قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ﴾ قال الزجاج: ﴿يَوْمُ﴾ منصوب بقوله: ﴿لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ﴾ [["معاني القرآن" للزجاج 5/ 180.]].
قوله: ﴿لِيَوْمِ الْجَمْعِ﴾ قال ابن عباس، ومقاتل: يريد يوم القيامة يجمع فيه أهل السموات وأهل الأرض [["تفسير مقاتل" 157 ب، و"معالم التنزيل" 4/ 353، و"التفسير الكبير" 30/ 24.]].
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ التغابن تفاعل من الغبن، والغبن في الشراء والبيع، يقال: غبنه يغبنه إذا أخذ الشيء عنه بدون قيمته [["تهذيب اللغة" 1/ 148 (غبن)، و"مفردات الراغب" (غبن).]].
قال ابن عباس: إن قومًا في النار يعذبون وقومًا في الجنة يتنعمون [["التفسير الكبير" 30/ 24.]] وقال المقاتلان: هو يوم يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، وأهل الهدى أهل الضلالة، وأهل الإيمان أهل الكفر، فلا غبن أبين منه، هؤلاء يدخلون الجنة، وهؤلاء يدخلون النار [["تفسير مقاتل" 157 ب، و"التفسير الكبير" 30/ 24، و"تفسير ابن كثير" 4/ 375.]]، وهذا معنى قول جماعة المفسرين [[وروى نحوه عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 679، و"جامع البيان" 28/ 79، و "زاد المسير" 8/ 282.]].
قال: ويرى الكافر مقعده وأزواجه من الجنة لو آمن ليزداد حسرة، وإذا لم يؤمن ويرثه المؤمنون، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة [[ويشهد لهذا المعنى الحديث الصحيح عن أبي هريرة، قال: قال النبي -ﷺ-: "لا يدخل أحد الجنة إلا أُري مقعده من النار لو أساء، ليزداد شكرًا، ولا يدخل النار أحد إلا أُري مقعده من الجنة لو أحسن لبكون عليه حسرة" "صحيح البخاري"، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار 8/ 146.
قال ابن حجر: ووقع عند ابن ماجه أيضًا، وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة بلفظ "ما منكم من أحد إلا وله منزلان، منزل في الجنة، ومنزل في النار. فإذا مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله" وذلك قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ "فتح الباري" 11/ 442.]]. وحقيقة المعنى أنا قد ذكرنا أن أهل الغبن والتغابن في البيع والشراء، وقد ذكر الله تعالى أن الكافرين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة [[وذلك في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ سورة البقرة، آية: 86.]]، واشتروا الضلالة بالهدى، ثم ذكر أنهم ما ربحوا في هذه التجارة، فقال ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾ [[قال تعالى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين﴾ [سورة البقرة، آية: 16].]] ودل المؤمنين على تجارة رابحة بقوله: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ﴾ [الصف: 10] الآية [[قوله: (على تجارة رابحة بقوله ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾) مكررة.]]. فكل من آمن وجاهد بنفسه وماله فقد ربحت تجارته، وذكر أنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة بقوله: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [التوبة: 111] الآية فخسرت صفقة الكفار وربحت صفقة المؤمنين، غير أن هذا التغابن إنما يظهر في القيامة إذا صار المؤمنون إلى الجنة فربحوا الجنة ومنازلها بتجارتهم، وخسرها الكفار وصارت عاقبتهم النار، فذلك اليوم يوم التغابن علي معنى يوم ظهور التغابن.
{"ayah":"یَوۡمَ یَجۡمَعُكُمۡ لِیَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَ ٰلِكَ یَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَیَعۡمَلۡ صَـٰلِحࣰا یُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَیِّـَٔاتِهِۦ وَیُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۚ ذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"}