الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ الآية. أمال اليهود فقال السدي: إنهم زعموا أن الله عز وجل أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكري من الولد، وكذَبُوا فيما زعموا [[الأثر في "زاد المسير" 2/ 318، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 120، وابن كثير في "تفسيره" 2/ 39. وقد عزاه ابن كثير في "تفسيره" إلى ابن أبي حاتم والطبري في "تفسيره"، لكن وجدته عند الطبري في "تفسيره" بلفظ: إنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدًا من ولدك أدخلهم النار فيكون فيها أربعين يومًا .... فأخرجهم فذلك قوله ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾، وأما النصارى، فإن فريقًا منهم قال للمسيح: ابن الله. الطبري في "تفسيره" 6/ 164.]]. وقال الحسن: إنما قالوا ذلك على معنى قرب الولد من الوالد [["النكت والعيون" 2/ 23، وانظر: "تفسير الهواري" 1/ 458، و"البحر المحيط" 3/ 450.]]. وهو اختيار ابن قتيبة، قال: يعنون أنه من حدبه وعطفه علينا كالأب المشفق [[لم أقف عليه عن ابن قتيبة، وانظر: "تفسير البغوي" 3/ 33، و"البحر المحيط" 3/ 450.]]. وأما النصارى فقال سعيد بن المسيب: إنهم قالوا: المسيح ابن الله [[لم أقف عليه.]]. ووجه هذا القول أنهم لما قالوا: المسيح ابن الله وادعوا أن المسيح منهم فكأنهم قالوا: نحن أبناء الله، كقول العرب: هذيل [[قبيلة ينتسبون إلى هذيل بن مدركة بن الياس، نبع منهم شعراء كثيرون. انظر: "جمهرة أنساب العرب" ص 196 - 198.]] شعراء، أي: منهم شعراء، وقولهم في رهط مسيلمة: قالوا: نحن أنبياء، أي قال قائلهم وتابعوه (عليه [[تكرر في (ج).]])، وذلك أنهم إذا قالوا: الواحد منهم أنه نبي، ثم افتخروا به وانتسبوا إليه، صح في اللفظ أن يقال: إنهم أنبياء [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 164، 165، و"الكشاف" 1/ 329.]]. وهذا وجه ثالث في قول اليهود: نحن أبناء الله، لأنهم أيضًا قالوا: عُزَير ابن الله، كما قالت النصارى: المسيح ابن الله، ذكره سعيد بن المسيب [[تقدم قريبًا.]]. وقيل: إنهم تأولوا قول عيسى. أذهب إلى أبي وأبيكم، وقوله: إذا صليتم فقولوا: يا أبانا الذي في السماء ليتقدس اسمك [[لم أقف عليه.]]. وتأويل هذا: أنه في بره ورحمته وعطفه على عباده الصالحين كالأب الرحيم لولده [[انظر: "تفسير الهواري" 1/ 458، والبغوي في "تفسيره" 3/ 33.]]. وذهب بعضهم إلى أن معنى قوله: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ﴾ معناه: نحن أبناء رسله. فهو من باب حذف المضاف [[انظر: "الوسيط" 3/ 841، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 120، و"البحر المحيط" 3/ 450.]]. قال ابن عباس: إنما قالوا هذا حين حذرهم النبي ﷺ عقوبة الله [[أخرجه الطبري في "تفسيره" بمعناه 6/ 164، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 486، وعزاه إلى ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في "الدلائل".]]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾. يحلمه [[هذه الكلمة غير واضحة، والأقرب أنها هكذا.]] المفسرون على قولهم: إنما نعذب أربعين يومًا، قدر الأيام التي عبد آباؤنا فيها العجل، فقيل لهم: إن كان الأمر كما زعمتم فلم يعذبكم الله؟ هل رأيتم والدا يعذب ولده بالنار؟ وهل تطيب نفس حبيب بتعذيب حبيبه في النار؟ هذا معنى قول المفسرين [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 165، و"بحر العلوم" 1/ 425، والبغوي في "تفسيره" 3/ 34، و"زاد المسير" 2/ 318.]]. وقال أهل المعاني: (هذا التعذيب) [[في (ش): (في هذا التعذيب).]] مطلق غير محمول على الأيام الأربعين؛ لأنهم مقرون أنهم معذبون بذنوبهم ولو لم يقولوا بهذا [[انظر: الطبرى في "تفسيره" 6/ 164، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 120.]]، كذبوا بكتبهم، وأباحوا للناس ارتكاب الفواحش، والله تعالى يقول: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ فجعل التعذيب بسبب ذنوبهم. وقال الربيع بن أنس في قوله تعالى: ﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾: لم مسخكم؟ [[انظر: "زاد المسير" 2/ 319.]]. قال صاحب النظم: تأويل: ﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ﴾ لم عذب من قبلكم من اليهود والنصارى الذين كانوا أمثالكم في الدين بذنوبهم؛ لأنه تعالى لم يكن ليأمر نبيه -عليه السلام- بأن يحتج عليهم بشيء لم يكن بعد، يقولون: فإنا لا نعذب، ولكن أمره بأن يحتج عليهم بما كان وعرفوه. وكثير ما يذكر لفظ المستقبل والمراد به الماضي، كقول عنترة: ولقد أمُرُّ على اللئيم يسبُني .. البيت [[لم أجده في "ديوان عنترة"، وقد نسبه لمولد من بني سلول. سيبويه في "الكتاب" 3/ 24، وعجزه: فمضيت ثمت قلت لا يعنيني واستشهد به دون نسبه: ابن جني في "الخصائص" 3/ 330، والسمين في "الدر المصون" 2/ 288.]] أي: مررت. وقد بينا هذا في مواضع [[في (ش): (موضع) بالإفراد.]] من هذا الكتاب. ثم كذبهم في زعمهم فقال تعالى: ﴿بَلْ [[سقطت (بل) من: (ج).]] أَنتُم بَشَرٌ مَمَّنْ خَلَقَ﴾. قال ابن عباس: لحم ودم [[لم أقف عليه.]]. وقال المفسرون: كسائر بني آدم، مجزيون بالإحسان والإساءة [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 165، والبغوي في "تفسيره" 3/ 34، و"زاد المسير" 2/ 319.]]. وقولى تعالى: ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾. قال ابن عباس: لمن تاب من اليهودية ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ من مات عليها [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 111.]]. وقال عطاء: ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ من يوحد الله ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ من لا يوحد الله [[انظر: "زاد المسير" 2/ 319.]]. وقال السدي: يهدي منكم من يشاء فيغفر له، ويميت منكم من يشاء على كفره فيعذبه [[في (ج): فيعذبه الله وما أثبته هو الموافق للمصادر في التخريج الآتي.]] [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 165 - 166، وانظر: "الدر المنثور" 2/ 486.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾. أي أنه يملك ذلك، لا شريك له فيعارضه، وهو يملك المغفرة لمن يشاء والتعذيب لمن يشاء [[انظر القرطبي في "تفسيره" 6/ 121.]]. قال أهل المعاني: دل بهذا على أنه لا ولد له؛ لأن (من [[ما بين القوسين ساقط من (ج).]]) ملك ذلك استحال أن يكون له شبيه أو شريك أو قسيم [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 166، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 121.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أي: وإليه يؤول أمر العباد في الآخرة [[انظر القرطبي في "تفسيره" 6/ 121.]]؛ لأنه لا يملك الضر والنفع غيره، كما يملك في الدنيا بتمليكه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب