قوله: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ قال أبو إسحاق: موضع (إذ) نصب كأنه قال: واذكر إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا [[(حديثًا) ساقطة من (س).]]، يعني ما أسر إلى حفصة في تحريمه الجارية على نفسه واستكتمها ذلك [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 191.]]، وقال جماعة من المفسرين: إن النبي -ﷺ- لما رأى المغيرة والكراهية في وجه حفصة أراد أن يترضاها فأسر إليها بشيئين. تحريم الأمة على نفسه، وبشرها بأن الخلافة بعده في أبي بكر وأبيها عمر. وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي، وسعيد بن جبير [[في (س): (والكلبي وسعيد بن جبير) زيادة.]] ومقاتل [[انظر: "تفسير مقاتل" 160 أ، و"الكشف والبيان" 12/ 147 ب، وفي "مجمع الزوائد" 7/ 126، ذكر الخبر عن أبي هريرة ثم قال: رواه الطبراني في "الأوسط"، من طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير، عن عمه. قال الذهبي: مجهول وخبره ساقط. وذكر ابن كثير في "تفسيره" 4/ 390 تخريج الطبراني لذكر الخلافة عن ابن عباس. ثم قال: إسناده فيه نظر. واعتمد ما ورد في الصحيح.
وانظر: "تخريجات الكشاف" ص 176.]].
قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ قال ابن عباس: أخبرت به عائشة [[انظر: "تنوير المقباس" 6/ 96.]] ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ أطلع الله نبيه على قول حفصة لعائشة، فأخبر [[في (ك): (فأخبر الله) والصواب ما أثبته.]] النبي -ﷺ- حفصة عند ذلك ببعض [[(ما) ساقطة من (س).]] ما قالت، وهو قوله: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ قال ابن عباس: عرف حفصة بعض ما أخبرت به عائشة: ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾، فلم يعرفه إياها على وجه التكريم والإغضاء [[انظر: "التفسير الكبير" 30/ 43.]].
وقال مقاتل: ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ لم يخبرها أنك أخبرت عائشة أن أبا بكر وعمر يملكان [[انظر: "تفسير مقاتل" 160 أ، و"معالم التنزيل" 4/ 364.]]. فالذي أعرض عنه ذكر خلافة أبي بكر وعمر. ونحو هذا ذكر الزجاج [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 192، والذي فيه أنه عرف حفصة بعض ما أفضت به من الخبر دون التصريح بما عرفها به.]].
وروى أبو بكر ابن عيالش الكلبي [[كذا في في (ك): وصوابها (عن الكلبي) ولم أجد هذه الرواية.]] قال: كره أن ينشر في الناس. يعني ذكر الخلافة. وروى عن الكلبي بخلاف هذا قال: عرفها بعض حديثها لعائشة من شأن أبي بكر وعمر، ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ وهو تحريم الجارية؛ لأنه لم يبال ما أظهرت من ذلك. يعني أنه -ﷺ- أنكر عليها إفشاء الخلافة وأعرض عن إفشاء التحريم لقلة مبالاته بذلك [[انظر: "زاد المسير" 8/ 309، و"الكشاف" 4/ 115، من طريق أبي صالح عن ابن عباس. والقولان في "تفسير ابن عباس" 6/ 97.
قال ابن حجر: قوله: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً لقوله: بل شربت عسلًا) هذا القدر بقية الحديث .. وكأن المعنى: وأما المراد بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ فهو لأجل قوله: (بل شربت عسلًا)، والنكتة فيه أن هذه الآية داخلة في الآيات الماضية، لأنها قبل قوله: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾.
قلت: وما ذكر من أمر الخلافة لا وجه له إذ يستبعد جمع أمر خاص به -ﷺ- مع خلافة المسلمين العامة، ثم ما الذي منع عائشة وحفصة -رضي الله عنهما- من ذكر هذا الأمر بعد موته -ﷺ- وما حصل أو كاد أن يحصل بين المهاجرين والأنصار، وهل كان الصديق أو الفاروق يحرص على تولي أمر المسلمين، وهل كانت عائشة أو حفصة كذلك، وعائشة هي التي كانت تشير عليه -ﷺ- بأمر عمر بالصلاة دون أبيها، لو كانت علمت ذلك من قبل هل كانت ستشير بهذا؟]].
وقرئ (عرَفَ) مخففًا [[قرأ الكسائي ﴿عَرَّفَ﴾ بتخفيف الراء، وقرأ الباقون بتشديدها.
انظر: "حجة القراءات" ص 713، و"النشر" 2/ 388، و"الإتحاف" ص 419.]]، ومعناه جازى عليه، ولا يجوز أن يكون (عرف) من العلم؛ لأن النبي -ﷺ- إذا أظهره الله على ما كانت أفشته علم جميع ذلك، ولم يجز أن يعلم من ذلك مع إظهار الله إياه بعضه، ولكن يعلم جميعه، فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه علمت أنه بمعنى المجازاة، وهذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن: أنا أعرف لأهل الإحسان وأعرف لأهل الإساءة، أي: لا يخفى عليّ ذلك وأغضي عن بعض، وهذا كقوله: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ﴾ [البقرة: 197] وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [النساء: 63]، أي: يجازيهم، وهو أعلم [[في (س): (يعلم).]] بما في قلوب الخلق أجمعين. ومثله قوله: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7]، أي: يرى جزاءه، وليس المعنى يرى ما عمل. وكان مما جازى حفصة تطليقه إياها؛ هذا كلام أبي علي [[من قوله: (جازى عليه ...) إلى هنا كلامه، وفيه تصرف من الواحدي. وانظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 301 - 302.]]. وهو كله قول الفراء والزجاج [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 166، و"معاني القرآن" للزجاج 5/ 192، و"زاد المسير" 8/ 308.
قلت: تطليق حفصة رضي الله عنها يرده ما في الصحيح، وفيه عن عمر قال: فقلت: أطلقت يا رسول الله -ﷺ- نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: لا. فقلت: الله أكبر. وفي رواية (أطلقتهن؟ فقال: لا. فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق نساءه) وفرحه -رضي الله عنه- لما علم بأنه لم يطلق حفصة، ولو كانت طلقت لحزن؛ إذ في إمساكها دليل على فضل آل الخطاب وخيريتهم، وفي "تفسير مقاتل" 160 أأنه لم يطلقها وأنها من نسائه في الجنة.
وانظر: "صحيح مسلم"، كتاب: الطلاق، باب: بيان أن تخيير المرأة لا يكون طلاقًا إلا بالنية 2/ 1103، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 389.]] واختيار أبي عبيد قراءة العامة لقوله: ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ يعني لم يعرفها إياه، ولو كان عرف مخففًا لكان ضده وأنكر بعضًا [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 462، ومما قال: وقراءة الكسائي: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ وردها أبو عبيد ردًّا شنيعًا .. قال أبو جعفر: وهذا الرد لا يلزم، والقراءة معروفة عن جماعة منهم أبو عبد الرحمن السلمي.]].
{"ayah":"وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِیُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَ ٰجِهِۦ حَدِیثࣰا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضࣲۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَـٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِیَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡخَبِیرُ"}