الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قال ابن عباس: ثم أخبر الله عن نقض إسرائيل عهد الله كما نقضت هذه الطبقة فقال: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [[لم أقف عليه.]]. قال الكلبي ومقاتل: أخذ الله ميثاقهم على أن يعملوا بما في التوراة [[انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 461، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 109.]]. وقوله تعالى: ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾. اختلفت عبارات المفسرين في تفسير النقيب: فقال ابن عباس والحسن: الضمين [[لم أقف عليه عن ابن عباس، وقد نسبه ابن الجوزي للحسن، وقال: ومعناه: أنه ضمين ليعرف أحوال من تحت يده. "زاد المسير" 2/ 310، ونحو هذا "تفسير أبي عبيدة" النقيب بالضامن. انظر: "مجاز القرآن" 1/ 156ن والطبري في "تفسيره" 6/ 148. هذا، وقد أخرج الطستي ضمن "مسائل ابن الأزرق" أن ابن عباس فسر النقيب بالوزير، انظر: "الدر المنثور" 2/ 472.]]. وقال قتادة: الشهيد على قومه [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 148 بلفظ: من كل سبطٍ رجل شاهد على قومه. وانظر: "زاد المسير" 2/ 310.]]. وقال الكلبي: ﴿اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ يعني ملكًا [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 109.]]. وقال مقاتل: يعني شاهدًا على قومهم [["تفسيره" 1/ 460، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 421.]]. وقال أبو عبيدة: النقيب: الأمين الكفيل [["مجاز القرآن" 1/ 156، وعبارته: أي ضمانًا ينقب عليهم، وهو الأمين والكفيل على القوم.]]. وقال الأخفش: النقباء: الكفلاء على قومهم [[ليس في "معاني القرآن".]]. وقال المؤرج: النقباء: الأمناء [[لم أقف عليه.]]. وقال أبو إسحاق: النقيب في اللغة كالأمين [[في "معاني الزجاج": كالأمير.]] والكفيل [["معاني الزجاج" 2/ 157.]]. ثم بين حقيقة الباب واشتقاقه فقال: يقال: نقب الرجل على القوم ينقُبُ نقابة فهو نقيب، إذا صار نقيبًا عليهم، وما كان الرجل نقيبًا ، ولقد نقُبَ، وفي فلان مناقب جميلة، أي أخلاق، وهو حسن النقيبة، أي جميل الخليقة [[في "معاني الزجاج" 2/ 158: حسن الخليقة.]]، وإنما قيل للنقيب: نقيب؛ لأنه يعلم دخيلة أمر القوم، ويعلم مناقبهم وهو الطريق إلى معرفة أمورهم. وهذا الباب كله أصله التأثير الذي له عمق ودخول، فمن ذلك: نقبت الحائط، أي بلغت في النقب آخره، ومن ذلك: النقبة من الجَرب؛ لأنه داء شديد الدخول، وذلك أنه يطلى البعير بالهناء فيوجد طعم القطران في لحمه، والنُّقْبة السراويل بغير رجلين، لما قد بولغ في فتحها ونقبها، ويقال: كلب نقِيب، وهو أن تنقب حنجرته لئلا يرتفع صوت نباحه، وإنما يفعل ذلك البخلاء من العرب لئلا يطرقهم ضيف [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 157 - 159 بتصرف.]]. هذا بيان الزجاج. واختلفوا في معنى بعث النقباء: فقال الحسن: أخذ من كل سبط منهم نقيب ضامن بما عقد عليهم بالميثاق في أمور دينهم [[انظر: "تفسير الهواري" 1/ 456، و"زاد المسير" 2/ 310.]]. ونحو هذا قال ابن عباس في رواية عطاء، فقال في قوله: ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾: يريد ضامنين عن قومهم لله الميثاق وأن يؤمنوا بمحمد [[في (ش): (لمحمد).]] ﷺ ويصدقوه وينصروه [[لم أقف عليه.]]. ومعنى البعث في هذا القول إقامتهم بذلك الأمر كبعث الرسل، فقوله تعالى: ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ كقوله لو قال: بعثنا منهم اثنى عشر نبيا. وقال مجاهد والكلبي والسدي: إن النقباء بعثوا إلى مدينة الجبارين الذين أمر موسى بالقتال معهم؛ ليقفوا على أحوالهم ويرجعوا بذلك إلى نبيهم موسى عليه السلام، فرجعوا ينهون قومهم عن قتالهم، وكانوا قد تواثقوا فيما بينهم أن لا يفعلوا، فنكثوا العهد، وجعل كل واحد منهم ينهى سِبطه عن قتالهم إلا رجلين منهم: كالِب، ويوشَع، وهما اللذان قال الله تعالى: (فيهما) [[ساقط من (ج).]]: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ الآية [المائدة: 23] [[انظر: "تفسير مجاهد" 1/ 188، 189، والطبري في "تفسيره" 6/ 149 - 150 ، و"تفسير الهواري" 1/ 456، و"بحر العلوم" 1/ 422، والبغوي في "تفسيره" 2/ 28 - 30.]]. وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾. أي: قال الله لهم، فحذف ذلك لاتصال الكلام بذكرهم. واختلفوا في المعنيّ بهذا القول، فقال الربيع: ﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾ أي: للنقباء [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 150 مطولًا، وانظر: "زاد المسير" 2/ 312، و"الدر المنثور" 2/ 473.]]. وعلى هذا دل كلام ابن عباس، فقال في قوله: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ أي مع النقباء، ومن أوفى بميثاق الله وعهده [[لم أقف عليه.]]. وقال غيرهما: ﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾ لبني إسرائيل ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 150، و"بحر العلوم" 1/ 422، و"زاد المسير" 2/ 312، وقد نسبه ابن الجوزي للجمهور.]]. ومعنى ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ أي: بالعون والنصر والدفع عنكم. قال الكلبي [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 109. وهذا القول لجمهور المفسرين. انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 150، و"بحر العلوم" 1/ 422، والبغوي في "تفسيره" 3/ 31، و"زاد المسير" 2/ 312.]]. وقوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾. ذكر أبو علي الجرجاني في تقدير الآية ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون قوله: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ جزاء مقدمًا على شرط، والشرط قوله: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ وما انعطف عليه، وما انعطف عليه، ويكون قوله: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ جوابا لقوله: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ [[انظر: "الكشاف" 1/ 328، و"البحر المحيط" 3/ 445، و"الدر المصون" 4/ 220.]]، وكأنه ابتدأ شرطًا آخر بقوله: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ﴾ وجعل جوابه ﴿لَأُكَفِّرَنَّ﴾، فيحصل من هذا أن يكون قوله: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ﴾ جزاءً لقوله: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ ويكون مبتدأ وشرطًا لقوله: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ﴾. فمرة من وجه يكون جزاء، ومرة من وجه آخر يكون مبتدأ وشرطًا، وصار قوله: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ﴾ مرة جزاء للشرط الأول، (ومرة شرطًا للجزاء الآخر) [[في (ج): (ومرة جزاء للشرط الآخر).]]، (فاشترك) [[في (ج): (فاشترط).]] فيه الجزاء والشرط. والوجه الآخر: أن تجعل قوله: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ جزاء تقدم شرطًا، ثم جاء الشرط بعده وهو قوله: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ إلى ما اتصل به، ثم تضمر شرطًا لقوله: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ﴾ على تقدير: إن فعلتم ذلك لأكفرن، كما قال في سورة الصف ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ﴾ [الصف: 10] ثم بين تلك التجارة ما هي فقال: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ إلى آخر الآية، ثم ابتدأ شرطًا آخر مضمرا وأظهر جزاءه، فدل الجزاء الظاهر على الشرط المضمر [[انظر: "البحر المحيط" 3/ 445.]]، وهو قوله: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ على تأويل: إن تفعلوا ذلك يغفر لكم، وهذا كقوله عز وجل: ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾ [محمد: 15] وهذه الكاف تدل على مبتدأ قبله ولم يجر له ذكر، وإنما جرى ذكر الجنة وصفتها، وكأنه قيل: أفمن هو في هذه الجنة كمن هو خالد في النار، فدل الجواب على الإبتداء. الوجه الثالث: أن الكلام قد تم عند قوله: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ ثم ابتدأ فصلًا آخر بقوله: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ فجعله شرطًا، ثم أتى بجزائه في قوله: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ﴾ فيكون هذا الشرط والجزاء بما يتضمنان من القصة ترجمة لقوله: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ لأن قوله: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ كلمة جامعة مجملة فصار ما بعده كالتفسير له. وقوله تعالى: ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾. قال أبو إسحاق: العَزْر في اللغة الردّ، وتأويل عزَّرت فلانًا أي أدَّبته، إنما تأويله: فعلت به ما يرده عن القبيح ويردعه، كما أن نكلتُ به: فعلت به ما يجب أن ينكل معه عن المعاودة. فتأويل ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ نصرتموهم بأن تردوا عنهم أعداءهم، ولو كان التعزيز هو التوقير لكان الأجود في اللغة الاستغناء عن التوقير في قوله: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: 9]، والنصرة إذا وجدت فالتعظيم داخل فيها؛ لأن نصرة الأنبياء هي المدافعة عنهم والذب عن دينهم وتعظيمهم [["معاني الزجاج" 2/ 159، وانظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2419. وقول الزجاج: ولو كان التعزير هو التوقير، فيه رد على أبي عبيدة قال: ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾: نصرتموهم وأعنتموهم ووقرتموهم "مجاز القرآن" 1/ 156. وقد ذكر الزجاج معنى قوله. وما ذهب إليه الزجاج قد اختاره الطبري في "تفسيره" 6/ 151.]]. أبو العباس عن ابن الأعرابي: العزر: النصر بالسيف، والعزر: المنع، وقال أيضًا: التعزير: التوقير، والتعزير: النصر باللسان والسيف [["تهذيب اللغة" 3/ 2419، وانظر: "اللسان" 5/ 2924 (عزر).]]. وقال عطاء عن ابن عباس: ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ يريد وقّرتموهم [[لم أقف عليه عن ابن عباس، وقد نسب لعطاء، انظر: "زاد المسير" 2/ 312، وقد تقدم استبعاد الزجاج لمثل هذا القول قريبًا. ثم إنه ورد عن ابن عباس أن المراد الإعانة والنصر. انظر: "زاد المسير" 2/ 312، و"الدر المنثور" 2/ 473.]]. وقال السدي: نصرتموهم بالسيف [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 151، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 422.]]. وقال مقاتل والكلبي: أعنتموهم [["تفسير مقاتل" 1/ 461، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 109.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾. قال ابن عباس: يريد الصدقات للفقراء والمساكين وابن السبيل [[لم أقف عليه، وانظر القرطبي في "تفسيره" 6/ 114]]. وقال مقاتل: ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ محتسبة، طيبة بها أنفسكم [["تفسيره" 1/ 461.]]. وقال الضحاك: تبتغون به وجه الله [[انظر القرطبي في "تفسيره" 6/ 114.]]. وقال ابن المبارك [[هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي المروزي، إمام عالم مجاهد، جواد فقيه، محدث شهير، توفي رحمه الله سنة 181 هـ. انظر: " الجرح والتعديل" 5/ 179، و"تذكرة الحفاظ" 1/ 274، و"تهذيب الكمال" 5/ 16 (¬3520).]]: حلالًا من طيب أموالكم [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 3/ 832 ولم أقف عليه.]]. قال الفراء: القرض مصدر، ولو قيل: إقراضًا كان صوابًا، وربما أخرج المصدر على بنية الفعل الأول قبل أن يزاد فيه، وهذا من ذاك؛ لأن أصل الإقراض: قرضت، ومثله قوله تعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ﴾ [آل عمران: 37] ولم يقل: بتقبل، وقوله: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: 37] ولم يقل: إنباتا [[لم أقف عليه عن الفراء، وانظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 152، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 114.]]. وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ﴾. أي: بعد العهد والميثاق [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 153، و"بحر العلوم" 1/ 422.]]. ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 12]. أخطأ قصد الطريق، يعني الهدى والدين الذي شرعه لهم (¬4).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب