الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ﴾ وقرئ بالتشديد [[قرأ بالتشديد نافع وعاصم وابن عامر، وقرأ الباقون بالتخفيف. "الحجة للقراء السبعة" 3/ 282، و"حجة القراءات" ص 242.]]، فمن خفف فلقوله: ﴿أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ فقال: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا﴾ ليكون الجواب كالسؤال، ومن شدد فلأن نَزَّل وأنزل في القرآن قد استعمل كل واحد منهما موضع الآخر [["الحجة" 3/ 382.]]؛ ولأنها نزلت مرات كما يروى في القصة، فكأن التشديد دل على التكرير. وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ﴾ بعد إنزال المائدة. وقوله تعالى: ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا﴾ إلى أخر الآية قال، ابن عباس: يعني: مسخهم خنازير [["زاد المسير" 2/ 462.]]، وقال قتادة: إنهم مسخوا قردة [[أخرج ابن جرير عنه كقول ابن عباس: حولوا خنازير، الطبري 7/ 136. "النكت والعيون" 2/ 86.]]. وقيل: أراد جنسًا من العذاب لا يعذب به غيرهم [["النكت والعيون" 2/ 86، "زاد المسير" 2/ 462.]]، وقيل في قوله تعالى: ﴿مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ يعني عالمي زمانهم [["تفسير الطبري" 7/ 136، "النكت والعيون" 2/ 86.]]. قال الزجاج: جائز أن يكون هذا العذاب يعجل لهم في الدنيا، وجائز أن يكون في الآخرة [["معاني القرآن وإعرابه" 7/ 136.]]. واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟: فقال الحسن: والله ما نزلت المائدة، وإن القوم لما سمعوا الشرط في قوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ﴾ استعفوا وقالوا: لا نريدها ولا حاجة لنا فيها. ولو نزلت لكانت عيدًا لنا إلى يوم القيامة [[أخرجه الطبري 7/ 136، "النكت والعيون" 2/ 85.]]، وهذا أيضًا قول مجاهد أن الآية لم تنزل [[أخرجه الطبري 7/ 135.]]، وابن عباس والباقون من العلماء على أنها نزلت [["تفسير الطبري" 7/ 133، "النكت والعيون" 2/ 85، "زاد المسير" 2/ 459، ونسب هذا القول للجمهور.]]، ولكنهم مختلفون في كيفية نزولها والطعام الذي كان عليها، والذي نقتصر عليه هنا ما روى عمار ابن ياسر قال: قال رسول الله ﷺ: "نزلت المائدة من السماء خبزًا ولحمًا، وأمروا أن لا يخونوا ولا يُخبِّئوا ولا يدّخروا، فخان القوم وخّباوا وادّخروا فمسخوا قردة وخنازير" [[أخرجه الترمذي (3061) كتاب: التفسير، باب: من سورة المائدة مرفوعًا وموقوفًا ورجح الوقف ثم قال: "ولا نعلم للحديث المرفوع أصلاً"، وأخرجه الطبري 11/ 228، 229.]]، والصحيح المختار قول من قال إنها نزلت، لتظاهر الآثار بذلك، ولكثرة من قال بها من العلماء [[وهذا اختيار الطبري 7/ 135، والبغوي 3/ 119، وابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 462، وابن كثير 2/ 135 وغيرهم.]]. قال أبو بكر بن الأنباري: والذي نختاره تصحيح نزول المائدة لتتابع الأخبار بذلك، ولأن قوله تعالى: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ﴾ كلام تام وليس بجواب لشرط، وجواب الشرط قوله تعالى: ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا﴾، ولا يلزم قول الحسن: أنها لو نزلت لكانت عيدًا لنا إلى يوم القيامة؛ لأن وجه السؤال أن يكون يوم نزولها عيدًا لهم ولمن بعدهم ممكن كان على شريعتهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب