الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ الآية. أخبر الله تعالى عنهم بما سيقولونه [[في (أ): (بما سيقولو إذا لزمتهم).]] إذا لزمتهم الحجة وتيقنوا باطل ما هم عليه من الشرك بالله، وتحريم ما لم يحرمه الله.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا آبَاؤُنَا﴾ عطف على المضمر المرفوع في ﴿أَشْرَكْنَا﴾ من غير توكيد للمضمر وهو قبيح لولا قوله: (ولا)، فإنه قام مقام تأكيد المضمر [[انظر "معاني الزجاج" 2/ 302، و"إعراب النحاس" 1/ 590، وقد ذهب الكوفيون إلى أنه: يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل نحو (قمت وزيد). وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز إلا على قبح في ضرورة الشعر. وأجمعوا على أنه إذا كان هناك توكيد أو فصل فإنه يجوز معه العطف من غير قبح. انظر: الكتاب 2/ 277، و"الإنصاف" 380، و"الدر المصون" 5/ 210.]]، وهذه المسألة قد مضت بالاستقصاء [[لم أقف عليه.]].
قال المفسرون [[انظر "تفسير الطبري" 8/ 780، السمرقندي 1/ 522، البغوي 3/ 201.]] (إن المشركين جعلوا قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ حجة لهم على إقامتهم على الشرك، فقالوا: إن الله رضي منا ما نحن عليه، وأراده منا، وأمرنا به، ولو لم يرضه لحال بيننا وبينه، فقال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد: الذين من قبل قومك كذبوا أنبيائهم، وقالوا مثل ما قال هؤلاء) [["تنوير المقباس" 2/ 72، وذكره ابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 145.]].
فإن قيل: لم كذبوا في إضافة مشيئة شركهم إلى الله؟ قيل: إنهم لم يكذبوا في ذلك، ولو كذبوا في قولهم ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾، لقيل: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ﴾ بالتخفيف [[القراءة المشهورة ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ﴾ بتشديد الذال، قال الطبري في "تفسيره" 8/ 79: (ولو كان ذلك خبرًا من الله عن كذبهم في قيلهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا﴾ لقال: (كَذَلِكَ كَذَبَ الذين من قبلهم) بتخفيف الذال، وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله لا إلى التكذيب ..) ا. هـ، وانظر: "تفسير البغوي" 3/ 201، وابن عطية 5/ 388، والرازي 13/ 325.]]، ولكن المعنى: كما [كذبك هؤلاء] [[لفظ: (كذبك هؤلاء)، ساقط من (ش).]]، كذب كفار الأمم الخالية أنبياءهم، ولم يتعرض لقولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾، ولكن قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ لا يكون حجة لهم على أن ما هم عليه من الدين حق؛ لأن الأشياء كلها تجري بمشيئة الله تعالى، فلو كانوا على صواب؛ لأن ذلك بمشيئة الله تعالى لكان من خالفهم أيضًا وجب أن يكون عندهم على صواب؛ لأنهم أيضًا على ما شاء الله، فينبغي أن لا يقولوا إنهم ضالون، فبان أنه لا حجة لهم في قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ وإن كان الأمر على ما قالوا؛ لأنهم تركوا أمر الله وتعلقوا بمشيئته، وأمر الله تعالى بمعزل عن إرادته؛ لأنه مريد لجميع الكائنات، غير آمر بجميع ما يريد، فعلى العبد أن يحفظ الأمر ويتبعه، وليس له أن يتعلق بالمشيئة بعد ورود الأمر [بما يجب عليه] [[في (ش): (بعد ورود الأمر لما يجب الانتهاء إليه).]] الانتهاء إليه، وهذا معنى ما ذكره أبو إسحاق [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 302.]] وغيره من العلماء [[ومنهم: الطبري في "تفسيره" 8/ 78، 79، والنحاس في "معانيه" 2/ 513 - 514، والثعلبي في "تفسيره" ص 185 ب، والبغوي 3/ 201.]].
وقال أبو علي الجرجاني: (احتج [[في (أ): (حين احتج المشركون).]] المشركون بأنهم أشركوا بمشيئة الله، والمراد بالمشيئة هاهنا: الأمر، وترك النهي لا الإرادة التي يقولها المؤمنون، أيضًا أن الشرك وكل كائن فهو بمشيئته، وإنما يكون لهم تعلق بهذا إذا أرادوا بالمشيئة الأمر، ألا ترى أن رجلاً لو كان معه حدث فعوتب عليه فقال: لو شاء فلان لم أفعله [[في (ش): (يفعله).]] لم يكن له في ظاهر هذا القول عذر، ولا تعلق إلا أن يعني به أنه أمره به، ومن عادة العرب الجارية بينهم في المحاورات إذ أمر الرجل بشيء ففعله، فيتم عليه الأمر وعاتبه عليه أن يقول له: لو شئت أنت لم أفعله، أي: أنك أنت أمرتني به فلمَ تنكره عليّ ولو نهيتني عنه لم أفعله، ويدل على صحة ما ذهبنا إليه من أن هذا محمول على الأمر قوله: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: 143]، وهذا يدل على أنهم أضافوا ذلك التحريم إلى أن الله تعالى أمرهم به لا إلى مشيئته. ولو أضافوا ذلك إلى المشيئة لقال عز وجل في الإنكار عليهم: قل أتحريم الذكرين شاء لكم أم تحريم الأنثيين، وكذلك قوله: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا﴾ [الأنعام: 144]، وهل تكون التوصية إلا أمرًا ظاهرًا لا مشيئة باطنة، ولم يكن الله ليطالبهم بأن يكونوا شهداء بمشيئته، ثم قال: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: 144] يعني قولهم [[لفظ (قولهم)، ساقط من (أ).]]: إن الله أمرنا بتحريم هذه الأنعام، وكذلك قوله: ﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا﴾ [الأنعام: 150] أي: أمر بتحريمه فلما دلت هذه الآيات على أنهم أضافوا ما كانوا عليه إلى أن الله تعالى أمرهم به كان.
قوله: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ أي: لو نهانا عن الشرك ولم يأمرنا به ﴿مَا أَشْرَكْنَا﴾، فأضافوا شركهم إلى أمره، كما أضافوا التحريم، وقد صرح الله تعالى بهذا الذي ذكرنا في الإخبار عنهم في قوله: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 28]، فالمرجع على ما رتبنا وبيّنا في تأويل قوله: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ وجميع ما يتصل به إلى أنهم ادَّعوا على الله أنه أمرهم به، فكذّبهم الله في ادعائهم أمره بذلك، لا أنه كذبهم في إضافتهم مشيئة ما هم فيه إليه، ومما جاء في القرآن، من مثل هذا قوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى﴾ إلى قوله: ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [الأعراف: 169]، فهذا تبكيت لهم على قولهم (سَيُغْفَرُ لَنَا) [[في (ش): (لهم بدلًا من (لنا).]]؛ لأن الكذب لا يقع إلا فيه مما ذكر في [[لفظ: (في) ساقط من (ش).]] هذه الآية، ومعنى قولهم ﴿سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ أنهم ادّعوا أن الله وعدهم أن يغفر لهم، فكذّبهم الله تعالى في ادعائهم الوعد، ولا يحسن حمله إلا على هذا الوجه؛ لأنه لا يحسن أن ينكر عليهم حسن الظن بالله في الغفران وحسن الظن غير مذموم) [[لم أقف عليه عن أبي علي الجرجاني.]].
وقال أبو بكر بن الأنباري: (إنما عابهم الله تعالى بردّ المشيئة إليه حن استهزءوا واحتجوا على المؤمنين، وضَعّفوا أمر الرسل بردّ المشيئة إلى الله فقالوا للمؤمنين: ما نحتاج إلى اتباع الرسل؛ لأن الذي نحن عليه بمشيئة ربنا، وعلى أنه لو شاء نقلنا عنه، فلما لم يقولوه على جهة التعظيم لله [وقالوه] [[في (ش): (وقالوا).]] طاعنين على المسلمين، ومضعّفين أمر الأنبياء نعاه الله عز وجل عليهم وبيّن جهلهم فيه) [[لم أقف عليه.]].
وهذا قول الحسين بن الفضل: (أنهم قالوا هذه المقالة تكذيبًا وتخرّصًا وجدلًا من غير معرفة بالله وبما يقولون، ولو قالوها تعظيمًا وإجلالًا لله ومعرفة منهم به لما عابهم الله بذلك؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: 107]، والمؤمنون يقولونه، ونظير هذا قوله: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: 20] قال الله: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: 20] أي: قولهم هذا من غير علمٍ منهم بالله، والمؤمنون يقولونه بعلم بالله منهم) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 185 ب، والبغوي في "تفسيره" 3/ 201، والخازن 2/ 197، وقال ابن عطية في "تفسيره" 5/ 387: (قال بعض المفسرين: إنما هذه المقالة من المشركين على جهة الاستهزاء، وهذا ضعيف) اهـ.]].
وقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾، قال ابن عباس: (أي: من كتاب نزل من عند الله في تحريم ما حرّمتم) [[ذكره الوحدي في "الوسيط" 1/ 136، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 145 بدون نسبة.]]، ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ ما تتبعون فيما أنتم عليه إلا الظن، لا العلم واليقين ﴿وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ وما أنتم إلا خارصين، كاذبين، والمراد بلفظ الاستقبال: الاسم كما تقول: رأيته يصلي، أي: مصليًا، ويأكل أي: آكلاً، ونظير هذا قوله: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 116]، وقد مضى في هذه السورة.
{"ayah":"سَیَقُولُ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ لَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ مَاۤ أَشۡرَكۡنَا وَلَاۤ ءَابَاۤؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَیۡءࣲۚ كَذَ ٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ حَتَّىٰ ذَاقُوا۟ بَأۡسَنَاۗ قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمࣲ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَاۤۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق