الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾. قال أهل المعاني: إنما ذكر إحلال الطيبات تأكيدًا، كأنه قيل: اليوم أحل لكم الطيبات التي سألتم عنها [[انظر: "زاد المسير" 2/ 295.]]. وقد فسرنا الطيبات في الآية الأولى. وقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾. الطعام عند العرب: (اسم لما يُؤكل [[غير واضح في (ش).]])، كما أن الشراب اسم لما يشرب، والذبائح داخلة في اسم الطعام على مقتضى اللغة. قال ابن عباس: قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121] ثم استثنى ذبائح أهل الكتاب فقال: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ يعني: (ذبائح اليهود [[غير واضح في (ش).]]) والنصارى وإن لم يذكروا اسم الله وذكروا عيسى وعزير [[لم أقف عليه، وما وجدته عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا من نسائهم. أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 101، ويريد نصارى بني تغلب.]]. وقال الشعبي وعطاء في النصراني (يذبح فيقول: باسم [[غير واضح في (ش).]]) المسيح. قالا: تَحلّ، فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم (ما يقولون [[غير واضح في (ش).]]) [[أخرجه عنهما بمعناه الطبري في "تفسيره" 6/ 101، وانظر البغوي في "تفسيره" 3/ 18، و"زاد المسير" 2/ 295.]]. ومثل هذا رُوي عن الزهري [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 101، وانظر: "زاد المسير" 2/ 295.]] ومكحول [[انظر البغوي في "تفسيره" 3/ 18.]]. وقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾. يريد أن ذبائحنا لهم حلال، فإذا اشتروها (منا كان [[غير واضح في (ش).]]) الثمن لنا حلالًا، (واللحم لهم حلالًا) [[غير واضح في (ش)، وانظر: "زاد المسير" 2/ 296.]]، وهذا يدل على أنهم مخاطبون بشريعتنا. وقال الزجاج: ﴿وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ (تأويله حل لكم أن تطعِمُوهم [[غير واضح في (ش).]]) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 151، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 417، و"زاد المسير" 2/ 296.]]. فجعل الزجاج الخطاب للمؤمنين على معنى أن التحليل يعود إلى إطعامنا إياهم، لا إليهم. ثم قال: لأن (الحلال والحرام والفرائض بعد [[غير واضح في (ش).]]) عقد التوحيد [[علق محقق "معاني الزجاج" عند هذا الموضع ما يأتي: أي الإيمان والعقيدة أولاً ثم التكليف بعد ذلك، وهؤلاء لا إيمان عندهم فليأكلوا ما يأكلون ولا حرج علينا في تقديم ذلك لهم.]]، إنما يعقد على أهل الشريعة [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 151، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 417.]]. وقوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ﴾. قال مجاهد: يعني الحرائر [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 104، وانظر: "معاني القرآن" للنحاس 2/ 267، و"زاد المسير" 2/ 296.]]. وقال ابن عباس: يريد العفائف من المؤمنات [[انظر: "معاني القرآن" للنحاس 2/ 266، و"زاد المسير" 2/ 296، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 107.]] وهو قول الحسن والشعبي وسفيان وإبراهيم والسدي [[انظر: الطبري في "تفسيره" 9/ 106 - 107، والبغوي في "تفسيره" 3/ 19.]]. فإن حملنا الإحصان على الحرية وهو قول مجاهد لم تدخل الأَمَة المسلمة في هذا التحليل، وذلك ان هذا تحليل مطلق، والتحليل المطلق إنما يستمر في الحرائر المسلمات؛ فأما الأمة المسلمة فنكاحها إنما يجوز بشرطين، على ما بينا في سورة النساء، فهي غير مطلقة النكاح. وإن حملنا الإحصان على العِفّة وهو قول ابن عباس والباقين قلنا في هذه الآية إن المراد بها بيان الأولى من النكاح، كما قال رسول الله ﷺ: "عليك بذات الدين تربت يداك" [[أخرجه بنحوه من حديث أبي هريرة البخاري (5090) كتاب النكاح، باب: الأكفاء في الدين.]] فالأولى أن يتزوج عفيفة، فإن تزوج زانية كُرِهَ وجاز، وسنذكر المذاهب في تزوجّ الزانية عند قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ [النور: 3] إن شاء الله. وقوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾. قال ابن عباس: يريد الحرائر، وأما أهل الكتاب حرام نكاحهن [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 107.]]. هذا كلامه، وقد بينا هذا في سورة النساء. واختلفوا في قوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ هل هو عام أم لا؟ فقال ابن عباس: هذا خاص في الذميات منهن، فأما الحربيات منهن فلا. روى مِقسَم عنه أنه قال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، (ومنهم [[في (ش): منهن وما أثبته هو الموافق لما عند الطبري في "تفسيره" 6/ 107.]]) من لا يحل لنا. ثم قرأ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ [التوبة: 29] فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه، ومن لم يُعطِ لم يحل [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 107، و"زاد المسير" 2/ 297. قال ابن الجوزي معلقًا على رأي ابن عباس هذا: والجمهور على خلافه.]]. وقال الحسن وسعيد بن المسيب: هذا عام في جميع الكتابيات حربية كانت أو ذمية [[أخرجه بمعناه الطبري في "تفسيره" 6/ 107، وانظر: "زاد المسير" 2/ 296.]]. وقوله تعالى: ﴿إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾. قال ابن عباس: يريد الصداق والمهور [["تفسيره" ص 172، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 108.]]. قال أهل المعاني: تقييد التحليل بإيتاء الأجور يدل على تأكد وجوبه، وأن من تزوج امرأة واعتقد أن لا يعطيها صداقها كان في صورة الزاني. وقد روي هذا المعنى عن النبي ﷺ [[لم أقف عليه.]]. وتسمية المهر بالأجر يدل على أن أقل الصداق لا يتقدر، كما أن أقل الأجر في الإجارات لا يقدر. وقوله تعالى: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾. قال ابن عباس: يريد حلالًا غير حرام [[بمعناه في "تفسيره" ص 172، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 108.]]. ﴿وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾. قال: يريد التي يهواها فيضمها إليه من غير تزويج، هذا حرام [[بمعناه في "تفسيره" ص 172، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 108.]]. وقال غيره: ﴿مُحْصِنِينَ﴾ يعني تنكحوهن بالمهر والبينة، ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ معالنين بالزنا، ﴿وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾ يعني تُسرون الزنا [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 108، والبغوي في "تفسيره" 3/ 19.]]. وقال الشعبي: الزنا ضربان خبيثان: السفاح وهو أخبثهما، وهو المعالنة بالزنا، والآخر: اتخاذ الخدن، وهو الزنا في السر [[لم أقف عليه.]]. قال الزجاج حرم الله عز وجل الجماع على جهة السفاح، وعلى جهة اتخاذ الصديقة، وأحله على جهة الإحصان، وهو التزوج [[في "معاني الزجاج": التزويج.]] [[في "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 152.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾. قال ابن عباس ومجاهد: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ﴾ أي بالله [[هذا لفظ مجاهد كما عند الطبري في "تفسيره" 6/ 109، وانظر: "تفسير الهواري" 1/ 451، أما لفظ ابن عباس فإنه قال: أخبر الله أن الإيمان هو العروة الوثقى وأنه لا يقبل عملاً إلا به، ولا يحرم الجنة إلا على من تركه. "تفسيره" ص 172، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 109 - 110.]]. ووجه هذا القول: هو أن الله تعالى يجب الإيمان به، ومن آمن به فهو مؤمن به، والله تعالى مؤمن به، والمؤمن به يجوز أن يسمى إيمانًا كما يسمى المضروب ضربًا، كقولهم: نسج اليمن، وصيد البر. وحكى عن بعضهم أنه قال: معنى هذا القول: ومن يكفر برب الإيمان [[لم أقف عليه.]]. فجعله من باب حذف المضاف. والأول الوجه. قال العلماء: وليس هذا على الإطلاق، لأنه قيد في آية أخرى فقال: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة: 217]، فأما من كفر ثم آمن ومات على الإيمان لا يقال حبطت أعماله. وقال الكلبي: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ﴾ بشهادة أن لا إله إلا الله [[انظر البغوي في "تفسيره" 3/ 20، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 108.]]. فجعل كلمة التوحيد إيمانًا. وروى حِبان [[هو أبو عبي حبان -بكسر الحاء- بن علي العنزي الكوفي، له فقه وفضل، لكنه ضعيف. توفي سنة 71 هـ. انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 270، و"ميزان الاعتدال" 1/ 449، و"التقريب" ص 149 رقم (1076) رقم (1076).]] عنه: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ﴾ يقول: بما أنزل على محمد ﷺ [[لم أقف عليه.]]. وعلى هذا سُمي القرآن إيمانًا؛ لأنه يجب الإيمان به، وأنه من عند الله. قال مقاتل: المراد بقوله: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ﴾ نساء أهل الكتاب، يقول: ليس إحصان المسلمين إياهن بالذي يخرجهن من الكفر أو يغني عنهن في دينهن شيئًا، وجعلهن ممن كفر بالإيمان وحبط عمله، وهي بعدُ للناس عامة، من كفر بالإيمان فقد حبط عمله [[انظر: "سير مقاتل" 1/ 455.]]. وقال أبو إسحاق: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ أي من بدّل شيئًا مما أحل الله فجعله حرامًا، أو أحل شيئًا مما حرم الله فهو كافر بالإجماع، وقد حبط جميع ما تقرب به إلى الله عز وجل [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 152.]]. وهذا دليل لمن جعل الطاعات إيمانًا؛ لأن تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرمه طاعة. وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 5]. قال ابن عباس: يريد الثواب [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 108.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب