الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾، (قال الفراء: ﴿ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾) [[ما بين القوسين ساقط من (ج).]] لا يكون إلا مضافًا، ولا يجوز التنوين في (ثالث) فتنصب الثلاثة، وكذلك قوله: (ثاني اثنين) لا يكون (اثنين إلا) [[ما بين القوسين ساقط من (ج)، وهكذا هو في (ش)، ولعل الصواب: "ثاني".]] مضافًا، لأن المعنى مذهب اسم [[هكذا في النسختين، ولم يتضح الأسلوب لهذه اللفظة.]]، كأنك قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة، ولو قلت: أنت ثالث اثنين، جاز الإضافة وجاز التنوين ونصب الاثنين، وكذلك: رابعُ ثلاثةٍ، ورابعٌ ثلاثةً؛ لأنه فعل واقع [["معاني القرآن" 1/ 317.]]. وزاد أبو إسحاق لهذا بيانًا فقال: لا يجوز في (ثلاثةٍ) إلا الخفض؛ لأن المعنى: أحد ثلاثة، فإن قلت: زيد ثالث اثنين، أو: رابع ثلاثة، جاز الخفض والنصب، أما النصب فعلى قولك: كان القوم ثلاثة فربعتهم وأنا رابعهم غدًا، ومن خفض فعلى حذف التنوين، كما قال الله عز وجل: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: 95] [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 196.]]، وذكرنا هذه المسألة مشروحة عند قوله تعالى: ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: 97]. فأما معنى قول النصارى لعنهم الله: (ثالث ثلاثة) ففيه طريقان: الأظهر والأوفق للفظ طريق المفسرين، وهو أنهم قالوا: أرادت النصارى بقولهم: (ثالث ثلاثة) الله ومريم وعيسى، زعموا أن الإلهية بين الثلاثة، وأن كل واحد من هؤلاء إله، يؤكد هذا القول من مذهبهم قوله تعالى للمسيح: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ﴾ [المائدة: 116] ففي هذا بيان أنهم كانوا يشركون مريم وعيسى في الإلهية [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 451، "تفسير البغوي" 3/ 82، "زاد المسير" 2/ 403.]]، وهذا القول اختيار الزجاج، لأنه قال في معنى قوله: (ثالث ثلاثة): أنهم قالوا: الله أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة. هذا كلامه [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 196.]]. وعلى هذا المعنى لا بد من أن يكون في الآية إضمار واختصار، لأن المعنى أنهم قالوا: إن الله ثالث ثلاثة آلهة، أو ثالث ثلاثة من الآلهة، فحذف ذكر الآلهة، لأن المعنى مفهوم، ولا يكفر من يقول: إن الله ثالث ثلاثة إذا لم يرد الآلهة، ومطلق ثالث ثلاثة لا يكون كفرًا، فإنه ما من اثنين إلا والله ثالثهما بالعلم، كقوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ [المجادلة: 7] [[انظر: "تفسير الوسيط" 2/ 208، "تفسير البغوي" 3/ 82.]]، والذين يحقق أنهم أرادوا بالثلاثة الآلهة قوله تعالى في الرد عليهم: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذا طريق في الآية. والمتكلمون حكوا عن النصارى في قولهم التثليث أنهم يقولون إن الباري سبحانه جوهر واحد، وأنه ثلاثة أقانيم: أب وابن وروح قدس، وهذه الثلاثة إله واحد، قالوا: واسم الإله يتناول هذه الثلاثة الأشياء، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة. وعنوا بالأب: الذات وبالابن الكلمة وبالروح القدرة، فأثبتوا الذات والكلام والقدرة، وقالوا: إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر واختلاط الماء باللبن، وزعموا أن الأب إله والابن إله والروح إله، وهو إله واحد [[انظر: "تفسير الطبري" 6/ 313 - 314، "ابن كثير" 2/ 92.]]، وكل هذا فاسد لأنه يعرف ببديهة العقل فساد أن يكون ثلاثة واحدًا ، ولو جاز هذا، لجاز أن يكون الواحد أربعة، والأربعة واحداً. وليس هذا موضع بسط الكلام في الرد عليهم، وعلى هذا فالذي أخبر الله تعالى عنهم في قوله: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ هو معنى مذهبهم؛ لأنهم وإن لم يصرحوا بأنه واحد من ثلاثة آلهة فذلك لازم لهم، وإنما يمتنعون من العبارة، لأنهم إذا قالوا: إن كل واحد [[في (ج): (واحدة) بالتأنيث.]] من الأقانيم إله، فقد جعلوه ثالث الآلهة، وقولهم بعد هذا وهو إله واحد مناقضة لما قالوا، وإذا كان كذلك صح أن يُخْبَر عنهم من مذهبهم ما يلزمهم، وذهب من المفسرين إلى هذا الطريق: الكلبي [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ (مِنْ) دخلت مؤكدة، المعنى: وما إله إلا إله واحد [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 196.]]. وقوله تعالى: ﴿لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، أي الذين أقاموا على هذا الدين، وعلى هذا القول. قاله الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 196، انظر: "زاد المسير" 2/ 403.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب