الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة﴾ الآية.
قد بينا معنى الكلالة واشتقاقها في اللغة في أول السورة.
قال العلماء: إن الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين، إحداهما في الشتاء وهي التي في أول هذه السورة، والأخرى في الصيف، وهي هذه الآية، ولهذا تسمى هذه الآية آية الصيف [[تسمية هذِه الآية بآية الصيف جاء في أكثر من أثر. انظر: الطبري 6/ 43 - 44.]].
ونزلت هذه الآية والنبي ﷺ مُتجهز للحج، فهي من آواخر ما نزل من القرآن [[انظر: الطبري 6/ 41 - 42، و"الدر المنثور" 2/ 445.]]. فقد نزلت في الكلالة آيتان.
والمراد بالكلالة في الآية الأولى: الموروث، والمراد في هذه الآية بالكلالة الوارث، وكل وارث سوى الوالد والولد كلالة، وكذلك كل موروث سواهما.
وعند ابن عباس وأكثر المفسرين نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله، مرض بالمدينة فأتاه النبي ﷺ عائدًا، فقال: "يا رسول الله: إني كلالة، ولا أب لي ولا ولد، فكيف أصنع في مالي؟ ". فأنزل الله هذه الآية [[أخرجه بمعناه البخاري (4605) كتاب: التفسير سورة النساء، باب: يوصيكم الله في أولادكم 5/ 177، ومسلم (1616) كتاب: الفرائض، باب: ميراث الكلالة والمؤلف في "أسباب النزول" ص 190.]].
وفي رواية أخرى: "فقلت: إني رجل ليس يرثني إلا كلالة" وكان له تسع أخوات [[سبق تخريجه.]]. قال ابن عباس في قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة﴾ يريد من ليس له ولد ولا والد.
فعلى هذا المراد بالكلالة: الموروث، وهو الظاهر؛ لأنه قال بعد هذا: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ وهذا ابتداء الفتوى في الكلالة، وقد بدأ بذكر الموروث.
ويجوز أن يكون المراد بالكلالة: الوارث، ثم بين من هُم بذكر الأخت والأختين والأخوة.
وقوله تعالى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾. قد ذكرنا ما في هذا عند قوله: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ﴾ [النساء: 128].
وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ قال أهل المعاني: أراد ليس له ولد ولا والد، فاكتفى بذكر أحدهما من الآخر، ودل على المحذوف أنَّ الفتيا في الكلالة. وقد بينا أن الكلالة من ليس له والد ولا ولد، فإن كان له أحدهما لم يسم كلالة [[انظر: "زاد المسير" 2/ 266.]].
وزعم أبو علي الجرجاني أنَّ الوالد يجوز أن يكون داخلًا في لفظ الولد، قال: وكل من اتصل به ذكر الولادة احتمل أن يقال له: ولد، فالوالد يسمى والدا، لأنه ولد، والمولود يسمى ولدًا، لأنه ولد، وهذا مثل قولهم: الذرية، وهي اسم من (ذرا) ثم الولد يسمى ذرية، والأب أيضًا يسمى ذرية، لأن الولد ذريء منه، ومن هذا قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [[انظر: القرطبي 6/ 28.]] [يس: 41] أي وآية لقريش أنا حملنا آباءهم مع نوح. قال: ووجدنا أيضًا الأسماء التي اشتقت من الأفعال جاء فعل منها بمعنى الفاعل أكثر مما جاءت بمعنى المفعول، كقولهم: حرض، من حارض، ودنف، من دانف، وضرع، من ضارع، وطلب، بمعنى طالب.
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ أُخْتٌ﴾ أراد من أبيه وأمه وأبيه، لأنه سبق ذكر أولاده الأم في أول السورة.
وقوله تعالى: ﴿فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ هذا بيان فرضها عند إنفرادها، ولها نصف المال بالتسمية. ثم لمن باقي المال؟ عند زيد بن ثابت يكون لبيت المال إذا لم يكن هناك عصبة، وهو مذهب الشافعي [[وبه قال مالك، انظر: "الأم" 4/ 76، و"المغني" 9/ 49.]]. وعند أهل العراق يرد عليها الباقي [[وهو مذهب أحمد، انظر "المغني" 9/ 49.]].
فإن قيل: الله تعالى سمى لها النصف إذا لم يكن هناك ولد، فلم أعطيت النصف مع البنت الواحدة وهي ولد؟
قيل: هذا إجماع سنة [[هكذا في المخطوط، ولعل الصواب: بسنة.]] رسول الله ﷺ، وهي مع البنت كالذكر من العصبة يأخذ ما أبقت الفرائض، فهي في هذه المسألة لا بالتسمية، ولكن بأنها معها عصبة [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 409، والقرطبي 6/ 29]].
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ﴾ يعني أن الأخ يستغرق ميراث الأخت إذا لم يكن للأخت ولد، وهذا أصل في العصبيات واستغراقهم المال.
وهذا الأخ من الأب والأم، أو من الأب، وقد بينا هذا لأن الأخ من الأم.
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ﴾ إلى قوله ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ﴾ ظاهر.
وروي أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قال في خطبته: ألا إن الآية التي أنزل الله في أول سورة النساء من شأن الفرائض أنزلها في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والأخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الأخوة والأخوات من الأب والأم، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرت به الرحم من العصبة [[أخرجه الطبري 6/ 41، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 149 أ، و"الدر المنثور" 2/ 443.]].
وقوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ اختلفوا في هذا، فعند الكوفيين (لا) مضمرة ههنا، على تقدير: لئلا تضلوا، أو ألا تضلوا. قالوا: ومثل هذا قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ [فاطر: 41] أي: لئلا تزولا، ومثله: ﴿كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾ [الحجرات: 2].
وهذا قول الفراء والكسائي [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 297، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 477، و"مشكل إعراب القرآن" 1/ 216، و"الدر المصون" 4/ 176.]].
وقال البصريون: المحذوف ههنا مضاف، على تقدير: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا، فحذف المضاف كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: 82] وبابه، قالوا: و (لا) حرف جاء لمعنى النفى فلا يجوز حذفه، ولكن قد تزاد في الكلام مؤكدة، كقوله: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة: 1] ونحوه [[انظر: "معانى الزجاج" 2/ 137، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 477، و"الدر المصون" 4/ 176.]].
وهذا القول يبعد، لأنه لم يدل على الاجتناب شيء.
والله أعلم [[انتهى تفسير سورة النساء بحمد الله.]].
{"ayah":"یَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ یُفۡتِیكُمۡ فِی ٱلۡكَلَـٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌا۟ هَلَكَ لَیۡسَ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَهُۥۤ أُخۡتࣱ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ یَرِثُهَاۤ إِن لَّمۡ یَكُن لَّهَا وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَیۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوۤا۟ إِخۡوَةࣰ رِّجَالࣰا وَنِسَاۤءࣰ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۗ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّوا۟ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمُۢ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق