ثم نعتهما فقال: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ قال أبو عبيدة: من خضرتهما قد اسودتا من الري [[انظر: "مجاز القرآن" 2/ 246.]]. قال أبو إسحاق: وكل نبت اخضر، فتمام خضرته وريّه أن يضرب إلى السواد [[انظر: "معانى القرآن" 5/ 103.]].
ومعنى الدَّهْمَةَ في كلام العرب السواد، يقال: أدهم بيّن الدهمة وادْهامَّ ادْهيمامًا، وقال الليث: ادْهامَّ الزرع إذا علاه السواد رِيًّا [[انظر: "تهذيب اللغة" 6/ 224، و"اللسان" 1/ 1026 (دهم).]].
قال ابن عباس: شديد الخضرة إلى السواد [[انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 17/ 184.]].
وقال الكلبي: خضراوان قد علاهما سواد من شدة الخضرة والري [[انظر: "تنوير المقباس" 5/ 325، و"معالم التنزيل" 4/ 276.]]، وهذا معنى قول الجميع، والأصل في ذلك أن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد، وسميت العرب الأخضر أسود والأسود أخضر، قال ابن الأعرابي: الخضرة عند العرب سواد، وأنشد القطامي:
يا ناق خُبِي خَبَبَاَ زِوَرَّا ... عارضي الليلَ إذا ما اخْضَرَّا
ومنه قيل لليل المظلم أخضر، قال ذو الرمة:
في ظِلّ أخضر يَدْعُو هامَة البُومُ [[وصدره:
قد أعْسِفً النازحَ المجهولَ مَعْسِفُهُ
وانظر: "الديوان" 1/ 401، و"الحيوان" 6/ 175، و"تهذيب اللغة" (خضر).
والعسف: ركوب الأمر بلا تدبير ولا روية 7/ 99 ورواية الديوان:
في ظل أعصف يدعو هامهُ اليوم]]
ومن هذا يقال أباد الله خضراءهم أي سوادهم هذا في الأسود الذي وصف بالخضر، وأما الأخضر الذي وصف بالسواد فهو قول ذي الرمة أنشده ابن قتيبة في تفسير هذه الآية يصف غيثًا:
كسا الأكم بهمى غَضَّةَ حَبَشِيَّةً ... توامًا ونُقعانُ الظَّهورِ الأقارعِ [[البيت في "ديوانه"، و"اللسان" 3/ 66 (قزع).
والبُهمى: نبت تجد به الغنم وجدًا شديدًا ما دام أخضر، والقعان: جمع (نقع) وهو مجتمع الماء. والظهور القوارع: الأراضي المرتفعة الشديدة الصلبة.]] فجعلها حبشية لما اشتدت خضرتها [[انظر: "تفسير غريب القرآن" ص 442 - 443.]]. وكذلك قوله أيضا أنشد أبو علي في تفسير هذه الآية:
حواء قرحاء أَشْرَاطِيَّةُ وكفت ... فيها الذَهابُ وَحَفَّتْها البراَعِيمُ [[انظر: "الكامل" 3/ 36.]]
يصف روضة بشدة الخضرة فجعلها حواء.
قال أبو علي: وعلى ضد هذا وصف الجدب البياض فقيل سنة شهداء من ذلك قول أوس:
علي دبر الشهر الحرام بأرضنا ... وما حولها جدب سنون تلمع [[تقدم تخريجه.]]
فقوله: تلمع؛ معناه أنه لا خصب فيها ولا نبات.
{"ayah":"مُدۡهَاۤمَّتَانِ"}