الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ الآية، قال الليث: (يقال: شرح الله صدره فانشرح، أي: وسع [[في (ش): (أي: وسع الله).]] صدره لقبول الخير فتوسع) [["تهذيب اللغة" 2/ 1851.]].
وقال غيره: (شرح فلان أمره إذا أوضحه وأظهره، وشرح مسألةً إذا كانت مشكلةً فبيّنها) [[هذا في "تهذيب اللغة" 2/ 1851، كأنه من قول الليث.]].
وقال أبو العباس عن ابن الأعرابي: (الشرح: الفتح، والشرح: البيان) [["تهذيب اللغة" 2/ 1851. وفيه أيضًا: (الشرح الحفظ والفهم). اهـ.]]، فقد ثبت للشرح [[انظر: "العين" 3/ 93، و"الجمهرة" 1/ 513، و"الصحاح" 1/ 378، و"المجمل" 2/ 528، و"المفردات" ص 449، و"اللسان" 4/ 2228 (شرح).]] معنيان: أحدهما: الفتح، ومنه يقال: شرح الكافر بالكفر صدرًا. أي: فتحه لقبوله، ومنه قول الله عز وجل: ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ [النحل: 106]. وقوله: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الزمر: 22] أي: فتحه ووسعه له، ومن هذا قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)﴾ [الشرح: 1].
قال الكلبي: (﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ﴾ قلبه ويلينه ليقبل الإسلام) [["تنوير المقباس" 2/ 58.]].
والذي يدل على أن الشرح معناه: الفتح والتوسيع، وصف الكافر بضده من تضييق قلبه، وهو قوله تعالى: ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام:125]. قال المفسرون: (ولما نزلت هذه الآية سئل رسول الله ﷺ فقيل له: كيف يشرح صدره؟ فقال: "بنور يقذف فيه حتى ينفسح وينشرح"، فقيل له: وهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ فقال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت" [[أخرجه ابن المبارك في "الزهد" ص 106، ووكيع 1/ 238، وعبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 217، وابن أبي شيبة في "المصنف" 7/ 98 (34303)، وابن قتيبة في "عيون الأخبار" 2/ 328، والطبري 8/ 26، وابن أبي حاتم 4/ 1384 وأبو الشيخ في "طبقات أصبهان" 1/ 452، والسمرقندي في "تفسيره" 1/ 512، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 398، من طرق معلولة بالإرسال أو الضعف، وأصله مرسل يروى عن عبد الله بن المسور الهاشمي المدائني ضعيف متهم بالوضع. انظر: "العلل المتناهية" لابن الجوزي 2/ 318، و"شرح علل الترمذي" لابن رجب 2/ 772، و"لسان الميزان" 3/ 360. وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 83، وزاد نسبته إلى (سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن المسور). وذكر ابن كثير في "تفسيره" 2/ 195، عدة طرق للحديث ثم قال: (هذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضاً، والله أعلم). اهـ.]].
روي [[لفظ: (روى) ساقط من (ش).]] ذاك عن ابن عباس [[أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1384 بسند ضعيف.]] ثم قال: (وكذلك كان أصحاب رسول الله ﷺ) [[هذه الزيادة لم أقف عليها.]].
ويروي أن ابن مسعود [[أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 7/ 98 (34303)، والطبري 8/ 26، والحاكم 4/ 311، وسكت عنه، وقال الذهبي في "التلخيص": (فيه عدي بن الفضل ساقط)، وقال ابن كثير 2/ 195: (أخرجه ابن أبي حاتم)، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 83، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا وأبي الشيخ وابن مردويه والبيهقي في "الشعب" من طرق عن ابن مسعود.]] كان السائل.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾. وقرأ ابن كثير [[قرأ ابن كثير (ضيقا) بسكون الياء المخففة، وقرأ الباقون بكسر الياء المشددة. انظر: "السبعة" ص 268، و"المبسوط" ص 174، و"التذكرة" 2/ 410، و"التيسير" ص 106، و"النشر" 2/ 262.]]: (ضيقًا) ساكنة الياء، وهو من باب المَيِّت والمَيْت في أن المخفف مثل المشدد في المعنى.
قال أبو علي: (والياء مثل الواو في الحذف، وإن لم تعتل بالقلب كما اعتلت الواو به اتبعت الياء الواو في هذا، كما اتبعت في قولهم: اتَّسَر من الميسر فجعلت بمنزلة اتَّعدَ) [["الحجة" لأبي علي 3/ 400، وزاد: (الضَّيْق والضَّيِّق مثل المَيْت والمَيِّت في أن المحذوف مثل المُتمِّ في المعنى) اهـ وانظر: "معاني القراءات" 1/ 384، و"الحجة" لابن خالويه ص 149، ولابن زنجله ص 271، و"الكشف" 1/ 450.]].
وقال أبو بكر بن الأنباري: (الذي يثقل الياء يقول: وزنه من الفعل فَعِيل، والأصل فيه ضييق على مثال: كريم ونبيل، فجعلوا الياء الأولى ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها من حيث أعلوها في ضاق يضيق، ثم أسقطوا الألف لسكونها وسكون ياء فعيل، فأشفقوا من أن يلتبس فعيل بفعْل فزادوا ياء على الياء ليكمل بها بناء الحرف ويقع بها فرق ما بين فَعِيل وفَعْل، والذين خففوا الياء قالوا: قد وضح أصل الحرف وعرف التشديد فخفف عند الثقة بأنه لا يلتبس بغيره.
قال: وقال البصريون: وزنه من الفِعل فَيْعِل فأدغمت [[جاء في الأصول: (فاندغمت)، وهو تحريف.]] الياء في الياء التي بعدها فوجب التشديد، ثم جاز التخفيف بعد، قال: وردّ الفراء وأصحابه هذا، وقالوا: لا يعرف في كلام العرب اسم على مثال فَيْعِل، إنما المعروف في كلامهم فَيْعَل [[أي: بفتح العين. والتي قبلها بكسرها. انظر: "الدر المصون" 5/ 142.]] نحو صيقل وهيكل، فمتى ادعى مدع في اسم معتلٍّ ما لا يعرف في السالم كانت دعواه مردودة غير مقبولةٍ) [["الدر المصون" 5/ 141 - 142. وانظر: "الإنصاف" 2/ 795.
وقال السمين: (وزن ضيِّق فَيْعِل كميت وسيد عند جمهور النحويين، ثم أدغم ويجوز تخفيفه) اهـ.
وانظر: "معجم مفردات الإبدال والإعلال" للخراط ص 169.]]، والحرج: الشديد الضيق، في قول جميع [[انظر: "الجمهرة" 1/ 436، و"الصحاح" 1/ 305، و"المجمل" 1/ 230، و"مقاييس اللغة" 2/ 50، و"المفردات" ص 226 (حرج).]] أهل اللغة، ورجل حَرَج [[(حرج) بفتح الحاء والراء، وكسر الراء.]] وحَرِج: ضيق الصدر، وقال:
لا حَرِجُ الصدرِ ولا عنيفُ [[هذا رجز لم أهتد إلى تمامه وقائله. وهو في "العين" 3/ 76، و"تهذيب اللغة" 1/ 775، و"اللسان" 2/ 821 (حرج)، و"الدر المصون" 5/ 142.]]
وقد حَرِج [[جاء في (أ): (وقد أحرج صدره)، ولعله تحريف، وأصل العبارة من "تهذيب اللغة" 1/ 775 (حرج).]] صدره أي: ضاق فلا ينشرح لخيرٍ، وقرئ [[قرأ نافع، وعاصم في رواية: (حرجًا) بكسر الراء، وقرأ الباقون بفتحها.
انظر: "السبعة" ص 268، و"المبسوط" ص 175، و"الغاية" ص 249، و"التذكرة" 2/ 410، و "التيسير" ص 106، و"النشر" 2/ 262.]] (حرجًا) بكسر الراء وفتحها [[في (أ): (وفتحه).]].
قال الفراء: (وهو في كسره ونصبه بمنزلة الوَحَد والوَحِد والفرد والفَرِد والدَنَف [[الدنف: بتشديد الدال المفتوحة، وفتح النون وكسرها، المرض. انظر: "اللسان" 3/ 1432 (دنف).]] والدّنِف) [["معاني الفراء" 1/ 353 - 354، ومثله ذكر الطبري في "تفسيره" 8/ 29، وانظر: "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ص 580، و"الزاهر" ص 236.]].
وقال الزجاج: (الحرجُ في اللغة: أضيق الضيق، ومعناه: أنه ضيق جدًّا، فمن قال: رجل حَرَج الصدر، فمعناه: ذو حرج في صدره، ومش قال: حَرِج جعله فاعلاً، وكذلك رجل دنَف: ذو دَنَف، ودَنِفٌ نعت) [["تهذيب اللغة" 2/ 1234، وفي "معاني الزجاج" 2/ 290، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 579، نحوه، وقال السمين في "الدر" 5/ 142: (فرق الزجاج والفارسي بينهما فقالا: المفتوح مصدر، والمكسور اسم فاعل) اهـ.]]، ونحو هذا قال أبو علي في القراءتين، قال: (من [[قَمِنٌ بمعنى: حَرِيّ، يقال: هو قمن أن يفعل ذلك بفتح الميم أي: حَرِيٌّ وجدير، فمن قال بالفتح أراد المصدر، ومن قال بالكسر أراد النعت. انظر. "اللسان" 6/ 3745 (قمن).]] فتح الراء كان وصفًا بالمصدر، مثل: قَمَنٍ وحَرًى ودَنَفٍ، ونحو ذلك من المصادر التي يوصف [[في (أ): (توصف).]] بها ، ولا يكون كبطل؛ لأن اسم الفاعل في الأمر العام من فَعِل إنما يجيء على فَعِلٍ، ومن قرأ (حَرِجًا) فهو مثل دنِفٍ وفَرِقٍ) [["الحجة" لأبي علي 3/ 401، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 384، و"إعراب القراءات" 1/ 169، و"الحجة" لابن خالويه ص 149، ولابن زنجلة ص 271، و"الكشف" 1/ 450، والفرق، بالتحريك: الخوف، ورجل فرق، أي: فزع شديد الفَرَق. انظر: "اللسان" 6/ 3401 (فرق)]].
وقال عبيد بن عمير [[عبيد بن عمير: مبهم، ولعله: عبيد بن عمير بن قتادة الليثي أبو عاصم المكي إمام واعظ مفسر مجمع على ثقته ولد في حياة النبي ﷺ وروى عن أبيه وعمر وعلي وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم، توفي سنة 74 هـ، أو قبلها.
انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 156، و"غاية النهاية" 1/ 496، و"تهذيب التهذيب" 3/ 38، و"تقريب التهذيب" (4385).]]: (قرأ ابن عباس [[أخرج أبو عبيد في كتاب "اللغات" ص 98، وابن حسنون ص 24، والوزان 3/ ب بسند جيد عنه في الآية قال: (يعني: شاكًّا بلغة قريش).]] هذه الآية فقال: هل هاهنا أحد من بني بكر؟ قال رجل: نعم، قال: ما الحَرَجَة فيكم؟ قال: الوادي الكثير الشجر المستمسك الذي لا طريق فيه، فقال ابن عباس: كذلك قلب الكافر) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 183/ ب، والسمين في "الدر" 5/ 143، وذكره الرازي في "تفسيره" 13/ 179 عن الواحدي.]]. وقال [[لفظ: (الواو) ساقط من (ش).]] أبو الصلت الثقفي [[أبو الصلت الثقفي: تابعي مقبول، روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وروى عنه عبد الله بن عامر اليمامي. انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري، و"الكنى" 9/ 44، و"الجرح والتعديل" 9/ 394، و"تهذيب التهذيب" 4/ 540.]]: (قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية فقال: ابغوني رجلاً من كنانة، واجعلوه راعيًا؟ فأتوه به، فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال: الحرجة فينا الشجرة تحدق بها الأشجار فلا تصل إليها راعية ولا وحشية، فقال عمر: كذلك قلب الكافر لا يصل إليه شيء من الخير) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 28، وذكره النحاس في "معانيه" 2/ 486، ومكي في "الكشف" 1/ 450، والثعلبي في "الكشف" 183/ ب، والبغوي في "تفسيره" 3/ 186، وذكره الرازي 13/ 183 عن الواحدي، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 84، وزاد نسبته إلى (عبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ).]].
وقال علماء اللغة [[انظر: "الاشتقاق" ص 419، و"الدر المصون" 5/ 143، ومراجع اللغة السابقة في معنى حرج.]]: (الأصل في الحرَج من الحرَجة: وهي شجرة تحف بها الأشجار حتى يمنع الراعي من أن يصل إليها، وجمع الحَرجة: حِرَجٌ، وجمع الحِرَجِ: حِرَاجٌ) [[قال السمين في "الدر" 5/ 143، (الحِراج: بكسر الحاء، جمع حِرْج: بكسر الحاء، وحرج: جمع حَرَجَة، بالفتح) اهـ.]]. وقال العجاج:
عَايَنَ حَيًّا كالحِرَاجِ نَعَمُهُ [[الشاهد للعجاج في "ديوانه" 2/ 142، و"أمالي القالي" 1/ 66، و "تهذيب اللغة" 1/ 775، و"المجمل" 1/ 230، و"اللسان" 2/ 822 (حرج)، و"الدر المصون" 5/ 143، وصدره:
حَتَّى إذا اللَّيْلُ تَجلَّتْ ظُلَمُة
وهو لرؤبة في "ديوانه" ص 186، و"الصحاح" 1/ 306، وأوله: (فَصارَ إِذْ لَمْ يَبْقَ إلاَّ شِرْذِمُهْ). قال القالي في "شرحه": (يقول عايَنَ هذا الجيشُ الذي أتانا حَيًّا، ويعني بالحيِّ: قومه بني سَعْد، والنَّعَمُ: الإبل) اهـ. "شرح ديوان أبي تمام" للخطيب التبريزي 2/ 95، و"الخزانة" 7/ 250.]]
حكاه ابن الأنباري [[انظر: "المذكر المؤنث" لابن الأنباري 1/ 258 - 261.]].
وقال أبو الهيثم: (الحِرَاجُ: غِياض من شجر السَّلَم ملتفة، واحدتها حَرَجَةٌ، والحَرَجَةُ من شدة التفافها لا يقدر أحد أن يدخل فيها أو ينفذ)، وأنشد بيت العجاج [["تهذيب اللغة" 1/ 775.]] ومعناه: عَايَنَ حَيًّا نعمة كالحراج لكثرتها وانضمام بعضها إلى بعض، وقال الليث: (أَخْرَجْتُ فلانًا صيرته إلى الحَرَج، وهو الضِّيق) [["تهذيب اللغة" 1/ 775.]].
قال ابن عباس في رواية عطاء: (﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ يريد: ضيقًا إذا سمع ذكر الله اشمأز قلبه ونفسه، وإذا ذكر شيء من عبادة الأصنام ارتاح إلى ذلك) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 116، والبغوي في "تفسيره" 3/ 186، والخازن 2/ 181.]].
وقال أهل المعاني: (8) (لما كان القلب محلًّا للعلوم والاعتقادات، ووصف [[في (ش): (وصف).]] قلب الكافر بالضيق، وأنه على خلاف الشرح والانفساح، دلَّ أن الله تعالى صيره بحيث لا يعي علمًا ولا استدلالًا على توحيد الله والإيمان به؛ لأنه أضاف التضييق إلى نفسه فقال: ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ وهذا كما أن العرب إذا وصفت إنسانًا بالجبن قالت: لا قلب له، لما أريد به من المبالغة في وصفه بالجبن؛ لأن الشجاعة محلها القلب، فإذا لم يكن القلب الذي يكون محل الشجاعة لو كانت، فإن لا يكون الشجاعة أولى، وأنشد أبو زيد:
لَقَدْ أَعْجَبْتُمُونِي مِنْ جُسُومِ ... وَأَسْلَحَةٍ وَلَكِنْ لا فُؤَادَا [["الشاهد" لبرج بن مسهر الطائي كما في "النوادر" لأبي زيد ص 78، ولعامر بن جوين الطائي في "الوحشيات"، و"الحماسة الصغرى" لأبي تمام ص 233.]]
وأنشد أيضاً:
وَلاَ وَقَّافَة والخَيْلُ تَرْدِي ... وَلَا خَال كَأنْبُوبِ اليَرَاعِ [[الشاهد لمرداس بن حصين الكلابي، شاعر جاهلي في "النوادر" لأبي زيد ص 5 - 6، وللطفيل بن عوف الغنوي، شاعر جاهلي في "الحماسة الصغرى"، و"الوحشيات" لأبي تمام ص 125. == واليَراع: القصب، ثم سمي به الجبان والضعيف. واليراع: أولاد بقر الوحش. والنعامة، وطائر صغير، ويقال لمزمار الراعي: يَراعة.
انظر: "اللسان" 8/ 4955 (يرع).]]
وقال حسان: أَلَا أَبْلِغ أَبَا سُفْيانَ عَنّي ... فَأَنتَ مُجَوَّفٌ نَخِب هَوَاءٌ [["ديوانه" ص 20. والمجوف والنخب والهواء: الجبان لا قلب له.]]
فلما وصف الجبان بأنه لا قلب له وأنه مجوف هواء؛ لأنه إذا كان كذلك بعد من الشجاعة لعدمه القلب، كذلك وصف الكافر بأنه ضيق صدره على معنى: أنه غير مشروح للإيمان) [[لم أقف على من ذكر هذا فيما لدي من مراجع. وانظر: "الحجة" لأبي علي 3/ 403.]].
وقوله تعالى: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ أي: يتصعد [[لفظ: (أي: يتصعد) ساقط من (أ).]] فأدغمت التاء في الصاد، ومعنى يتصعد: يتكلف ما يثقل عليه، وقرأ [[قرأ عاصم في رواية: (يَصَّاعَد) بتشديد الصاد وألف بعدها وتخفيف العين. وقرأ ابن كثير: (يصعد) بإسكان الصاد، وتخفيف العين من غير ألف. وقرأ الباقون بتشديد الصاد والعين من غير ألف.
انظر: "السبعة" ص 268، و"المبسوط" ص 175، و"الغاية" ص 249، و"التذكرة" 2/ 410، و"التيسير" ص 106، و"النشر" 2/ 262.]] أبو بكر [[أبو بكر بن عياش أحد الرواة عن عاصم، تقدمت ترجمته.]] (يَصَّاعَد) وهو مثل يتصعد في المعنى، وقرأ ابن كثير (يصْعد) من الصعود [[انظر: "إعراب القراءات" 1/ 169، و"الحجة" لابن خالويه ص 149، ولابن زنجلة ص 271.]] والمعنى: أنه في نفوره عن الإِسلام وثقله عليه بمنزلة من تكلف [[في (أ): (يكلف) بالياء، وأصل النص من "الحجة" لأبي علي 3/ 402]] ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يستطاع، كذا قال المفسرون [[انظر: "تفسير الطبري" 8/ 30، والسمرقندي 1/ 512، و"الكشف" لمكي 1/ 451.]] وأهل المعاني [[انظر: "معاني الفراء" 1/ 354، و"معاني النحاس" 2/ 487، و"معاني القراءات" 1/ 385.]].
قال مجاهد [[في (أ): (قال المجاهد)، وهو تحريف.]]: (﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ من شدة ذلك عليه) [[ذكره السيوطي في "الدر" 3/ 84، وقال: (أخرجه أبو الشيخ عن مجاهد). اهـ.]]، وقال عطاء [[عطاء هو: عطاء بن أبي مسلم الخراساني أبو عثمان، واسم أبيه ميسرة، إمام محدث مفسر واعظ عابد مجاهد، صدوق، يهم ويدلس. توفي سنة 135 هـ، وقد أفاد الحافظ في مقدمة "فتح الباري" ص 375 - 376، إن الرواية إذا جاءت عن ابن جريج، عن عطاء في سورة البقرة وآل عمران، فالمراد به عطاء بن أبي رباح، وإذا جاء في غير ذلك فالمراد عطاء الخراساني. وابن جريج لم يسمع من عطاء الخراساني وإنما أخذ التفسير من ابنه عثمان بن عطاء. وانظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 379، و"الجرح والتعديل" 6/ 334، و"سير أعلام النبلاء" 6/ 140، و"تهذيب التهذيب" 3/ 108، و"تقريب التقريب" ص 392 (4600).]]: (مثله كمثل الذي لا يستطيع الرقي إلى السماء) [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 218، الطبري 8/ 30، وابن أبي حاتم 4/ 1386 بسند جيد. وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 84.]].
وقال أبو بكر: (إذا كان ممن [[لفظ: (ممن) كذا جاء، ولعل الصواب: (من).]] أضله الله عز وجل أبغض الحق وعانده حتى يضيق منه صدره فكأنه يكلف بالشيء منه صعودًا إلى السماء يجد من ثقل ذلك عليه مثل ما يجد من الصعود إلى السماء) [[لم أقف عليه.]].
وقال أبو إسحاق: (كأنه قد كلف بأن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإِسلام من ضيق صدره عنه، قال: ويجوز أن يكون كأنَّ قلبه يصاعد في السماء نبوًا [[في (ش): (تبرأ).]] عن الإسلام والحكمة) [["معاني الزجاج" 2/ 290.]].
وعلى هذا إنما شُبّه بالذي ﴿يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ لبعده عن الإسلام ونفور قلبه، كما جرت العادة أن يقال لمن تباعد عن أمر ولم يلن له: فلان يَنْزُو [[ينزو: أي ينزع. وأصل النَزْو: الوثب. انظر: "اللسان" 7/ 4402 (نزا).]] في اللوح ويذهب في السماء من هذا الأمر، وقال أبو علي: (من قرأ (يصَّاعد) و (يصَّعَّد) فهو من المشقة وصعوبة الشيء، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: 17]، ومن ذلك قول عمر - رضي الله عنه - [[في (أ): (رحمه الله).]]: "ما تصعَّدني شيء كما تصَعَّدنِي خِطْبةُ النكاح" [[ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث" 2/ 103، والطبري في "تفسيره" 8/ 31، والنحاس في "معانيه" 2/ 487، والأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 2014، وابن عطية في "تفسيره" 5/ 345، وابن الجوزي 3/ 121، وابن الأثير في "النهاية" 3/ 30.]]، أي: ما شق عليّ مشقتها، وكأن ذلك لما يتكلفه الخطيب من مدحه وإطرائه لِلْمُمْلِكَ، فربما لم يكن كذلك، فيحتاج إلى تطلب المَخْلَص، فلذلك يشق، ومن ذلك قول الشاعر [[الشاهد للأعلم الهذلي حبيب بن عبد الله الهذلي.
في "شرح أشعار الهذليين" للسكري 1/ 323، و"تهذيب اللغة" 2/ 2015، وبدون نسبة في "عيون الأخبار" 1/ 226، و"جمهرة اللغة" 2/ 654، و"اللسان" 4/ 2446 (صعد).]]: وإنَّ سِيَادةَ الأَقْوَامِ فاعْلَمْ ... لَها صعَدَاءُ مَطلبُها شديدُ [[جاء في المراجع السابقة:
لَهَا صُعَداءُ مَطْلعُهَا طَوِيلُ
وفي بعضها: (وإن سياسة) بدل: (وإن سيادة).]]
فكأن معنى (يصعد): يتكلف مشقة في ارتقاء صُعُدًا ، ولا يكون السماء في هذا القول المظلة للأرض، ولكن المراد به الارتفاع والسمك، ويستعمل السماء في الارتفاع كما قال سيبويه: (القيدود: الطويل في غير سماء) [["الكتاب" 4/ 365. والقيدود: بفتح القاف وسكون الياء وضم الدال: الناقة الطويلة الظهر، وأصله من قاد يَقُود. انظر: "اللسان" 6/ 3544 (قدد).]]، يريد [به] [[لفظ: (به) ساقط من (ش).]] في غير ارتفاع) [["الحجة" لأبي علي 3/ 403 - 405، ولقد أثبت العلم الحديث أن الصاعد يضيق تنفسه في الصعود كلما ارتفع لنقص الأوكسجين، وهذا هو الوصف الدقيق لمعنى الآية الكريمة، فإن قلب الكافر والمنافق يضيق وينفر حين يدعى إلى الإِسلام، أو يتأمل فيه كما يضيق صدر من يصعد نحو السماء. وانظر: "تفسير ابن عاشور" 8/ 60، وكلام الصابوني في "حاشية معاني النحاس" 2/ 487.]].
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: 125] قال بعض أصحاب المعاني: (وجه التشبيه في ﴿كَذَلِكَ﴾ أن جعله الرجس عليهم كجعله ضيق الصدر في قلوبهم) [[انظر: "تفسير الطبري" 8/ 31، والسمرقندي 1/ 512، والرازي 13/ 184.]] وقال الزجاج: (أي: مثل ما قصصنا عليك ﴿يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ﴾) [["معاني الزجاج" 2/ 290، وذكر قول الزجاج السمين في "الدر" 5/ 146، وقال: (أي: فيكون مبتدأ أو خبرًا أو نعت مصدر محذوف، ذلك أن ترفع مثل وأن تنصبها بالاعتبارين عنده، والأحسن أن يقدر لها مصدر مناسب، كما قدره الناس وهو == مثل ذلك الجعل، أي: جعل الصدر ضيقًا حرجًا يجعل الله الرجس ..) اهـ. وانظر: "المشكل" 1/ 269.]].
قال ابن عباس: (هو الشيطان أي: نسلطه [[في (ش): (هو الشيطان يسلطه عليهم).]] عليهم) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 31 بسند جيد، وذكره الثعلبي في "الكشف" 184 أ، والواحدي في "الوسيط" 1/ 117، وهذا القول هو اختيار الطبري.]]، وقال مجاهد: (الرجس ما لا خير فيه) [["تفسير مجاهد" 1/ 223.
وأخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 31، وابن أبي حاتم 4/ 1386 بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 84.]]، وقال عطاء [[ذكره الخازن في "تفسيره" 2/ 182 عن ابن عباس، وذكره الواحدي في الوسيط 1/ 117، والبغوي في "تفسيره" 3/ 187، وابن الجوزي 3/ 121، والرازي 13/ 184 من قول عطاء.]] عن ابن عباس، وابن زيد [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 31 بسند جيد، وهذا قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 206.]]: (الرِّجْسُ: العذاب). وقال الزجاج: (الرِّجْسُ: اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة) [["معاني الزجاج" 2/ 290، وقال النحاس في "معانيه" 2/ 488: (الرِّجْس عند أهل اللغة هو النَّتْن، فمعنى الآية -والله أعلم-: ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون). اهـ.]].
قال أصحابنا: (انقطع كلام أهل القدر عند هذه الآية وخرست ألسنتهم، فإنها قد صرحت بتعلق إرادة الله تعالى بالأمرين جميعًا الهداية والإضلال وتهيئته أسبابهما) [[ذكر نحو هذا ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 121، والرازي في "تفسيره" 13/ 185.]].
{"ayah":"فَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یَهۡدِیَهُۥ یَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِۖ وَمَن یُرِدۡ أَن یُضِلَّهُۥ یَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَیِّقًا حَرَجࣰا كَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی ٱلسَّمَاۤءِۚ كَذَ ٰلِكَ یَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق