الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ الآية.
قال أبو إسحاق: (موضع ﴿كَمْ﴾ نصب بأهلكنا لا بقوله: ﴿يَرَوْا﴾؛ لأن لفظ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله) [["معاني القرآن" 2/ 229، وانظر: "إعراب النحاس" 2/ 56، و"المشكل" لمكي 1/ 246، و"البيان" لابن الأنباري 1/ 314، و"التبيان" للعكبري 1/ 322، و"الفريد" للهمداني 2/ 120، و"الدر" للسمين 4/ 535.]]. والقرن: الأمة من الناس، وأهل كل مدة قرن؛ قال النبي ﷺ: "خيركم قرني" [[أخرجه البخاري في "صحيحه" (2651)، كتاب الشهادات، باب: لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، ومسلم رقم 2535، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". قال عمران: لا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. الحديث.
وانظر شرحه في "فتح الباري" 7/ 5.]]. واشتقاقه من الاقتران [[انظر: "الجمهرة" 2/ 793، و"تهذيب اللغة" 3/ 2947، و"الصحاح" 6/ 2180، و"مقاييس اللغة" 5/ 76، و"المجمل" 3/ 749، و"المفردات" ص 667، و"النهاية" لابن الأثير 4/ 51، و"اللسان" 6/ 3608 (قرن).]]، فالقرن: القوم المقترنون في زمان من الدهر [[الجمهور على أن القرن مائة سنة، وأكثر المحققين على أنه غير مقدر بزمن معين لا يقع فيه زيادة ولا نقصان، بل المراد أهل كل عصر، فإذا انقضى أكثرهم قيل: قد انقضى القرن، وهو اختيار الزجاج في "معانيه" 2/ 229، والنحاس 2/ 400، والرازي في "تفسيره" 12/ 131، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 391، وانظر: "معاني الفراء" 1/ 328، و"مجاز القرآن" 1/ 185، و"تفسير غريب القرآن" ص 151، و"تفسير البغوي" 3/ 128، وابن عطية 5/ 129، وابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 5، و"البحر" 4/ 65، و "الدر المصون" 4/ 539.]]، وقال ابن عباس في تفسير قوله: ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾: (يريد: (من جيل ومن أمة) [[انظر: "تنوير المقباس" 2/ 4.]]، وقوله ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد: أعطيناهم ما لم نعطكم) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 10، وابن الجوزي 3/ 6.]]. يعني: وسعنا عليهم في كثرة العبيد والمال والثمار والأنعام. ومعنى التمكين [[انظر: "الجمهرة" 2/ 983، و"تهذيب اللغة" 4/ 3436، و"الصحاح" 6/ 2205، و"المجمل" 3/ 837، و"المفردات" ص 773، و"اللسان" 7/ 4250 (مكن).]] من الشيء: إعطاء ما يصح به الفعل من الآلات والعدد والقوى، وهو أتم من الإقدار؛ لأن الإقدار: إعطاء القدرة خاصة، والقادر على الشيء قد يتعذر عليه الفعل بعدم الآلة، والتمكن ينافي التعذر [[هذا قول أبي هلال العسكري في "الفروق اللغوية" ص 90، وانظر: "البحر" 4/ 66.]] والانتقال من الخبر إلى الخطاب من الاتساع والتصرف في [[قال بعض أهل التفسير: في الآية رجوع من الغيبة في قوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ إلى الخطاب في قوله ﴿لَكُمْ﴾ للاتساع وتلوين الخطاب، قال السمين في "الدر المصون" 4/ 538: (فيكون على هذا التفاتًا فائدته التعريض بقلة تمكن هؤلاء ونقص أحوالهم عن حال أولئك، ومع تمكينهم وكثرتهم فقد حل بهم الهلاك، فكيف وأنتم أقل منهم تمكينا وعددًا) ا. هـ وانظر: "معاني الأخفش" 2/ 269، و"إعراب النحاس" 1/ 536، و"غرائب التفسير" للكرماني 1/ 352، و"تفسير البغوي" 3/ 128، وابن الجوزي 3/ 6، و"تفسير القرطبي" 6/ 391.]] الكلام، كما تقول: قلت لعبد الله -وقد كان شكره زيد-: ما أكرمك، أي: واجهته بهذا الخطاب، وإن شئت قلت: ما أكرمه، على الإخبار [[أي يجوز. قلت لزيد: ما أكرمك أو ما أكرمه. انظر: "تفسير الطبري" 7/ 149، وابن عطية 5/ 130، و"البحر" 4/ 75.]].
وقوله تعالى: ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾ ثم قال: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ ولم يقل: نمكنكم، وهما لغتان، تقول العرب: مكنته ومكنت له، كما تقول: نصحته ونصحت له. قال صاحب "النظم": (العرب تتسع في الأفعال التي تتعدى بحروف [[في: (ش): (بحرف)، والصواب ما أثبته.]] الصفات فربما عدوها [[في: (أ): (أعدوها)، والصواب ما أثبته.]] بغيرها كقوله تعالى: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: 26] المعنى: فإلى أين؛ وربما زادوها فيما يتعدى بغيرها كقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: 43] وقوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: 154] وقوله تعالى: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [[قال السمين في "الدر" 4/ 537: قال أبو علي الجرجاني: (مكناهم ومكنا لهم لغتان) ا. هـ.]] [النمل: 72] ونحو هذا. قال أبو علي في قوله تعالى: ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ [يوسف: 21] وقوله: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الكهف: 84] قال: (يجوز أن تكون اللام هاهنا على حد التي هي في قوله تعالى: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾، ﴿لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾) [["الحجة" لأبي علي 4/ 429، وقال العسكري في "الفروق" ص 90: (الصحيح أن مكنت له: جعلت له ما يتمكن به، ومكنته: أقدرته على ملك الشيء في المكان) ا. هـ وقال السمين في "الدر" 4/ 536 - 537: (الفرق بينهما أن مكنه في كذا أثبته فيها، وأما مكن له فمعناه جعل له مكانًا) ا. هـ. ملخصًا. وانظر "المسائل العضديات" ص 67، و"الكشاف" 2/ 5، والأكثر على التسوية بينهما، ويتعدى مكن بنفسه وبحرف الجر، والأكثر تعديته باللام. انظر: "مجاز القرآن" 1/ 186، و"نزهة القلوب" ص 399، و"غرائب الكرماني" 1/ 353، و"تفسير البغوي" 3/ 128، وابن الجوزي 3/ 6، و"تفسير القرطبي" 6/ 329، و"البحر" 4/ 76.]].
وقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾ قال ابن عباس: (يريد بالغيث والبركة) [[لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" 4/ 1264 بسند جيد عنه قال: (يتبع بعضها بعضا) ا. هـ. وأخرج أبو عبيد في كتاب "اللغات" ص 94، وابن حسنون ص 24، والوزان ص 3/ ب بسند جيد عنه قال: (متتابعًا بلغة هذيل == وذكر البغوي في "تفسيره" 3/ 128 عنه أنه قال: (متتابعًا في أوقات الحاجات) ا. هـ.]].
والسماء [معناه] [[لفظ: (معناه) ساقط من (أ). وانظر: "الزاهر" لابن الأنباري 1/ 238.]]: المطر هاهنا، والمدرار: الكثير الدر وأصله من قولهم: درّ اللبن إذا أقبل على الحالب منه [[انظر: "جمهرة اللغة" 1/ 11، و"تهذيب اللغة" 2/ 1171، و"الصحاح" 2/ 655، و"مقاييس اللغة" 2/ 255، و"المفردات" ص 310، و"اللسان" 3/ 1357 (در).]] شيء كثير فالمدرار يصلح أن يكون من نعت السحاب [[مثله قال الرازي 12/ 159، والأكثر على أن ﴿مِدْرَارًا﴾ حال من السماء، وهو الظاهر؛ لأنه بعد معرفة. انظر: "إعراب النحاس" 1/ 537، و"المشكل" 1/ 246، و"البيان" 1/ 381، و"الفريد" 2/ 121، و"البحر" 4/ 76، و"الدر المصون" 4/ 541، ولعل مراد الواحدي بالنعت الحال؛ لأن أصله صفة. انظر "الأصول" لابن السراج 1/ 213، و"شرح شذور الذهب" ص 244.]] ويجوز أن يكون من نعت المطر، ويقال: سحاب مدرار إذا تتابع إمطاره ومفعال يجيء في نعت يبالغ فيه. قال مقاتل: (مدرارًا: متتابعًا) [["تفسير مقاتل" 1/ 550.]] وقال المؤرج [[تقدمت ترجمته.]]: (مرة بعد أخرى) [[ذكره الرازي 12/ 76، عن مقاتل، وانظر: "مجاز القرآن" 1/ 186، و"غريب القرآن" لليزيدي ص 134، و"تفسير غريب القرآن" ص 150، و"نزهة القلوب" ص 440.]]. ويستوي في المدرار المذكر والمؤنث [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 229، والنحاس 2/ 401.]]
وقوله تعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد بكفرهم وجرأتهم عليَّ) [[انظر: "تنوير المقباس" 2/ 4.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَنْشَأْنَا﴾ معنى الإنشاء ابتداء الإيجاد من غير سبب [[انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3567، و"الصحاح" 1/ 77، و"المفردات" ص 807 (نشأ).]] تقدم. والآية احتجاج على منكري البعث، من جهة أن الذي أهلك من قبلهم وأنشأ بعدهم قرنًا آخرين قادر على أن يهلك العالم بأسره وينشئ بعده عالمًا آخر، وقادر على الإعادة بعد الإهلاك.
{"ayah":"أَلَمۡ یَرَوۡا۟ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡهِم مِّدۡرَارࣰا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَـٰرَ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَـٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق