الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ الآية، قد ذكرنا قول مقاتل في سبب نزول هذه الآية، وقال غيره من المفسرين: (إن الوليد بن المغيرة قال: والله لو كانت النبوة حقًّا، لكنت أولى بها منك؛ لأني أكبر منك سنًا وأكثر منك مالاً، فأنزل الله هذه الآية) [[ذكره أكثرهم. انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 588، والسمرقندي 1/ 511 ، والثعلبى 183 ب، والبغوي 3/ 185، والرازي 13/ 175، والقرطبي 7/ 80.]]، وقال الضحاك: (سئل كل واحد من القوم أن يخص بالوحي والرسالة كما أخبر الله عنهم في قوله: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ [المدثر: 52] [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 113 ، وابن الجوزي في "تفسيره" 13/ 175.= والرازي 13/ 143.]]، وظاهر الآية يدل على هذا؛ لأن الكناية في قوله: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ﴾ تعود على الأكابر [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 288 - 289، و"تفسير الرازي" 13/ 175.]] الذين جرى ذكرهم، فعلى هذا أراد القوم أن تكون لهم النبوة والرسالة كما كانت لمحمد عليه السلام.
وقال ابن عباس: (﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ﴾ يريد: من علم الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه مما يخبرهم به ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ﴾ لن نصدق ﴿حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ يريد: حتى يوحي إلينا ويأتينا جبريل فنصدق) [["تنوير المقباس" 2/ 58، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 114، وابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 118، والرازي 13/ 175، والخازن 2/ 180.]]، وعلى هذا: القوم لم يريدوا النبوة وإنما طلبوا أن تخبرهم الملائكة بصدق محمد كما قالوا: ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: 92]، وكما قالوا: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الأنعام: 8]. والأول أقوى [[وهو اختيار القرطبي في "تفسيره" 7/ 80، وقال الرازي في "تفسيره" 13/ 176: (القول الأول هو المشهور، وقال المحققون: هو أقوى وأولى) اهـ. ملخصًا.]] لقوله: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ يعني: أنهم ليسوا لها بأهل، وعلى قول ابن عباس يتوجه هذا على أن [[لفظ: (أن) ساقط من (أ).]] من أرسل إليه الملك وكلمه عيانًا حصلت له منزلة الرسل ومرتبة الأنبياء، وليسوا هم لهذا بأهل.
ومعنى قوله تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ هو أعلم بمن يختص بالرسالة، قال أبو علي: (لا يجوز أن يكون العامل في ﴿حَيْثُ﴾ ﴿أَعْلَمُ﴾ هذه الظاهرة، ولا يجوز أن يكون ﴿حَيْثُ﴾ ظرفًا؛ لأنه يصير التقدير: الله أعلم في هذا الموضع، ولا يوصف الله سبحانه بأنه أعلم في مواضع أو أوقات؛ لأنه علمه لا يختلف بالزمان والمكان، فإذا كان كذلك كان العامل في ﴿حَيْثُ﴾ فعلًا يدل عليه ﴿أَعْلَمُ﴾ و ﴿حَيْثُ﴾ لا يكون ظرفاً بل يكون اسمًا، ويكون انتصابه انتصاب المفعول به [على الاتساع، ومثل ذلك في انتصاب ﴿حَيْثُ﴾ على المفعول به] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ش).]] قول الشماخ:
وَحَلأها [[في النسخ: (وجلاهما)، وهو خلاف ما في المراجع الآتية.]] عَنْ ذي الأَراكَةِ عَامِرٌ ... أَخو الخُضْرِ يَرْمِي حَيْثُ تُكْوَى النَّواحِزُ [["ديوانه" ص 65، و"المعاني الكبير" 2/ 783، و"جمهرة أشعار العرب" 2/ 828، و"البحر" 4/ 216، و"الدر المصون" 5/ 137. وحلأها، أي: منع الحُمر من الماء. انظر: "اللسان" 2/ 382 (حلا). وذو الأراكة: اسم مكان، وهو نخل وماء باليمامة. انظر: "معجم البلدان" 1/ 135. وعامر أخو الخضر، اسم وكنية لرام من أمهر الرماة وقانص مشهور يقال له: الرامي. والخضر: بضم الخاء وسكون الضاد هم ولد مالك بن مطرف المحاربي، سموا بذلك لشدة سمرتهم.
انظر: "الإصابة" 2/ 261. والنواحز: الإبل المصابة بالنحاز، وهو داء من عوارضه سعال شديد، وعلاجه الكي في الرقاب والأجناب. انظر: "اللسان" 7/ 4366 (نحز).]]
فحيث مفعول به؛ لأنه ليس يريد: أنه يرمي شيئًا حيث [[في (أ): (حيث يكون تكوى)، وهو تحريف.]] تكوى النواحز: إنما يريد: أنه يرمي ذلك الموضع، فحيث تكوى النواحز مفعول به) [[انظر: "الحجة" لأبي علي 1/ 35، 3/ 244، و"كتاب الشعر" 1/ 178، و"التبيان" 357، و"الفريد" 2/ 225، و"الدر المصون" 5/ 137.]].
وقال الحكماء: (الأبلغ في تصديق الرسل أن لا يكونوا قبل مبعثهم مطاعين في قومهم؛ لأن الطعن كان يتسع عليهم، فيقال: إنما كانوا أكابر رؤساء فاتبعوا، فكان الله تعالى أعلم حيث جعل الرسالة ليتيم أبي طالب دون أبي جهل والوليد بن المغيرة، وأكابر مكة) [[هذا قول الزجاج في "معانيه" 2/ 289، وحكاه الواحدي في "الوسيط" 1/ 114، وابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 118، و"الخازن" 2/ 180، عن أهل المعاني.]].
وقوله تعالى: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾، الصغار [[انظر: "الجمهرة" 2/ 739، و"البارع" ص 293، و"الصحاح" 2/ 713، و"المجمل" 2/ 534، و"المفردات" ص 485 (صغر).]] الذل الذي يصغر إلى المرء نفسه، قال الليث: (يقال من الصغر ضد الكبر: صَغُر [[صَغُر: بفتح الصاد، وضم الغين، يَصْغُر: بضم الغين. صِغَرًا: بكسر الصاد، وفتح العين. انظر: "العين" 4/ 372.]] يَصْغُر صِغَرًا، فهو صغير، وأما الصَّغار فهو مصدر الصغير في القَدْر، يقال منه: صَغِر [[صَغِر: بفتح الصاد وكسر الغين. يَصْغَر: بفتح الغَين. وصَغِر: بفتح الصاد وكسر الغين. يصغرُ: بضم الغين. صُغْرًا: بالفتح. وصغارًا: بالفتح.]] يَصْغَر وصَغِر يَصغُر صَغَرًا وصَغَارًا، فهو صاغِرٌ، ويقال أيضًا في المصدر: صَغَرًا [[يقال: صغر يصغر: بضم الغين. صغرًا: بضم الصاد وسكون الغين، ويقال: صَغر يصغَر: بفتح الغين. صِغْرًا: بكسر الصاد، وسكون الغين. ويقال: صَغُر: بضم الغين وفتحها، من الذل. انظر: "اللسان" 4/ 2453 (صغر)، و"الدر السمين" 5/ 140.]] وهو الذل، والصاغِرُ: الراضي بالذل، والصُّغرِ) [["تهذيب اللغة" 8/ 23 - 24، وفيه قال الليث: (يقال: صَغر يَصْغَر صَغَرًا وصَغَارًا، فهو صاغر، إذا رضي بالضيم وأقرَّ به. ويقال: من الصغر ضد الكبر. صَغُر يَصْغُر صِغَرًا، وأما الصَّغَار فهو مصدر الصغير في القدر) اهـ.]].
[قال أبو إسحاق] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] (أي: هم وإن كانوا أكابر في الدنيا فسيصبهم صغار عند الله، أي: مذلة و ﴿عِنْدَ﴾ متصلة بـ ﴿سَيُصِيبُ﴾، المعنى: سيصيبهم عند الله صغار، قال وجائز أن يكون ﴿عِنْدَ﴾ متصلة بصغار فيكون المعنى: سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت عند الله لهم) [["معاني الزجاج" 2/ 289.]].
قال أبو علي: (يحتمل أن يكون ﴿عِندَ﴾ متصلة بـ ﴿سَيُصِيبُ﴾ ومعمولًا له، كما قال [[قوله: (كما قال) يريد الزجاج، في تقديره السابق.]]، [كأنه] [[لفظ: (كأنه) ساقط من (ش).]] سيصيب عند الله الذين أجرموا صغار، ويجوز أن يكون ﴿عِندَ﴾ معمولًا لصغار، والعامل فيه صغار نفسه؛ لأنه مصدر فلا يحتاج إلى تقدير محذوف في الكلام كما قدّره أبو إسحاق في قوله: صغار ثابت عند الله، لكن نفس المصدر يتناوله ويعمل فيه، والدليل على أن الصغار مصدر قوله:
وإذا تكُونُ [[في (ش): (يكون).]] شَديِدَة أُدْعَى لَها ... وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدَبُ
هَذَا لَعَمْرِكُمْ الضغَارُ بَعَيْنِهِ ... لا أُمَّ لي إِنْ كَانَ ذاكَ ولا أبُ [[البيتان مختلف في نسبتهما وهما في: "اللسان" 2/ 1069. (حيس) لهنى بن أحمر الكناني أو لزرافة الباهلي أو لغيرهما كما في "شرح شواهد المغني" للسيوطي 2/ 921، وهما بلا نسبة في "معاني الفراء" 1/ 121 - 122، والأول في "الأضداد" لابن الأنباري ص 120.
والشاهد في: البيت الأخير وهو: لرجل من بني مذحج في "الكتاب" 2/ 291 - 292، و"الأصول" 1/ 386، ولهنى الكناني في "الكتاب" 1/ 319، وبلا نسبة في: "معاني الأخفش" 1/ 25، و"المقتضب" 4/ 371، و"الجمل" للزجاجي ص 239، و"الحجة" لأبي علي 1/ 190، و"معاني الحروف" للرماني ص 82، و"اللمع" ص 99، و"رصف المباني" ص 338، و"المغني" 2/ 593. والحَيْسُ، بفتح الحاء وسكون الياء: الأقط يخلط بالتمر والسمن.]] والتقدير فيه إذا كان مصدرًا: أن يصغروا عند الله، وعلى هذا التأويل لا وجه لتقدير ثابت في الكلام؛ لأن الفعل [[في (أ): (لأن الفعل يعمل نفسه يعمل فيه)، وهو تحريف.]] نفسه يعمل فيه، ألا ترى أنك لو قلت: ضرب زيد خلفك عمرًا [[في (أ): (عمروًا).]] حسن لكان المصدر يعمل في خلفك، ويعمل في عمرو وينتصب به، وكذلك صغار، والمعنى: صغارهم، ولم يضف المصدر إليهم؛ لأن في الكلام دليلًا عليه، كما حُذف المضاف إليه في قوله: ﴿دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: 49] و ﴿بِسُؤَالِ [[في النسخ: (وسؤال)، وهو تحريف.]] نَعْجَتِكَ﴾ [ص: 24] هذا إذا جعلت صغارًا مصدرًا، فإن قدرته موصوفًا لم يكن ﴿عِندَ﴾ معمولًا لصغارِ ولكن يكون متعلقَّا بمحذوف، ولابد على هذا من تقدير ثابت ونحوه مما يكون صفة ثم حذف وأقيم الظرف مقامه للدلالة عليه، وهذا كقولك وأنت تريد الصفة: هذا رجل خلفك، فالمعنى: رجل ثابت أو مستقر خلفك، وكلا الوجهين جائز، ولا يجوز على واحد منهما تقديم ﴿عِندَ﴾ على ﴿صَغَارٌ﴾ كما جاز تقدير تقديمه إذا كان معمولًا لسيصيب، إلا أن الوجه الأول من هذين الوجهين أعجب إليّ، وإن كان الثاني حسنًا؛ لأن صغارًا مصدر، والمصادر تعمل أعمال الفعل وتقوم مقامه، فإذا أعملت عمل الفعل وقامت مقامه، لم يحسن وصفه كما لا يحسن وصف الفعل) [["الإغفال" ص 965 - 698، وانظر: "معاني الفراء" 1/ 353، و"معاني النحاس" 2/ 484، و"الفريد" 2/ 225، و"الدر المصون" 5/ 140.]].
{"ayah":"وَإِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَةࣱ قَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَیۡثُ یَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَمۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق