الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾. قال ابن عباس: يريد إذا ظفرتم بعدوكم وغنمتم شيئًا. وقال الكلبي: فتح، أو غنيمة، أو نصر وظهور [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 89]].
وقوله تعالى: ﴿لَيَقُولَنَ﴾ أي هذا المنافق، قول نادم حاسد [["الكشف والبيان" 4/ 86 ب، وانظر: "الوسيط" 2/ 618.]]. ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ﴾؛ لأسعد مثل ما سعدوا به من الغنيمة [[انظر: الطبري 166 - 167، "بحر العلوم" 1/ 367، والمصدرين السابقين.]].
وقوله تعالى: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾. قرئ (يكن) بالياء والتاء [[القراءة بالتاء: (تكن) لابن كثير وحفص عن عاصم ويعقوب، وبالياء (تكن) للباقين من العشرة. انظر: "السبعة" ص 235، "الحجة" 3/ 170، 171، "المبسوط" ص 157.]]، وكلا القراءتين قد جاء التنزيل به، فمن التذكير قوله: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ [هود: 67]، وقوله: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: 275]. وقال في آية أخرى: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [يونس: 57]، فالتأنيث هو الأصل، والتذكير يحسن إذا كان التأنيث غير حقيقي، سيما إذا وقع فاصلٌ بين الفعل والفاعل [[انظر: "الحجة" 3/ 171، "حجة القراءات" ص 208، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 1/ 392.]].
واختلف أهل العربية في موضع قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾؛ فالأكثرون على أن هذا اعتراض بين المفعول وفعله؛ لأن المعنى: ليقولن: يا ليتني كنت معهم، فكما أن قوله ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّه﴾ ﴿لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ في موضع نصب، يقال كذلك قوله تعالى: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ﴾ في موضع نصب بقوله: ﴿لَيَقُولَنَّ﴾، وقوله ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ﴾ متصل في النظم بقوله: ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ﴾ ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ [[من "الحجة" 3/ 171 بتصرف يسير.]].
وعلى هذا الزجاج [[في "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 76.]] وابن الأنباري وأبو علي [[في "الحجة" 3/ 171.]] وصاحب النظم وكثير من أصحاب المعاني [[انظر: "الكشاف" 1/ 280، "المحرر الوجيز" 130 - 132، "زاد المسير" 2/ 131، "التفسير الكبير" 10/ 179، "البحر المحيط" 3/ 293، "الدر المصون" 4/ 32.]].
ومعنى قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ قال الكلبي: أي معرفة وود في الدين [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 89، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 367، "الكشف والبيان" 4/ 86 ب.]].
وقال مقاتل [[ابن حيان، وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 86 ب وانظر: "بحر العلوم" 1/ 367، 368، "الدر المنثور" 2/ 327.]]: يقول: كأنه ليس من أهل دينكم في المودة.
هذا قولهما في تفسير هذه الآية. والله تعالى يعلم أنه لم يكن بين هذا المنافق وبين المؤمنين مودة خالصة، ولكن أراد بهذه المودة المذكورة ههنا مودة في الظاهر؛ لأن المنافقين كانوا يظهرون المودة للمؤمنين.
قال ابن الأنباري: أي كأن لم يُعاقدكم على الإسلام ويبايعكم على الصبر والثبات فيه، على ما ساء وسر و (....) [[غير واضح في المخطوط بقدر كلمتين، ولعلها (ونفع وضر) أو نحو ذلك.]].
ونحو هذا قال أبو علي: أي لا يعاضدكم قتال عدوكم، ولا يرعى الذِّمام الذي بينكم [["الحجة" 3/ 171.]].
وقال الزجاج: أي كأنه لم يعاقدكم على أن يجاهد معكم، ولم يعاقدكم على الإيمان، أي كأنه لم يُظهر لكم المودة [[هكذا هذِه العبارة وفيها ركاكة بالتكرار، وعبارة الزجاج في "معانيه" 2/ 76: "ومعنى المودة ههنا، أي كأنه لم يعاقدكم على الإيمان، أي كأنه لم يظهر لكم المودة، وجائز أن يكون والله أعلم: ليقولن: يا ليتني كنت معهم كأن لم تكن بينكم وبينه مودة، أي كأنه لم يعاقدكم على أن يجاهد معكم". وانظر: القرطبي 5/ 276.]].
فهذه الأقوال عن أهل المعنى تبيِّن أن المودة المذكورة في الآية يراد بها ما أظهره من المودة.
وأجاز ابن الأنباري وغيره أن يكون قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ مؤخرًا إلى آخر الآية، والتقدير: ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا، كأن لم تكن بينكم وبينه مودة.
والمعنى على هذا التقدير أن الله تعالى لما أخبر عن هذا المنافق أنه يشمت بمصيبة المؤمنين، فيقول: قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدًا، أو يحسدهم لما يصيبون من الغنيمة فيندم على التخلف، ويقول يا ليتني كنت معهم، قال بعد الإخبار عنه بهاتين الخلتين: {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} أن يحسدكم ويشمت بكم [[انظر: "التفسير الكبير" 10/ 179، 180، "البحر المحيط" 3/ 293، "الدر المصون" 4/ 33.]].
وأجاز آخرون أن يكون موضع قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ حيث ذكر في النظم والمعنى؛ لأن معنى هذا الفصل لائق بمعنى هاتين الآيتين فأينما ذكر حسن ولم يكن أجنبيًا، وعلى هذا التقدير يكون قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ في موضع الحال من القائل الذي قال: يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ كما تقول: مررت بزيد، كأن لم يكن بينك وبينه معرفة، فتكون هذه جملة في موضع الحال، أي مررت به وهذه حالك [[انظر: "إملاء ما من به الرحمن بهامش الفتوحات الإلهية" 2/ 283، "الدر المصون" 2/ 34.]].
وقال بعض أهل المعاني على هذا التقدير: يجوز أن يكون قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ من كلام المنافق بقوله للذين أقعدهم عن الجهاد: كأن لم تكن بينكم وبين محمد مودة فيخرجكم لتأخذوا من الغنيمة. وإنما يقول هذا ليبغض لهم رسول الله ﷺ [[نسب نحو هذا القول لمقاتل وأبي علي الفارسي في "البحر المحيط" 3/ 293، "الدر المصون" 4/ 33.]].
وهذا وجه بعيد، وأصحاب العربية والنحو على الوجهين الأولين.
وقوله تعالى: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ قال مقاتل: أي فآخذ نصيبًا وافرًا [[هو ابن حيان، وأخرج الأثر عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 327.]]. وذكرنا معنى الفوز فيما تقدم.
وهذا القول من هذا المنافق ليس على طلب المثوبة، وتمنيه الحضور إنما هو على وجه الحسد للمؤمنين، عن قتادة وابن جريج [[أخرج الأثر عنهما الطبري 5/ 166 - 167، وانظر: "الدر المنثور" 2/ 327.]].
قال أبو بكر: لم يقله رغبةً في الجهاد ولا حرصًا على طاعة النبي ﷺ وإنما قاله حرصًا على فتنة الدنيا وميلًا إلى الازدياد منها، فلذلك نعى الله عليه هذا القول وليم به.
وانتصب قوله: ﴿فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ لأنه جواب التمني بالفاء، والعلة في انتصابه عند أهل الكوفة أنَّ في التمني معنى: يسرني أن تفعل فافعل، فهذا نصب كأنه منسوق، كقولك في الكلام: وددت أن أقوم فيتبعني الناس. والتقدير في الآية: يسرني أن أكون معهم فأفوز. وهذا قول الفراء [[في "معاني القرآن" 1/ 276، وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 76، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 434، "الحروف" للمزني ص 66.]].
وعند أهل البصرة انتصبت هذه الجوابات بالفاء بإضمار أن، ولا يجوز إظهارها. قالوا: وجميع ما انتصب بالفاء في الجواب إنما انتصب لمخالفة الثاني الأول، فلم يمكن عطفه عليه، فجعلت الأول بتقديره مصدره، وأضمرت بعد الفاء أن فنصبت بها الفعل، لتكون قد عطفت مصدرًا على مصدر؛ لأن أن والفعل بتقدير مصدر، وذلك قولك: ما زرتني فأحسن إليك، تقديره: ما كانت منك زيارة فإحسانٌ مني، هذا تقدير جميعه وتمثيله.
والتقدير في الآية: ليت لي كونا معهم ففوزًا عظيمًا. قالوا: وإنما لم يجز إظهار أن لأن ما قبلها فيه تقدير المصدر من غير إظهار للفظه، فلما كان المعطوف عليه مقدرًا غير مظهر، اختاروا أن يكون مضمرًا بعد الفاء ليشاكل ما قبلها [[انظر: "معانى الحروف" للرماني ص 43 ،44، "سر صناعه الإعراب" 1/ 272 "رصف المباني" ص 368، 443، 446.]].
{"ayah":"وَلَىِٕنۡ أَصَـٰبَكُمۡ فَضۡلࣱ مِّنَ ٱللَّهِ لَیَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُۥ مَوَدَّةࣱ یَـٰلَیۡتَنِی كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق