الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ (قال أبو إسحاق: أي لا يحزنك مسارعتهم في الكفر) [[ما بين القوسين ساقط من (ش).]]، إذ كنت موعود النصر عليهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 174.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾. قال ابن عباس: هم المنافقون [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 3/ 879، وابن الجوزي 2/ 357، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 498، وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾. قال ابن عباس: يريد بني قينقاع [[لم أقف عليه، وفي "الوسيط": يعني يهود المدينة، كقول مقاتل الآتي.]]. وقال مقاتل: يعني: يهود المدينة [[انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 474.]]. وقوله تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾: لو شئت جعلت تمام الكلام عند قوله: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ ثم ابتدأت فقلت: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾، أي: هم سماعون للكذب أي: المنافقون واليهود سماعون للكذب. وإن شئت كان رفع ﴿سَمَّاعُونَ﴾ على معنى: ومن الذين هادوا سماعون، فيكون المعنى: أن السماعين منهم، ويرتفع (منهم) كمال تقول: من قومك عقلاء. والوجهان ذكرهما الفراء [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 308، 309.]]، والزجاج [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 175.]]، واختار أبو علي الوجه الثاني، وقال: هو على تقدير: ومن الذين هادوا فريق سماعون للكذب [["الحجة" 2/ 36.]]، وذكر أبو إسحاق في معنى قوله: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ وجهين: أحدهما: وهو قول أهل التفسير [[جملة اعتراضية من الواحدي. وانظر في ذلك: الطبري في "تفسيره" 6/ 235.]] أن معناه: قابلون للكذب، والسمع يستعمل والمراد منه: القبول، كما يقال: لا تسمع من فلان، أي: لا تقبل منه، ومنه: (سمع الله لمن حمده)، وذلك الكذب الذي يقبلونه، وهو ما يقول لهم رؤساؤهم مما كذبوا فيه. والوجه الثاني: وهو اختيار أبي علي [[انظر: "الحجة" 2/ 36.]]: أن معناه: أنهم يسمعون منك ليكذبوا عليك، أي: إنما يجالسونك ويسمعون منك ليكذبوا عليك، ويقولوا إذا خرجوا من عندك: سمعنا منه كذا وكذا، ولم يسمعوا ذلك منك [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 174 بتصرف، وانظر: "معاني النحاس" 2/ 306، 307، "تهذيب اللغة" 2/ 1756 (سمع)، والبغوي في "تفسيره" 3/ 55، "زاد المسير" 2/ 357.]]. وهذا قول الحسن [[انظر: "النكت والعيون" 2/ 38.]] واختيار أبي حاتم، وكان يقول اللام في الكذب لام كي، أي: يسمعون لكي يكذبوا عليك [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ قال ابن عباس وجابر وسعيد بن المسيب والسدي وابن زيد: إن رجلاً وامرأة من أشراف أهل خيبر [[خيبر: موضع بالحجاز يقع شمال المدينة على مسافة ثمانية برد، فيها سبعة حصون ومزارع ونخل كثير، فتحها النبي ﷺ سنة 7 هـ، وقيل سنة 8 هـ. انظر: "الصحاح" 2/ 642 (خبر)، "معجم البلدان" 2/ 409.]] زنيا، وكان حدهما الرجم، فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما، فأرسلوا إلى بني قريظة ليسألوا محمدًا ﷺ عن قضائه في الزانيين إذا أحصنا ما حدهما؟ وقالوا: إن أمرَكم بالجلد فاقبلوا منه، وإن أمركم بالرجم فاحذروه ولا تقبلوا منه، فأقبل نفر من قريظة والنضير إلى رسول الله ﷺ يسألونه، فنزل جبريل بالرجم، فأخبرهم به، فأبوا أن يأخذوا به، فذلك قوله: ﴿سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ [[أخرجه بمعناه عن السدي: الطبري في "تفسيره" 6/ 235، وذكره المؤلف في "الوسيط" 3/ 880، والبغوي في "تفسيره" 3/ 55، واختاره ابن كثير في "تفسيره" سببًا لنزول الآية. انظر: "تفسيره" 2/ 66.]]. والمراد بالقوم الآخرين: أهل خيبر. وقوله تعالى: ﴿لَمْ يَأْتُوكَ﴾ من صفة قوله: ﴿لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾. قال الزجاج: هم عيون لأولئك الغُيَّب [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 175.]]. وقوله تعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾. أي: من بعد أن وضعه الله مواضعه، أي: فرض فروضه، وأحل حلاله وحرم حرامه. قال المفسرون: وذلك أن رسول الله ﷺ لما أفتى بالرجم لم يقبلوا ذلك وأنكروه وأبوا أن يأخذوا به، فقال جبريل للنبي ﷺ: اجعل بينك وبينهم ابن صُوريا [[هو عبد الله بن صوريا، ويقال: ابن صور، الإسرائيلي، وإن من أحبار اليهود، ويقال إنه أسلم، لكنه ارتد بعد ذلك. انظر: "الإصابة" 2/ 326.]] -وكان أعلمهم بالتوراة- فأُحضِر وأقسم عليه رسول الله ﷺ، فقال: "أسألك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل في التوراة أن يرجم المحصنان إذا زنيا؟ " قال: نعم [[أخرجه بنحوه من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، أبو داود (4452) كتاب الحدود، باب: في رجم اليهوديين، وابن ماجه (2374) كتاب الأحكام، باب (33): شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض مختصرا والحميدي في "مسنده" 2/ 541، 542. قال في "الزوائد": في إسناده مجالد بن سعيد، وهو ضعيف. وقد أورده الماوردي في "النكت والعيون" 2/ 39، والبغوي في "تفسيره" 3/ 55، 56، وابن كثير في "تفسيره" 2/ 66، والسيوطي في "الدر المنثور" 2/ 500.]]. وكانت اليهود قد ترخصت في حد الزنا، وجعلت بدل الرجم الجلد والتحميم [[هو: أن يجلد أربعين جلدة بحبل مطلي بالقار ثم يسود وجوههما، ثم يحملان على حمارين، ويطاف بهما. البغوي في "تفسيره" 3/ 56، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 436 فالتحميم: تسويد الوجه.]]، فذلك تحريفهم الكلم عن مواضعه. هذا قول أهل التفسير. وقال أهل المعاني: يعني: تحريف كلام النبي ﷺ بعد سماعهم منه، يحرفونه للكذب عليه [[نسب هذا القول للحسن: الماوردي في "النكت والعيون" 2/ 39، وانظر: "الحجة" لأبي علي 2/ 36.]]. قال أبو علي: قوله: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ﴾ من صفة قوله [[في "الحجة" 2/ 36: لقوله.]]: ﴿سَمَّاعُونَ﴾ [["الحجة" 2/ 36.]] أي فريق سماعون يحرفون الكلم. فيكون موضعه رفعًا على قول أهل التفسير، ويجوز على قول أهل المعاني: أن يكون ﴿يُحَرِّفُونَ﴾ حالًا من الضمير في اسم الفاعل؛ كأنه: سماعون محرفين للكلم، أي: مقدرين تحريفه، يعني: أنهم يسمعون كلام النبي ﷺ ويقدرون مع [[لعل الصواب: في.]] أنفسهم تحريف ما يسمعون، فيكون كقولهم: معه صقر صائدًا به غدًا، وكقوله تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: 95] [["الحجة" 2/ 36.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾. من باب حذف المضاف؛ لأن التقدير: من بعد وضعه مواضعه، أي: وضع الله، على قول أهل التفسير [[تقدم هذا القول قريبًا.]]. وعلى قول أهل المعاني [[تقدم قريبًا.]]: من بعد وضع النبي كلامه مواضعه. وقوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾. يقول ذلك يهود خيبر ليهود المدينة: إن أمركم محمد بالجلد فاقبلوه، ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ﴾ يعني: الجلد فاحذروه [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 236 - 237، "بحر العلوم" 1/ 437.]]. قال الزجاج: أي إن أُفتِيتم بهذا الحكم المحرف فخذوه، وإن أفتاكم النبي ﷺ بغير ما حددنا لكم فاحذروا أنه تعملوا به [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 175.]]. قال المفسرون: وذلك أنهم كانوا بعثوا الزانيين إلى يهود المدينة ليسألوا النبي ﷺ عن حدهما، وقالوا: إن أفتاكم بالجلد فخذوه [[في (ش): (فخذوا).]] واجلدوا الزانيين، وإن أفتاكم بالرجم فلا تعملوا بذلك، ثم لما افتضحوا بقول ابن صوريا، أمر رسول الله ﷺ بالزانيين فرجما عند باب مسجده، وقال: "أنا أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" [[بمعناه في "تفسير ابن عباس" ص 178، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 232، وأورده بنحو لفظ المؤلف البغوي في "تفسيره" 3/ 56، 57، وانظر: "زاد المسير" 2/ 358.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ﴾. قال ابن عباس ومجاهد: ضلالته [[أورده عن ابن عباس السيوطي في "الدر المنثور" وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في "الأسماء والصفات". وانظر: "زاد المسير" 2/ 359.]]. وقال الحسن وقتادة: عذابه [[انظر: "النكت والعيون" 2/ 39، والبغوي في "تفسيره" 3/ 58، "زاد المسير" 2/ 359.]]. وقال الضحاك: هلاكه [[انظر البغوي في "تفسيره" 3/ 58.]]. وقال الزجاج: قيل فضيحته، وقيل كفره، قال: ويجوز أن يكون اختباره بما يظهر به أمره [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 176، وانظر: "النكت والعيون" 2/ 40، "زاد المسير" 2/ 359.]]. وقوله تعالى: ﴿فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾. ذكرنا معناه عند قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ﴾ الآية [المائدة: 17]. وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾. قال ابن عباس: أن يخلص نياتهم [[أورده المؤلف في "الوسيط" 3/ 882، وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 113.]]. وقال الزجاج: أي أن يهديهم [[في "معاني الزجاج" 2/ 176: أي أن يهينهم.]]. قال أهل العلم: قد دلت هذه الآية على أن الله تعالى غير مريد إسلام الكافر، وأنه لم يطهر قلبه من الشك والشرك، ولو فعل ذلك لآمن. وهذه الآية من أشد الآيات على القدرية [[انظر البغوي في "تفسيره" 3/ 58.]]. وقوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾. قالوا: خزي المنافقين هتك سترهم بإطلاع النبي ﷺ على كفرهم وخوفهم القتل، وخزي اليهود فضيحتهم بظهور كذبهم في كتمان الرجم وأخذ الجزية منهم [[انظر: "معاني النحاس" 2/ 308، والبغوي في "تفسيره" 3/ 58، و"زاد المسير" 2/ 359.]]. ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 41]. وهو الخلود في النار [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 238، والبغوي في "تفسيره" 3/ 58.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب