي وقد أحسنت إليك، وما منعك من خدمتي وقد أفضلت عليك، يريد بذلك التوبيخ له) [[لم أقف عليه.]]. وهذا معنى قول أبي إسحاق [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 322، وما نقله هو نص كلامه.]]. وأما (لا) في قوله ﴿أَلَّا تَسْجُدَ﴾ فقال الفراء: (المعنى: ما منعك أن تسجد وأن في هذا الموضع تصحبها [[في (ب): (تصحتها)، وهو تصحيف.]] لا، وتكون صلة، وكذلك قوله: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: 95] تزاد [[في (ب): (يراد)، وهو تصحيف.]] للاستيثاق من الجحد والتوكيد له، ومثله: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [[في النسخ: (لان لا).]] [الحديد: 29] المعنى: ليعلم أهل الكتاب) [[في "معاني الفراء" 1/ 473 (إلا أن معنى الجحد الساقط في لئلا من أولها لا من آخرها المعنى: ليعلم أهل "الكتاب" ألا يقدرون) اهـ. وانظر: "أضداد ابن الأنباري" ص 211.]]. وهذا أيضًا قول الكسائي [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 161، وابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 173، والرازي في "تفسيره" 14/ 31، وقال: (هو قول الأكثرين) اهـ. ومهم أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 211، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" 1/ 176، و"تأويل المشكل" ص 244، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 601، 602، ومكي في "المشكل" 1/ 284.]]، ونحو هذا قال الزجاج: فقال: (معنى ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ إلغاء لا وهي مؤكدة؛ المعنى: ما منعك أن تسجد، قال [[في (ب): وقال مثل إلغاء.]] ومثل إلغاء (لا) قول الشاعر [[الشاهد مشهور لا يعرف قائله، وقد تقدم تخريجه.]]: أَبَى جُوُده لا البُخْلَ وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ ... نَعَمْ مِنْ فَتًى لا يَمْنع الجودَ قَاتِلُهْ قالوا: معناه: أبى جوده البخل [[في (ب): (أبي جوده لا البخل) وهو تحريف.]]. [قال: وقال أبو عمرو بن العلاء: الرواية أبى جوده لا البخلِ] [[في (أ): (لا البخل) وهو تحريف. ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] والذي قاله أبو عمرو حسن، المعنى: أبى جوده (لا) التي تبخِّل الإنسان كأنه إذا قيل له: (لا) تسرف و (لا) تبذر مالك أبي جوده [[في "معاني الزجاج" 2/ 323، (أبي جوده (لا) هذه).]] هذه واستعجلت به (نعم) فقال: نعم، أفعل ولا أترك الجود، وهذان القولان في البيت هما قول العلماء) [["معاني الزجاج" 2/ 323.]]. قال أبو علي: (وهذا البيت أنشده أبو الحسن [[أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش إمام مشهور.]] وقال: فسرته العرب أبي جوده البخل، وزعم يونس [[يونس بن حبيب الضبي، إمام تقدمت ترجمته.]] أن أبا عمرو [[أبو عمرو بن العلاء النحوي القارئ، إمام، تقدمت ترجمته.]] كان يجر البخل ويجعل لا مضافة إليه، أراد أبى جوده [لا] [[لفظ: (لا) ساقطة من (أ).]] التي هي للبخل لأن لا قد تكون [[في (ب): (يكون) بالياء.]] للبخل وللجود فالتي للبخل [[في (ب): (فالتي للبخل وللجود فالتي للبخل معروفة) وهو تحريف. ولم ترد عند الأخفش ولا عند أبي علي لفظه: (فالتي للبخل معروفة).]] معروفة والتي للجود أنه لو قال له: امنع الحق أو لا تعط المساكين فقال: لا كان هذا جودًا فيه [[في "معاني الأخفش" 2/ 295، و"الإغفال" ص 692، (كان هذا جودا منه).]]) [[النص في "معاني الأخفش " 2/ 294، "الإغفال " ص 692، و"الحجة" لأبي علي 1/ 169. وانظر: إعرابه وتوجيهه في "الحجة" لأبي علي 3/ 381، و"كتاب الشعر" 1/ 117، و"أمالي ابن الشجري" 2/ 542.]]. وقد أجاز [[هذا من قول أبي علي أيضًا في "الإغفال" ص 692 - 693 والنص منه.]] أبو إسحاق في البيت قولًا آخر قال: (وهو عندي حسن أرى أن تكون لا غير لغو، وأن يكون البخل منصوبًا بدلاً من (لا) المعنى: أبي جوده (لا) التي هي البخل فكأنك قلت: أبي جوده البخل) [["معاني الزجاج" 2/ 323. وفيه: (المعنى أبي جوده البخل واستعجلت به نعم) اهـ. وقال أبو حيان في "البحر" 4/ 273. (وقد خرجته أنا تخريجًا آخر وهو أن ينتصب البخل على أنه مفعول من أجله ولا مفعول له). وقال السمين في "الدر" 5/ 262: (ولا حجة في هذا البيت على زيادة لا في رواية النصب، ويتخرج على وجهين: == أحدهما: أن تكون لا مفعولًا بها، والبخل بدل منها لأن (لا) تقال في المنع فهي مؤدية للبخل. والثاني: أنها مفعول بها أيضًا والبخل مفعول من أجله، والمعنى: أبي جوده لفظ لا لأجل البخل أي: كراهة البخل، ويؤيد عدم الزيادة رواية الجر) اهـ. وانظر: الشاهد وتوجيهه في "الأضداد" لابن الأنباري ص 211 - 216.]]. وحكى عن أحمد بن يحيى: (أن (لا) في هذه الآية ليست زائدة، ولا توكيدًا؛ لأن معنى قوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ من قال لك لا تسجد، فحمل نظم الكلام على [[في (أ): (لأن لا)، وهو تحريف.]] معناه) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 188 أ.]]. وهذا القول حكاه أبو بكر [[انظر "الأضداد" لابن الأنباري ص 215 - 216. وقال الرازي في "تفسيره" 4/ 31: (لا هاهنا مفيدة وليست لغوًا، وهذا هو الصحيح لأن الحكم بأن كلمة من كتاب الله لغو لا فائدة فيها مشكل صعب) اهـ.]] عن الفراء. وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [[لفظ: (قال) ساقط من (ب).]]، ولم يقل: منعني من السجود أني خير منه فأتى بشيء في معنى الجواب ولفظه غير جواب؛ لأن قوله: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [إنما هو] [[لفظ: (إنما هو) ساقط من (ب).]] جواب (أيكما خير)، ولكن الكلام في معنى الجواب لأن قوله: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ في معنى: منعني من السجود فضلي عليه، وهذا قول الفراء [[انظر: "معاني الفراء" 1/ 374.]] والزجاج [["معاني الزجاج" 2/ 323.]]. وزاد أبو بكر لهذا بيانًا فقال: (أما قولة إبليس لعنه الله في جواب ربه عز وتعالى: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ ففيه [معنى] [[لفظ: (معنى) ساقط من (ب).]] منعني من السجود له عند نفسي أنني [[في (ب): (أنه)، وهو تحريف.]] خير منه؛ إذ كنت ناريًا وكان طينيًا، فلما أتى بكلام فيه معنى الجواب اكتفى به، واقتصر عليه كما يقول الرجل للرجل: لمن الدار؟ فيقول: مالكها زيد، يريد هي لزيد، فيأتي بكلام يرجع إلى معنى الجواب، فخاطب الله عز وجل العرب بلسانها واختصارها، واكتفائها) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 161، والقرطبي 7/ 170 - 171 بدون نسبة ونحوه في "معاني النحاس" 3/ 15، و"تفسير البغوي" 3/ 217.]]. وقوله تعالى: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾، قال ابن عباس: (كانت الطاعة أولى بإبليس من القياس، فعصى [[قوله: (فعصى) غير واضحة في (أ)، وموضحة في الهامش.]] ربه وقاس، وأول من قاس إبليس فكفر بقياسه، فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله مع إبليس) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 188 أ، والواحدي في "الوسيط" 1/ 161، والبغوي في "تفسيره" 3/ 217، والقرطبي 7/ 171 وغيرهم، ونقله الرازي في "تفسيره" 14/ 34، عن الواحدي عن ابن عباس.]]. فإن قيل: أليس العلماء يقيسون في مسائل، قيل: القياس قياسان: قياس في مخالفة النص فهو مردود كقياس إبليس، وقياس يوافق الأصول عند عدم النص فهو مقبول كقياس العلماء يقيسون [[القياس لغة: التقدير، ورد الشيء إلى نظيره، واختلف في تعريفه في الشرع، فقيل: هو حمل مجهول الحكم على معلومه لمساواة بينهما في علة الحكم، والقياس الشرعي عند الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء أصل من أصول الشريعة يستدل به على الأحكام التي لم يرد بها السمع. انظر: "الرسالة" للشافعي ص 476 وما بعدها، و"شرح مختصر الروضة" 3/ 218، و"التعريفات" للجرجاني ص 181، و"إرشاد الفحول" 2/ 839 وما بعدها.]] ما لا نص فيه بما فيه نص ودليل، وابن عباس يقول: (من قاس الدين بشيء من رأيه) ولا يجوز أن يقاس الدين بما يراه الإنسان من رأيه [[انظر: "زاد المسير" 3/ 174، و"تفسير الرازي" 14/ 34، والقرطبي 7/ 171، و"فتاوى شيخ الإسلام" 5/ 15 - 6.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب