الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ﴾. استفهام معناه التوبيخ والتعظيم لأخذ المهر بغير حِلّه [[انظر الطبري 4/ 314، والثعلبي 4/ 29 ب.]]. ومضت نظائره والكلام [[الظاهر أنه في الكلام حذف وتصحيف، ولعل التمام والصواب: ومضى نظائره والكلام عليه.]].
وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾. الإفضاء في اللغة معناه الوصول، يقال: أفضى إليه، أي: وَصل إليه بالملابسة معه قال الشاعر:
بِلًى [[عند الطبري 4/ 314: بلى، ولعله هو الصواب.]] وَثأًى أَفضَى إلى كُل كُثْبَةٍ [[عند الطبري 4/ 314: كتبه بالتاء المثناة، ولعله هو الظاهر كما سيظهر في الحاشية التالية.]] ... بَدا سَيرُها مِن ظَاهِرٍ بعد ظَاهِرِ [[البيت للطرماح كما في "ديوانه" ص 127، وآخره "من ظاهر بعد باطن"، و"المحرر الوجيز" 2/ 30. وقد أثبته محمود شاكر في تحقيقه للطبري كالتالي: [بلين] بِلًى أفضى إلى [كل] كُتبة، بدا سيرها من باطن بعد ظاهر، وقال محمود في حاشي: والكُتبة (بضم فسكون) هي الخَرَزَة المضمومة التي ضم السير كلا وجهيها من المزادة والسقاء والقربة، يقال: كتب القربة، خرزها بسيرين. وهذا بيت يصف مَزادًا أو قربًا قد بليت خرزها بلى شديدًا فقطر الماء منها، فلم تعد صالحة لحمل الماء. "تفسير الطبري" بتحقيق شاكر 8/ 125.]]
أي: البلى والفساد وصل إلى الخرز [[الطبري 4/ 314 بتصرف]].
وأصله من الفضاء، الذي هو السعة، يقال: فَضا يفضو، فُضُوّا وفَضاءً، إذا اتسع. والفاضي المكان الواسع. فالإفضاء الوصول باتساع المذهب [[انظر "العين" 7/ 63 (فضو)، "جمهرة اللغة" 3/ 261، "تهذيب اللغة" 3/ 2796 - 2797، "الصحاح" 6/ 2455 (فضا)، "أساس البلاغة" 2/ 205 (فضو)،== "اللسان" 6/ 3430 (فضا).]].
وقال ابن المظفر: أفضى فلان إلى فلان، أي: وصل إليه. وأصله أنه صار في فُرجته وفَضائه [[قول ابن المظفر في "العين" 7/ 63 (فضو)، "تهذيب اللغة" 3/ 2796 - 2797 (فضا). وانظر "اللسان" 6/ 3430 - 3431 (فضا).]].
وللمفسرين في الإفضاء في هذه الآية قولان: أحدهما: أن الإفضاء ههنا كناية عن الجماع. قال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ يريد الجماع [[ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه فسر الإفضاء ههنا بالجماع، لكن من طريق آخر، رواه عنه بكر بن عبد الله المزني، أخرجه ابن جرير في "تفسير الطبري" 4/ 314، وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
انظر: "الدر المنثور" 2/ 238، "تحقيق المروي عن ابن عباس" 1/ 208. ولم أقف على رواية عطاء.]]. وهو قول مجاهد والسدي [[أخرج ذلك عنهما الطبري 4/ 315، والأثر عن مجاهد في "تفسيره" 1/ 150، 151، وانظر: "زاد المسير" 2/ 43، وابن كثير 1/ 509، و"الدر المنثور" 2/ 238.]]، واختيار الزجاج [[ليس للزجاج تصريح باختيار هذا القول دون غيره. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 31.]]، وابن قتيبة [["غريب القرآن" ص 117.]]، ومذهب الشافعي؛ لأن عنده للزوج أن يرجع في نصف المهر إذا طلق قبل المسيس وإن خلا بها [[انظر: "الأم" 5/ 215.]].
القول الثاني: أن الإفضاء أن يخلو بها وإن لم يُجامعها.
وهذا القول اختيار الفراء في الإفضاء [[في "معاني القرآن" 1/ 259.]]، ومذهب أبي حنيفة [[هو النعمان بن ثابت التيمي الكوفي، الإمام الكبير المشهور العلامة الثقة، إمام الرأي والمذهب الحنفي، ولد سنة 80 هـ في حياة صغار الصحابة ورأى أنس بن مالك. توفي سنة 150هـ انظر: "تاريخ الثقات" ص 314، "تاريخ خليفة" ص 425، "سير أعلام النبلاء" 6/ 390، "التقريب" ص 563 رقم (7153).]]؛ لأن الخلوة عنده تمنع من الرجوع في شيء من المهر بالطلاق [[انظر: "الاختيار" لابن مودود الحنفي 3/ 103.]].
واللغة تحتمل المذهبين، روى ثعلب، عن ابن الأعرابي: أفضى الرجل: دخل على أهله، وأفضى: إذا جامعها [["تهذيب اللغة" 3/ 2796 (فضا).]]. قال [[أي ابن الأعرابي.]]: والإفضاء في الحقيقة الانتهاء، ومنه قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى﴾ أي: انتهى وأوى [["تهذيب اللغة" 3/ 2796 (فضا)، وانظر: "اللسان" 6/ 3426 المادة نفسها.]].
وابن عباس والأكثرون على القول الأول [[هذا يفيد بأن القول الأول قول الجمهور، ولعل هذا ترجيح من المؤلف له.]].
وقوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]. قال الحسن وابن سيرين [[هو أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري البصري التابعي، إمام ثقة ثبت في الحديث وكان لا يرى الرواية بالمعنى، عابد كبير القدر، وقد أخرج حديثه الجماعة. توفي -رحمه الله- سنة 110هـ انظر: "تاريخ الثقات" ص240، "مشاهير علماء الأمصار" ص 88، "التقريب" ص 483 رقم (5947).]] والضحاك وقتادة والسدي وعكرمة والفراء: هو قولهم عند العقد: زَوجتُكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [[أخرج أقوال المتقدمين إلى عكرمة ابن جرير في "جامع البيان" 4/ 315. وقد ذكر السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 238 أن قول عكرمة كقول مجاهد الآتي عند المؤلف، وعزاه إلى ابن أبي شيبة وقد أخرج عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 152 قول قتادة خاصة. وقد نسب نحو هذا القول لابن عباس. انظر في ذلك كله: الثعلبي 4/ 30 أ، "زاد المسير" 2/ 43، ابن كثير 1/ 509، "الدر المنثور" 2/ 238. وأما قول الفراء ففي "معانيه" 1/ 259.]].
قال الزجاج: التسريح بإحسان لا يكون بأن يأخذ مهرها، هذا تسريح بإساءة لا تسريح بإحسان [["معاني القرآن" 2/ 32.]].
وقال مجاهد وابن زيد: الميثاق الغليظ كلمة النكاح التي يُستحل بها فروج النساء [[الأثر عن مجاهد بنحوه في "تفسيره" 1/ 151، وأخرجه الطبري 4/ 316، وأما عن ابن زيد فقد أخرجه الطبري بلفظ: الميثاق النكاح. "جامع البيان" 4/ 316. وانظر: "تفسير كتاب الله العزيز" 1/ 361، والثعلبي 4/ 30 ب، و"زاد المسير" 2/ 44، وابن كثير 1/ 509، و"الدر المنثور" 2/ 238.]]، وهو قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: الميثاق الغليظ: يريد الشهادة والخُطبة التي فيها ذكر الله والصلاة على النبي ﷺ والنكاح [[لم أقف عليه، لكن أورد السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 238 أن ابن أبي حاتم أخرج عن ابن عباس: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ قال: هو قول الرجل: ملكت.]]. وقد قال النبي ﷺ: "اتقوا الله في النساء، فإنكم (أخذتموهن بأمان) [[المثبت من صحيح مسلم، وورد في الأصل (أخذتم بأمانة).]] الله، واستحللتم فُروجهن بكلمة الله" [[جزءٌ من حديث طويل صحيح أخرجه مسلم رقم (1218) كتاب الحج، باب. حجة النبي ﷺ، انظر: "المعجم المفهرس" (حل).]]. والصحيح أن هذه الآية غير ناسخة لجواز الخُلع [[انظر: الطبري 4/ 316 - 317.]]، وأن للزوج أن يأخذ من المُختلعة [[يدل عليه قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: 229]، وانظر: الطبري 4/ 316، وابن كثير 1/ 292 - 297.]]؛ (لأن النشوز منها، فهو في حكم المُكره، لا المريد للاستبدال [[انظر: "الطبري" 4/ 316.]].
وذهب بكر بن عبد الله [[هو أبو عبد الله بكر بن عبد الله المُزني البصري، إمام تابعي ثقة ثبت جليل كان من المتعبدين وأهل الفضل والتواضع، توفي -رحمه الله- سنة 106 هـ. انظر: "تاريخ الثقات" ص 251، "مشاهير علماء الأمصار" ص 90، "التقريب" ص 127 (743).]] إلى أنه ليس للزوج أن يأخذ من المُختلعة [[ما بين القوسين ليس في (د).]]) شيئًا بظاهر هذه الآية [[أخرج الطبري بسنده عن ابن عباس قال: سألت بكرًا عن المُختلعة، أيأخذ منها شيئًا؟ قال: لا، ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ "جامع البيان" 4/ 317. وقد رد العلماء رأي بكر هذا. انظر: الطبري 4/ 317، و"المحرر الوجيز" 3/ 549، والقرطبي 5/ 102.]].
{"ayah":"وَكَیۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّیثَـٰقًا غَلِیظࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق