الباحث القرآني

قال ابن عباس: فلم يبق إلا هود ومن آمن معه. ثم خوف كفار مكة وذكر فضل عاد بالقوة والأجسام عليهم فقال: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ قال مقاتل: أي: من الخير والتمكين في الأرض [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 26.]]. وقال الكلبي: يعني: ملكنا عالاً وأمهلناهم من العمر فيما لم نمكن لكم من العمر والمهلة [[انظر: "تنوير المقباس" 505.]]، والمعنى: مكناهم في الشيء الذي لم نمكنكم فيه يا أهل مكة من الدنيا وكثرة الأموال وشدة الأبدان. قال المبرد: (مَا) في قوله: ﴿فِيمَا﴾ بمنزلة (الذي)، و (إِن) بمنزلة (ما) وتقديره: ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه [[انظر: "الدر المصون" 6/ 142، و"تفسير الفخر الرازي" 28/ 29.]]، ونحو هذا قال الكسائي والفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 6/ 56، و"إعراب القرآن" للنحاس 4/ 170.]]، والزجاج وزاد بيانًا فقال: (إن) في النفي مع (ما) التي في معنى (الذي) أحسن اللفظ من (ما) لاختلاف اللفظين [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 446.]]. وقال ابن قتيبة: معنى الآية: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ فزيدت (أن) [[انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة 2/ 130، و"تفسير غريب القرآن" ص 408.]]، فقال ابن الأنباري [[ذكر في "كتاب الاضداد" حول هذه الآية ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ معناه: في الذي قد مكناكم فيه. انظر: "كتاب الأضداد" ص 189.]]: وهذا غلط لأن كتاب الله -عز وجل- ليس فيه حرف لا معنى له، بل كل حرف يفيد فائدة ويزيد معنى، والعرب لا تزيد (إن) على (ما) إذا كانت بمعنى (الذي) والاستفهام والتعجب، بل يزيدونها عليها إذا كانت جحدًا على جهة التوكيد بها، فيقولون: ما إن قمت، وما إن لقيت عبد الله، يؤكدون الجَحْد "بإن" قال دريد ابن الصمة: ما إنْ رأيتُ ولا سُمِعتُ به ... كاليَوْمِ طالي أَيْنُقٍ صُهْب [[لم أقف عليه.]] أراد: ما رأيت، وقال لبيد: غُودِرت بعدَهم وكنتُ بطُولِ صُحْبتِهِم ضَنِينَا ... ما إنْ رِأيْتُ ولا سَمِعْتُ بمِثْلِهِم في العَالَمِينا [[لم أقف عليه.]] والعرب تجمع بين الحرفين إذا اتفق معناهما إذا كان لفظهما مختلف كقوله: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: 30]. و (ما) في هذه الآية بمعنى (الذي) فلا يزاد معها (إن) لا يقال: ما إن قبضت ديناراك، بمعنى الذي قبضت ديناراك، ثم ذكر الله تعالى أنهم أعرضوا عن قبول الحجج والتفكر فيما يدلهم على التوحيد مع ما أعطاهم الله تعالى من الحواس التي بها تدرك الأدلة قال: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً﴾ الآية، وفي هذا تخويف لأهل مكة، وضرب المثل لهم بحالة من قبلهم، فإنهم لما لم يستدلوا على توحيد الله ولم يقبلوا ممن دعاهم إليه لزمتهم الحجة ولم تغن عنهم مدارك الأدلة شيئاً، فأهل مكة إن صنعوا كصنعهم استحقوا مثل عذابهم، ثم زاد في التخويف فقال:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب