الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾. قال ابن عباس: يريد أن طاعتكم لمحمد ﷺ طاعة لله [[لم أقف عليه.]]. وقال الزجاج: أي من قبل ما أتى به الرسول فإنما قبل ما أمر الله جل وعز [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 70.]] به. وقال الحسن: جعل الله طاعة رسوله ﷺ طاعته، وقامت به الحجة على المسلمين [["تفسير كتاب الله العزيز" للهواري 1/ 402.]]. وذكر الشافعي رحمه الله في الرسالة في فرض طاعة الرسول [[أي: في باب فرض الله طاعة رسول الله من "الرسالة" ص 79.]] هذه الآية، وقال: إن كل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه، كالحج والصلاة والزكاة، لولا بيان رسول الله ﷺ ما كنَّا نعرف كيف نأتيها، ولا يمكننا أداء شيء من العبادات، وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة، كانت طاعته على الحقيقة طاعةً الله. هذا معنى كلام الشافعي [[انظر: "الرسالة" ص 79 - 104، "التفسير الكبير" 10/ 193.]]. وقال مقاتل في هذه الآية: إن النبي ﷺ كان يقول: "من أحبني أحب الله، وما أطاعني فقد أطاع الله" [["تفسيره" 1/ 391، وآخره أخرجه البخاري (2957) في الجهاد، باب: يقاتل من وراء الإمام، ومسلم (1835) في كتاب الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء.]] فقال المنافقون: لقد قارف هذا الرجل الشِّرك، وهو ينهى أن يُعبد غير الله، وما يريد إلا أن نتخذه [[في (ش): (يتخذه) بالياء، ولعل الصواب: (نتخذه) بالنون، انظر: "بحر العلوم" 1/ 370، "معالم التنزيل" 2/ 253.]] ربًا كما اتخذت النصارى عيسى، فأنزل الله تصديقًا لقول نبيه: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 370، "الكشف والبيان" 4/ 90 أ، "معالم التنزيل" 2/ 253، "زاد المسير" 2/ 141.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَوَلَّى﴾. قال ابن عباس: يريد عن طاعة محمد [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 91.]]، وقال مقاتل: ﴿وَمَنْ تَوَلَّى﴾ أعرض عن طاعته [["تفسيره" 1/ 392 ولفظه: "أعرض عن طاعتهما".]]. ومعنى التولِّي في اللغة الإعراض، وقد أعطينا حقه عند قوله: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [البقرة: 64]. من المفسرين من يجعل التولِّي في هذه الآية إعراضًا جهارًا [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 370، "المحرر الوجيز" 4/ 144، "زاد المسير" 2/ 142، "التفسير الكبير"10/ 194.]]، ويقول: هذا في أول ما بُعث، ويقول في معنى قوله: ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ أي حافظًا لهم من التولي والإعراض كما قال جل وعز: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [الشورى: 48] ثم أمر فيما بعد بالجهاد والإكراه بالسيف، ونُسخ هذا وأمثاله. وهذا معنى قول ابن زيد [[أخرجه الطبري 5/ 177، وانظر: "الدر المنثور" 2/ 331.]]، واختيار ابن قتيبة [[انظر: "تفسير غريب القرآن" ص 127، و"الكشف والبيان" 4/ 90 ب، والقرطبي 5/ 288.]]. ومنهم من يجعل التولي ههنا إضمار العداوة للرسول، والإعراض عنه في السر؛ كتولي المنافقين، ويقول في قوله: ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ أي حافظًا لهم من المعاصي حتى لا تقع، حافظًا لأعمالهم التي يقع الجزاء عليها؛ لأن الله هو المُجازي بها. وإلى هذه الطريقة مال أبو إسحاق؛ لأنه يقول في قوله: ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾: تأويله والله أعلم أنك لا تعلم غيبهم، وإنما لك ما ظهر منهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 80، وانظر: "التفسير الكبير" 10/ 194.]]. ومعنى جواب الجزاء في قوله: ﴿وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾ كأنه يقول: ومن تولى فليس عليك بأس لتوليه؛ لأنك لم ترسل عليهم حفيظًا من المعاصي حتى لا تقع، أو حفيظًا لأعمالهم التي يقع الجزاء عليها، فتخاف ألا تقوم بها على ما ذكرنا [[انظر: الطبري 5/ 177، "تفسير الهواري" 1/ 402، "الكشاف" 1/ 284، "التفسير الكبير" 10/ 194.]]. وعلى هذه الطريقة لا موضع للنسخ في الآية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب