الباحث القرآني
ثم أقسم الرب بنفسه فقال: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ قال الكلبي: يعني هذا الذي قصصت في الكتاب لكائن [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 84، "الوسيط" 4/ 176، "فتح القدير" 5/ 85.]].
قال أبو إسحاق: يعني أن الذي ذكر من أمر الرزق والآيات وأمر النبي -ﷺ- حق [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 54.]]. وقال مقاتل: يعني أن أمر الساعة لكائن [[انظر: "تفسر مقاتل" 126 ب، "الوسيط" 4/ 176.]] ﴿مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ قرئ ﴿مِثْلَ﴾ رفعًا ونصبًا [[قرأ حمزة والكسائي وخلف وأبو بكر، ﴿مِثْلَ﴾ بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب. انظر: "حجة القراءات" ص 679، "النشر" 2/ 377 "الإتحاف" ص 399.]]. فمن قرأ بالرفع جعله من صفه الحق. قاله الفراء، والزجاج [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 85، "معاني القرآن" للزجاج 5/ 54.]]. قال أبو علي: وجاز أن يكون (مِّثْلَ) وإن كان مضافًا إلى صفة للنكرة، لأن مثلاً لا تختص بالإضافة لكثرة الأشياء التي يقع التماثل بها، فلما لم تخصه الإضافة ولم يزُل عنه الإيهام والشياع الذي كان فيه قبل الإضافة بقي على تنكيره فقالوا: مررت برجل مثلك، فكذلك في الآية لم يتعرف بالإضافة إلى ﴿أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ وإن كان قوله: ﴿أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ بمنزلة نطقكم [[انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 216.]]. وأمَّا في قوله: ﴿مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ﴾ فقال الفراء: العرب تجمعُ بين الشيئين من الأسماء والأدوات إذا اختلف لفظهما كقول الشاعر:
ما إنْ رأيتُ ولا سَمِعْتُ به [[البيت لدريد بن الصمة يصف الخنساء، وقد رآها تهنأ بعيرًا أجرب وتمام البيت:
كاليوم طالي أيْنقُ جُرْب
انظر: "ديوان دريد بن الصمة" ص 34، "شرح شواهد المغني" 2/ 955، "شرح المفصل" 5/ 82، "مغني اللبيب" ص 679.]]
فجمع بين ما وإن وهما [[(ك): (وإنهما).]] جحدان، أحدهما يجزي عن الآخر [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 85.]]، فعلى هذا القول (ما) مع الفعل بمنزلة المصدر، وكذلك ﴿أَن﴾ فكأنه قيل: مثل نطقكم. وقال المبرد: ﴿مَا﴾ زائدة. وبه قال أبو علي -وأبى أن تكون التي بمنزلة أن مع الفعل فتكون مصدرًا- وقال: لأنه لا فعل معها، والتي تكون مع الفعل بمنزلة اسم المصدر تكون مقرونة مع الفعل كقوله: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 51] [[انظر: "المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات" ص 334.]] والمعنى: فاليوم ننساهم نسيانًا كنسيان يومهم هذا، ولكونهم جاحدين بآياتنا. قال: ومثل زيادة (ما) هنا زيادتها في قوله: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ [نوح: 25] وقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ﴾ [آل عمران: 159] و ﴿قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ﴾ [المؤمنون:40]. وأما منتصب ﴿مِثْلَ﴾ فقال أبو إسحاق: هو في موضع رفع إلا أنه لما أضيفت إلى ﴿أَن﴾ فتح [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 54.]].
وشرحه أبو علي فقال: من نصب (مثل) فإنه لما أضاف مثل إلى مبنيٍّ وهو قوله: ﴿أَنَّكُمْ﴾ بناه كما بُنَى (يومئذ) في قوله: ﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ﴾ [المعارج: 11] و ﴿وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ﴾ [هود: 66] و:
عَلى حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبَا [[البيت للنابغة الذبياني، وتمامه:
وقلت ألمَّا أصْحُ والشَّيْبُ وازع
انظر: "ديوانه" ص 163، "الكتاب" لسيبويه 2/ 332، "الكامل" 1/ 158، "الخزانة" 2/ 456، "المصنف" 1/ 58، "ارتشاف الضرب" 2/ 520.]]
وقوله:
لم يَمْنَعِ الشُّرْبَ منها غيرُ أن نَطَقَتْ [[صدر بيت لأبي قيس بن الأسلت، وتمامه:
حمامة في غصون ذات أوقال
انظر: "الكتاب" 1/ 369، "أمالي" بن الشجري 1/ 69، "الإنصاف" ص 287، "الخزانة" 3/ 406، والأوقال: هي الثمار، مفردها وَقْل. "اللسان" 3/ 971 (وقيل).]]
فغير في موضع رفع بأنه فاعل، (يمنع) وإنما بنيت هذه الأسماء المبهمة نحو مثل، ويوم، وحين، وغير، إذا أضيفت إلى المبنيِّ لأنها تكتسي منه البناء، لأن المضاف يكتسي من المضاف إليه ما فيه من التعريف والتنكير والجزاء والاستفهام. تقول: هذا غلام زيد، وصاحب القاضي. فيتعرف الاسم بالإضافة إلى المعرفة، وتقول: غلام [[(ك): (علا).]] مَنْ تضرب؟ فيكون استفهامًا كما تقول: صاحب مَنْ تضرب؟ فيكون جزاءً، فمن بني هذه المبهمة إذا أضافها إلى مبني جعل البناء أحد ما تكتسبه من المضاف إليه ، ولا يجوز على هذا: جاءني صاحب خمسة عشر، ولا غلام هذا؛ لأن هذين من الأسماء غير المبهمة، والمبهمة في إبهامها [[(ك): (أيامها).]] وبعدها من الاختصاص [[(ك): (الاختصان).]] كالحروف التي تدل على أمور مبهمة، فلما أضيفت إلى المبنية جاز ذلك فيها. ثم ذكر قولين آخرين في نصب ﴿مِثْلِ مَا﴾: أحدهما: أن تجعل (ما) مع مثل بمنزلة شيء واحد بنيته على الفتح، وإن كانت ما زائدة، وهذا قول أبي عثمان وأنشد في ذلك:
وَتَدَاعَى مَنْخِرَاهُ بِدَمٍ ... مِثْلَ ما أثْمَرَ حُمَّاضُ الجَبَلْ [[البيت للنابغة الجعدي، والحمَّاض بقلة برية تنبت أيام الربيع في مسايل الماء ولها ثمرة حمراء. انظر: "ديوانه" ص 87، "أمالي" ابن الشجري 2/ 604، "شرح المفصل" لابن يعيش 8/ 135، "اللسان" 1/ 719 (حمض)، "رصف المباني" 379.]]
فذهب إلى أن (مثل ما) بمنزلة شيء واحد، ويدل على جواز بناء مثل مع (ما) وكونه معه بمنزله شيء واحد قول حميد بن ثور:
ووَيَحْا لِمنْ لم يَدْرِ ما هُنَّ وْيحَمَا [[صدر البيت:
ألاَ هَيَّمًا مِمَّا لَقِيْتُ وَهَيَّمَا
وانظر: "ديوانه" ص 6، "اللسان" 3/ 996، (ويح) "الخصائص" 2/ 181، ونسبه لحميد بن الأرقط "ديوان ابن الأرقط" ص 7: "الحجة" 6/ 219.]] فبنى ويحًا مع (ما) ولم يلحقه التنوين.
ومثله ما أنشده أحمد بن يحيى:
أثَوْرَ ما أصِيدُكُمْ أمْ ثَوْرَيْنْ [[من الرجز، والآخر:
أمْ تِيكُم الجَمَّاءَ ذَات القَرْنَيْنْ
وهو للنضر بن سلمة، كما في "الخصائص" 2/ 18، "اللسان" 1/ 386 (ثور)، "التصريح بمضمون التوضيح" 1/ 24، "الحجة" 6/ 220.]]
أراد أثوراً أصيدكم؟ فبني الثور على الفتح وجعله مع (ما) شيئًا واحداً.
القول الثاني: أن ينتصب على الحال من النكرة الذي هو (حق) في قوله: ﴿إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ والعامل في الحال هو الحق؛ لأنه مصدر. وإلى هذا ذهب أبو عمر الجرمي. وقد حمل أبو الحسن [[هو الأخفش، وتقدمت ترجمته.]] قوله: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا﴾ [الدخان: 4 - 5] على الحال، وذو الحال قوله: ﴿أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا﴾ وهو نكرة [[انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 348، 351، 6/ 222 - 217.]]. وذكر المبرد أيضًا هذا الوجه فقال: يجوز أن يجعل حالاً للنكرة كقوله: هذا رجل قائمًا [[انظر: "البحر المحيط" 8/ 137.]] وذكر الفراء والزجاج وجهًا آخر. في انتصاب (مثل ما).
قال الفراء: من نصب (مثل ما) جعله في مذهب مصدر كقولك: إنه لَحَقُّ حقًا [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 85.]].
وقال الزجاج: يجوز أن يكون منصوبًا على التوكيد على معنى: إنه لَحَقُّ حقًّا، مثل نطقكم [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 54.]]. هذا كلامهما. ومعناه أنه نصب لأنه نعت مصدر محذوف. هذا هو الكلام في الإعراب.
وأما المعنى؛ فقال أبو عبيدة: مجازه كما أنكم تنطقون [[انظر: "مجاز القرآن" 2/ 226.]]. وهوقول ابن عباس قال: يريد كما أنكم تنطقون [[لم أجده.]].
قال الفراء: إنه لحق كما أن الآدمي ناطق، وللآدمي نطق لا لغيره [[انظر: "معاني القرآن" 3/ 85.]]. وقال الزجاج: هذا كما تقول في الكلام: إن هذا لحق كما أنك هاهنا، وإن هذا لحق كما أنك متكلم [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 54.]]. هذا قول هؤلاء وبيانه: أن الله تعالى شبه تحقق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي ووجوده، والواحد منا يعرف أنه ناطق ضرورة، فإذا نطق لم يحتج إلى استدلال على نطقه، وعلى أنه ناطق لا يتخالجه في ذلك شك، فكذلك ما أخبر الله تعالى عنه هو في صدقه ووجوده كالذي نعرفه ضرورةً من غير استدلال بشيء.
{"ayah":"فَوَرَبِّ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقࣱّ مِّثۡلَ مَاۤ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق