الباحث القرآني

قوله تعالى ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ قال المفسرون [[انظر: "تفسير الطبري" 7/ 314، والسمرقندي 1/ 507، والماوردي 2/ 156.]]: (نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية فلا يؤمنون، حُلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة). قال ابن عباس في رواية عطاء: (﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ حتى يرجعوا إلى ما سبق عليهم من علمي، قال: وهذا كقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: 24] قال: يريد: يحول بين المؤمن وبين أن يكفر به وبين الكافر وبين أن يؤمن به) [[ذكره ابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 172.]]، والتقليب [[القلب: بفتح القاف وسكون اللام. والتقليب -بفتح التاء وسكون القاف وكسر اللام-: الصرف، وتحويل الشيء عن وجهه. انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 3027، و"الصحاح" 1/ 205، و"المفردات" ص 681، و"اللسان" 6/ 3713 مادة (قلب).]] والقلب واحد وهو تحويلك [[(تحويلك) غير واضح في (ش).]] الشىء عن وجهه، ومعنى تقليب [الأفئدة والأبصار] [[في (ش): (الأفئدة أو الأبصار).]] هاهنا، هو أن الواجب من مقتضى الآية أن يؤمنوا إذا جاءتهم الآية فعرفوها بقلوبهم ورأوها بأبصارهم، فإذا لم يؤمنوا كان ذلك بتقليب الله تعالى قلوبهم وأبصارهم عن وجهها الذي يجب أن يكون عليه، وهو معنى ما قاله المفسرون: (نحول بينهم وبين [[النسخ: (وبين أهل الإيمان). وفي (أ): ضرب على - (أهل) - وهو الصواب.]] الإيمان لو جاءتهم الآية) [[ذكر ابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 172، نحوه. وانظر: البغوي 3/ 178، وابن الجوزي 3/ 105، والقرطبي 7/ 65.]]. وقد أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل [[أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم بن محمد النصراباذي الواعظ. تقدمت ترجمته.]] بن أبي القاسم الصوفي -رحمه الله-[أنبا] [[في (أ): (أنا).]] أبو عمرو محمَّد بن [[محمد بن جعفر بن محمد بن مَطَر النيسابوري، أبو عمرو الزاهد، إمام علامة عابد، كان ذا حفظ، وإتقان، متعففًا قانعًا، يحيي الليل ويجتهد في متابعة السنة، ورحل إلى الآفاق المتباعدة، وسمع الكثير، وسمع منه الحفاظ الكبار، توفي سنة 360 هـ، وله 95 سنة. انظر: "سير أعلام النبلاء" 16/ 162، و"البداية والنهاية" 11/ 271، و"شذرات الذهب" 3/ 31.]] جعفر بن مطر أنبا إبراهيم [[إبراهيم بن شَرِيك بن الفَضل ابن خالد الأسدي أبو إسحاق الكوفي نزيل، محدث ثقة، توفي سنة 302 هـ، أو قبلها. انظر: "تاريخ بغداد" 6/ 102، و"سير أعلام النبلاء" 14/ 120، و"تاريخ الإِسلام" ص 84، و"شذرات الذهب" 2/ 238.]] بن شريك نبا شهاب [[شهاب بن عباد العبدي أبو عمر الكوفي إمام ثقة، توفي سنة 224 هـ. انظر: "التاريخ الكبير" 4/ 235، و"الجرح والتعديل" 4/ 363، و"تهذيب التهذيب" 2/ 181.]] نبا حماد [[حماد بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، إمام علامة، عابد فاضل، فقيه، ثقة، ثبت، أجمعوا على جلالته، روى عن جماعة من التابعين، وتوفي سنة == 179 هـ، وله 81 سنة. انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 287، و"الحلية" 6/ 257، و"سير أعلام النبلاء" 7/ 456، و"تهذيب التهذيب" 1/ 480.]] عن أيوب [[أيوب بن كيسان السَّختيَاني، أبو بكر بن أبي تميمة البصري، إمام عابد، فقيه، ثبت، متقن، أجمعوا على إمامته ووفور علمه، روى عن جماعة من التابعين، وتوفي سنة 131 هـ، وله 65 سنة. انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 246، و"الجرح والتعديل" 2/ 256، و"سير أعلام النبلاء" 6/ 18، و"تهذيب التهذيب" 1/ 200.]] وهشام [[هشام بن حسان الأزدي أبو عبد الله البصري القردوسي، تقدمت ترجمته.]] ومعلى [[مَعلَّى بن زياد القُرْدُوسي، أبو الحسن البصري، إمام عابد، زاهد صدوق، قليل الحديث، روى عن جماعة من التابعين، وتوفي بعد المائة. انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 7/ 394 (1715)، و"الجرح والتعديل" 8/ 330، و"ميزان الاعتدال" 4/ 148، و"تهذيب التهذيب" 4/ 122، و"تقريب التهذيب" ص 541 (6804).]] بن زياد عن الحسن قال: (قالت عائشة رضي الله عنها: دعوة كان رسول الله ﷺ يكثر أن يدعو بها: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" فقلت: يا رسول الله، دعوة كثيراً ما تدعو بها؟ قال: "إنه ليس من عبد إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، فإذا شاء أن يقيمه أقامه، [وإذا] [[في (أ): (وإن شاء).]] شاء أن يزيغه أزاغه" [[سند الواحدي جيد لكنه مرسل، قال المزي في "تهذيب الكمال" 6/ 97: (الحسن رأى عائشة ولم يصح له سماع منها) ا. هـ، وذكر طريق الواحدي ابن القيم في "بدائع التفسير" 2/ 173، وأخرجه أحمد في "المسند" 6/ 91، عن الحسن، وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 100، رقم 224، 233، والآجري في "الشريعة" ص 263، 264، من طرق عن عائشة، وأخرجه الآجري عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، وصحح طريق عائشة الألباني في تعليقه على "السنة" 1/ 101 ص 104، والحديث ثابت صحيح من عدة طرق أخرى، فقد روي من طرق جيدة عن أنس، والنواس بن سمعان، وجابر، وعبد الله بن عمرو، وأم == سلمة، أخرجه أحمد في "المسند" 2/ 173 ص 168 و3/ 112 و157 و4/ 182 و6/ 315، وابن ماجه 1/ 72، رقم 199 و2/ 1260، رقم 3834، والترمذي وحسنه 4/ 448، رقم 2140 و5/ 538، رقم 3522، وابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 98 - 104، والآجري في "الشريعة" ص 263، 264، و"الحاكم" وصححه 2/ 289 و4/ 321، وصحح أكثر طرقه الألباني في تعليقه على "السنة". وانظر: "مجمع الزوائد" 7/ 210، وأخرج مسلم 3/ 2045، رقم 2654، عن عبد الله بن عمرو قال: (سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث شاء"، ثم قال: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" ا. هـ]]. وقوله تعالى: ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ دخلت الكاف على محذوف تقديره: فلا يؤمنون ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يعني: أول مرة أتتهم الآيات، مثل انشقاق القمر، وغيره من الآيات، والتقدير: فلا يؤمنون ثاني مرة بما طلبوا من الآيات؛ كما لم يؤمنوا أول مرة، وهذا معنى قول ابن زيد [[أخرج الطبري في "تفسيره" 7/ 314، وابن أبي حاتم 4/ 1369 بسند جيد عنه قال: (نمنعهم من ذلك كما فعلنا بهم أول مرة، وقرأ (كما لم يؤمنوا به أول مرة) ا. هـ.]] ومجاهد [[أخرج الطبري في "تفسيره" 7/ 314، وابن أبي حاتم 4/ 1369 بسند جيد عنه قال: (نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة) ا. هـ. وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 72.]] والكلبي [[انظر: "تنوير المقباس" 2/ 52.]]. والكناية في (به) يجوز أن تعود على القرآن، وعلى محمد، ويجوز أن تعود على ما طلبوا من الآيات [[انظر: "تفسير الطبري" 7/ 315، والسمرقندي 3/ 306، وابن الجوزي 3/ 106.]] وقال بعضهم: معنى الكاف في قوله ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ معنى الجزاء [[انظر: "تفسير ابن عطية" 5/ 319، ونقل الرازي 3/ 148، السمين في "الدر" 5/ 111، هذا القول عن الواحدي، وقال ابن القيم في "بدائع التفسير" 2/ 172: (اختلف في قوله: ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، فقال كثير من المفسرين المعنى: نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم الآية كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة. وقال آخرون: المعنى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لتركهم الإيمان به أول مرة، فعاقبناهم بتقليب أفئدتهم وأبصارهم، وهذا معنى حسن، فإن كاف التشبيه تتضمن نوعًا من التعليل، كقوله ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: 77]، والذي حسن اجتماع التعليل والتشبيه الإعلام بأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر. والتقليب: تحويل الشيء عن وجه إلى وجه، وكان الواجب من مقتضى إنزال الآية وصولهم إليها كما سألوا أن يؤمنوا إذ جاءتهم لأنهم رأوها عيانًا وعرفوا أدلتها وتحققوا صدقها، فإذا لم يؤمنوا كان ذلك تقليبًا لقلوبهم وأبصارهم عن وجهها الذي ينبغي أن تكون عليه ..) ا. هـ ملخصًا، وقال أبو حيان في "البحر" 4/ 204: (الكاف في (كما) الظاهر أنها لتعليل، وهو واضح فيها وإن كان استعمالها فيه قليلاً. وقالت فرقة: هي بمعنى المجازاة، وهو معنى التعليل إلا أن تسمية ذلك غريبة لا يعهد في كلام النحويين أن الكاف للمجازاة) ا. هـ ملخصًا.]]، ومعنى الآية: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم عقوبة لهم على تركهم الإيمان في المرة الأولى، يعني: كما لم يؤمنوا أول مرة، فكذلك نقلب أفئدتهم وأبصارهم في المرة الثانية، وعلى هذا لا محذوف في الآية، وهو معنى قول ابن عباس [[أخرجه الطبري 7/ 315، وابن أبي حاتم 4/ 1370 بسند جيد، قال: (لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا) ا. هـ ، وأخرجا بسند ضعيف عن ابن عباس قال: (لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء وردت عن كل أمر) ا. هـ.]] والعوفي [[لم أقف عليه.]] وهذه الآية حجة على القدرية الذين يكذبون بقضاء الكفر [[انظر: "تفسير الرازي" 13/ 146، 147.]]. وقوله تعالى: ﴿وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ قال عطاء، عن ابن عباس: (يريد: أخذلهم وأدعهم في ضلالتهم يتمادون) [[ذكره ابن القيم في "بدائع التفسير" 2/ 173، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 100، والبغوي 3/ 179 من قول عطاء، وأخرج الطبري 7/ 315، وابن أبي حاتم 4/ 1370، تحقيق أحمد الزهراني بسند جيد عن ابن عباس، قال: ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يتمادون. وانظر: "تفسير ابن كثير" 2/ 185.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب