قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ قال الفراء والزجاج يجوز أن يكون (وَالسَّابِقُونَ) ابتداء، وخبره الثاني، ويكون المعنى: والسابقون إلى طاعة الله السابقون إلى رحمة الله، ويكون ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ من صفتهم. ويجوز أن يكون الأول ابتداء والثاني توكيده، ويكون الخبر ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 122، و"معاني القرآن" للزجاج 5/ 109.
أورد النحاس قولهما أن ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ صفة، قال: ولكن يكون بدلاً أو خبرًا بعد خبر. انظر: "إعراب القرآن" 3/ 321.]].
واختلفوا في تفسير السابقين فقال ابن عباس [[انظر: "تنوير المقباس" 5/ 332، و"معالم التنزيل" 4/ 285.]]: يريد الذين سبقوا إلى توحيد الله والإيمان برسوله كما قال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ [التوبة: 100] الآية.
وقال ابن سيرين: هم الذين صلوا القبلتين [[انظر: "جامع البيان" 27/ 99، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 283.]]، وهذا كقول ابن عباس؛ لأن الذين صلوا القبلتين كانوا هم الأولين من الصحابة، ونحو هذا قال عكرمة: السابقون إلى الإسلام [[انظر: "الكشف والبيان" 12/ 52 أ، و"معالم التنزيل" 4/ 285، و"الجامع لأحكام القرآن" 17/ 199.]]، وهو معنى قول الربيع: إلى إجابة الرسول -ﷺ- [[انظر: "الكشف والبيان" 12/ 52 أ، و"معالم التنزيل" 4/ 280.]].
وقال مقاتل: إلى الأنبياء بالإيمان [[انظر: "تفسير مقاتل" 137 ب.]]. وهذا القول يوجب تخصيص السابقين بأوائل هذه الأمة. وقال الكلبي: السابقون إلى الرسول من كل أمة السابقون في الآخرة إلى الجنة [[انظر: "تنوير المقباس" 5/ 332، و"الوسيط" 4/ 232.]].
وأكثر المفسرين جعلوا هذا السبق إلى الطاعات، فمنهم من أجملها وهو القرظي فقال: إلى كل خير وإلى كل ما دعا الله إليه، وهو اختيار ابن كيسان [[انظر: "الكشف والبيان" 12/ 52 أ، و"معالم التنزيل" 4/ 280.]].
ومنهم من فصَّل فقال سعيد بن جبير: إلى التوبة [[انظر: "معالم التنزيل" 4/ 280، و"زاد المسير" 8/ 133.]]، وقال علي -رضي الله عنه-: إلى الصلوات الخمس [[انظر: "الكشف والبيان" 12/ 52 أ، و"الجامع لأحكام القرآن" 17/ 199، و"روح المعاني" 27/ 132.]]، وقال عثمان بن أبي سودة [[هو عثمان بن أبي سودة المقدسي، روى عن أبي الدرداء وأبي هريرة وغيرهما، وعنه الأوزاعي وجابر بن زيد وغيرهما، وثقه مروان بن محمد وذكره ابن حبان في "الثقات" .. انظر: "تهذيب التهذيب" 7/ 120، و"تقريب التهذيب" 2/ 9.]]: إلى المسجد، إلى الجهاد، يخرجون في الرعيل الأول من المصلين والمجاهدين [[انظر: "جامع البيان" 27/ 99، و"المصنف" 5/ 267، و"الجامع لأحكام القرآن" 17/ 199، ونسبه لمجاهد وغيره.
قال ابن كثير بعد ذكره للأقوال: وهذه الأقوال كلها صحيحة، فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، كما قال تعالى ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133] فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان. "تفسير القرآن العظيم" 4/ 283.]].
ثم وصفهم وأخبر عنهم فقال: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ قال ابن عباس: مثل النبيين والمرسلين [[انظر: "الوسيط" 4/ 232.]]. وقال الكلبي: إلى عَدَن [[لم أجده، وذكر المفسرون نحوه، فقالوا: (عند الله).]]. وقال أهل المعاني: جزيل ثواب الله وعظيم كرامته [[انظر: "الوسيط" 4/ 232.]].
ثم أخبر أين محلهم فقال:
{"ayahs_start":10,"ayahs":["وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ"],"ayah":"وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ"}