الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ الآية، قال المفسرون: (بيّن الله تعالى أن المحرمات مما يُطعم ما ذكر في هذه الآية، لا ما حرموا هم على أنفسهم) [[انظر: "تفسير الطبري" 8/ 69، والسمرقندي 1/ 520.]]. وقال أبو إسحاق: (أعلم الله تعالى أن التحريم والتحليل إنما ثبت بالوحي والتنزيل، فقال: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾) [["معاني الزجاج" 2/ 300، وانظر: "معاني النحاس" 2/ 507.]]، [أي: شيئًا محرمًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ش).]]، ﴿عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾: على آكل يأكله. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً﴾ أي: إلا أن يكون المأكول ميتة، أو إلا أن [[لفظ: (أن)، ساقط من (ش). وانظر: "معاني الفراء" 1/ 360، و"إعراب القرآن" 1/ 588.]] يكون الموجود ميتة يُضمر اسم كان مما تقدم، وقرأ [[قرأ ابن عامر، وابن كثير وحمزة (إلا أن تكون) بالتاء، والباقون بالياء، وقرأ ابن عامر (ميتة) بالرفع، والباقون بالنصب. انظر: "السبعة" ص 272، و"المبسوط" ص 176، و"التذكرة" 2/ 412، و"التيسير" ص 108، "النشر" 2/ 266.]] ابن كثير وحمزة (إلاَّ أَن تَكُونَ) بالتاء (ميتة) نصبًا على تقدير: إلاَّ أن تكون العين أو النفس أو الجُثة ميتةً تضمر للمحرّم اسمًا مؤنثًا، ألا ترى أن المحرم لا يخلو من جواز العبارة عنه بأحد هذه الأشياء، وقرأ ابن عامر (إلا أن تكون) بالتاء (ميتة) بالرفع على معنى: إلاّ أن تقع ميتة أو تحدث ميتة [[هذا قول أبي علي في "الحجة" 3/ 423 - 424، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 392 - 393، و"إعراب القراءات" 1/ 172، و"الحجة" لابن زنجله ص 276، == و"الكشف" 1/ 456 - 457.]]. وقوله تعالى: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ قال ابن عباس: (مُهراقًا) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 71، وابن أبي حاتم 5/ 1406 بسند جيد.]]، وقال الضحاك: (سائلًا) [[لم أقف عليه بعد طول بحث، وهو قول اليزيدي في "غريب القرآن" ص 143، وابن قيبة في "تفسير غريب القرآن" ص 162، ومكي في "تفسير المشكل" ص 81.]]، والسفح كالصبّ، يقال: سفح الدم والدمع سفحًا، وسفح [[في (أ) (وسفح وهو سفوحًا)، وقاله الواحدي في "الوسيط" 1/ 132: (يقال: سفح الدم والدمع سفحا إذا صبه، وسفح هو سفوحًا إذا سأل) ا. هـ وانظر: "العين" 3/ 147، و"الجمهرة" 1/ 532، و"تهذيب اللغة" 2/ 1699، و"الصحاح" 1/ 375، و"المجمل" 2/ 464، و"اللسان" 4/ 2023 مادة (سفح). وقال السمين في "الدر" 5/ 198: (السفح: الصب، وقيل: السيلان، وهو قريب من الأول، وسفح يستعمل قاصرًا ومتعديًا، يقال: سفح زيد دمعه، ودمه، أي: أهراقه، وسفح هو، إلا أن الفرق بينهما وقع باختلاف المصدر، ففي المتعدي، يقال: سَفْح. وفي اللازم يقال: سُفُوح) اهـ.]] هو سفوحًا إذا سأل. وأنشد أبو عبيدة [[لم يرد في "مجاز القرآن"، وذكره عن أبي عبيدة الرازي في "تفسيره" 13/ 122، والسمين في "الدر" 5/ 198، وقال ابن الأنباري في "شرح القصائد" ص 25 - 26، و"الزاهر" 2/ 166: (مسفوحًا، أي: مصبوبًا)، ثم أنشد الشاهد.]] لُكثَيِّر: أَقولُ وَدَمْعي واكفٌ عِنْد رَسمها ... عَلَيكِ سَلاَمُ الله والدمعُ يَسْفَحُ [["ديوان كثير عزة"، و"تفسير الرازي" 13/ 122، و"الدر المصون" 5/ 198، وكف بالفتح أي: سأل، وفي الديوان: أقولُ ونِضْوِي وَاقِفٌ عند رمْسِها ... عليك سلام الله والعين تنفح]] قال عطاء، عن ابن عباس: (يريد: ما خرج من الأنعام وهي أحياء، وما يخرج من الأوداج عند الذبح) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 132، والبغوي في "تفسيره" 3/ 198، والرازي 13/ 122.]]. قال أهل العلم: (فلا يدخل في هذا الكبد والطحال لجمودهما ولا ما يختلط باللحم [من الدم فإنه غير سائل والله تعالى حرّم السائل منه) [[ذكره القرطبي في "تفسيره" 7/ 124، وقال: (وعليه إجماع العلماء) اهـ، وانظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 765، و"الفتاوى" 17/ 179، وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: "أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال" أخرجه الإمام أحمد في "المسند" 2/ 97، وابن ماجه رقم (3314)، والدارقطني في "سننه" 4/ 272، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" 8/ 164 (2526).]] ، وسئل أبو مجلز [[أبو مجلز: لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، إمام تابعي، ثقة مشهور بكنيته، توفي سنة تسع ومائة 109هـ، وقيل: قبل ذلك. انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 124، و"تهذيب التهذيب" 4/ 335، و"تقريب التهذيب" (7490) ص 586.]] عما يتلطخ من اللحم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ش).]] بالدم، وعن القدر يرى فيها الدم، فقال: (لا بأس به، إنما نهي عن الدم [المسفوح) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 71، 72، بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 97.]]. وهو قول عكرمة [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 220، والطبري 8/ 71، 72، وابن أبي هاشم 5/ 1407 بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 97.]] وإبراهيم [[قول إبراهيم النخعي، ذكره الثعلبي في "تفسيره" ص 185 ب، والبغوي 3/ 198، والقرطبي 7/ 124، والخازن 2/ 195.]] وقال أبو إسحاق] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ش).]]: (المسفوح: المصبوب، وكانوا إذا ذبحوا أكلوا الدم كما يأكلون اللحم) [["معاني الزجاج" 2/ 300.]]. وقوله تعالى: ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ نسق على [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 588، و"المشكل" لمكي 1/ 276، وقال الزجاج في "معانيه" 2/ 300: (هو عطف على ﴿لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ المعنى: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ﴾ المأكول ﴿مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ (أو فسقًا)) اهـ.]] ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ قال ابن عباس: (يريد: كل ما ذبح على النصب) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 133، وأخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 69، عند قوله تعالى: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 173] بسند جيد، عن ابن عباس قال: (ما أهل به للطواغيت يعني: ما ذبح لغير الله من أهل الكفر غير اليهود والنصارى) اهـ.]]. قال الزجاج: (فسمى ما ذكر عليه غير اسم [[في (ش): (فسمى ما ذكر عليه اسم غير الله فسق).]] الله فسقًا) [["معاني الزجاج" 2/ 300، وزاد فيه (أي: خروجًا عن الدين). وقال ابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 185: (الضمير في قوله (فإنه) دن كان عوده إلى الثلاثة المذكورة باعتبار لفظ المحرم، فإنه يترجح اختصاص لحم الخنزير به لثلاثة أوجه. أحدها: قربه منه. والثاني: تذكيره دون قوله: (فإنه رجس). والثالث: أنه أتى بالفاء وإن تنبيها على علة التحريم لتزجر النفوس عنه، ويقابل هذه العلة ما في طباع بعض الناس من استلذاذه واستطابته، فنفى عنه ذلك، وأخبر أنه رجس، وهذا لا يحتاج إليه في الميتة والدم؛ لأن كونهما رجسًا أمر مستقر معلوم عندهم ..) اهـ.]]، وهذا من المفعول الذي يسمى بالمصدر، والمراد: ما يفسق به عن الدين، أي: يخرج أكله عن الدين [[انظر: "الدر المصون" 5/ 198.]]. فإن [[في (ش): (قال قيل)، وهو تحريف.]] قيل: المحرمات [من المطعومات] [[لفظ: (من المطعومات) ساقط من (أ).]] أكثر مما ذكر في هذه الآية فما وجهها؟ والجواب عنه من وجوه أحدها: أن المعنى: لا أجد محرمًا مما كان أهل الجاهلية يحرمه من البحائر والسوائب وغيرها، إلا ما ذكر في هذه الآية، وليست البحائر والسوائب من المحرمة بالوحي، وهذا معنى قول مجاهد [[ذكره ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 335.]] وطاووس [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 220، والطبري 8/ 69، وابن أبي حاتم 5/ 1405، بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 96.]]. وقال الحسين بن الفضل: (وقت نزول هذه الآية لم يكن يحرم غير ما نص عليه في هذه الآية، ثم وجدت بعد محرمات سوى هذا) [[لم أقف عليه، وقد ذكره الرازي في "تفسيره" 13/ 220، بدون نسبة.]]. وقال عبد العزيز بن يحيى: (يعني: في وحي القرآن، فأما وحي السنة فقد حرّم أشياء كثيرة، وكل ما حرم النبي ﷺ مما لم يوجد في القرآن فهو محرّم أيضًا بالوحي؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:3 - 4]) [[لم أقف عليه وقال القرطبي 7/ 116 - 117، الصحيح أن هذه الآية مكية، وكل محرم حرمه رسول الله ﷺ أو جاء في الكتاب مضموم إليها فهو زيادة حكم من الله عز وجل على لسان نبيه عليه السلام. على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر والفقه والأثر) ا. هـ، وهذا القول هو الظاهر -والله أعلم-. وانظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 338، و"الناسخ والمنسوخ" لأبي منصور البغدادي ص 103، و"الإيضاح" لمكي ص 249، و"أحكام القرآن" للكيا الهراس 3/ 245، و"تفسير البغوي" 3/ 198، و"الناسخ والمنسوخ" لابن العربي 2/ 218، و"المصفى" لابن الجوزي ص 34، و"الفتاوى" لشيخ الإسلام 21/ 8.]]. وباقي الآية مفسر فيما مضى [[انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية 1/ 105 ب.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب