الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ الآية. (وَإِن) بمعنى: ما النافية. قال الزجاج: والمعنى: وما فيهم أحدٌ إلا ليؤمنن به، وكذلك قوله: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: 71] المعنى: وما منكم أحد إلا واردها. وكذلك: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ [[في المخطوطة زيادة كلمة (أحد) بعد (منا)، وهو خطأ.]] [الصافات: 164]، وأنشد: لو قلتَ ما في قومها لم تيثَم [[أي: تأثم، وكذا هو في بعض روايات البيت.]] ... يفضُلُها في حَسبٍ وميسَمِ [[البيت لحكيم بن معية كما في "خزانة الأدب" 2/ 311، وفي "معاني القرآن" للفراء 1/ 270 دون نسبة. والميسم يطلق على أثر الجمال. انظر: "اللسان" 8/ 4838 (وسم).]] أي: أحد يفضلها [["معاني القرآن إعرابه" 2/ 129.]]. وقد ذكرنا فيما تقدم جواز حذف الموصول أو الموصوف من الكلام والخلاف فيه عند قوله في النساء: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ الآية [النساء: 46]. وقال الكسائي: تقول العرب: إن منهم ليقومَن -بفتح الميم-، وليقومُن -بضم الميم-، وفي قراءة أبيّ: (إلا ليُؤمنُن) بضم النون الأولى. قال: وتقول العرب: إن منهم إلا يصلح، وإن منهم إلا ليصلح، المعنى: إلا من يصلح [[لم أقف عليه.]]. واختلفوا في معنى الآية: فقال ابن عباس في رواية عطاء، وعطية وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والربيع وابن زيد: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ﴾ بعيسى ﴿قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ عيسى. وذلك عند نزوله من السماء في آخر الزمان، فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به، حتى تكون الملة واحدة (...) [[كلمة غير واضحة في المخطوط، ويحتمل أن تكون: هي.]] الإسلام [[انظر: الطبري 6/ 18.]]. قال عطاء: إذا نزل إلى الأرض لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممن يعبد غير الله إلا آمن به، وصدقه، وشهد [[غير واضحة تمامًا في المخطوط، وانظر: "زاد المسير" 2/ 248.]] أنه روح الله وكلمته وعبده ونبيه [[انظر: "زاد المسير" 2/ 248.]]. واستبعد هذا القول قوم، وقالوا: الآية عامة في جميع أهل الكتاب والذين يبقون منهم إلى وقت نزول عيسى حتى يؤمنوا به شرذمة قليلة. والأمر على ما قالوا، ولكن لا يُنكر أن يحمل هذا على العموم والمراد به الذين يشاهدون ذلك الوقت ويدركون نزوله يؤمنون به ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ [[رجح ابن جرير -رحمه الله- القول الأول وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى -عليه السلام- إلا آمن به قبل موت عيسى عليه السلام. انظر: الطبري 6/ 21 - 23. قال ابن كثير في "تفسيره" 2/ 435: "ولا شك أن هذا الذي قال ابن جرير هو الصحيح، لأن المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك ... ".]]. وقال ابن عباس في رواية الوالبي وعكرمة ومجاهد والضحاك والسدي: المعنى: وإن من أهل الكتاب أحدٌ إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته إذا عاين الملك، ولا ينفعه حينئذ إيمانه؛ لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه [[انظر: "تفسير ابن عباس" ص 164، والطبري 6/ 19 - 23، و"النكت والعيون" 1/ 544.]]. فالهاء في ﴿مَوْتِهِ﴾ تعود إلى الكتاب [[هكذا في المخطوط، ولعل الصواب: "أهل الكتاب".]]، قالوا: لا يموت يهودي ولا صاحب كتاب حتى يؤمن بعيسى وإن احترق أو غرق أو تردى أو سقط عليه جدار أو أكله السبع [["الكشف والبيان" 4/ 141 أ. وقد ورد نحو هذا القول عن مجاهد كما أخرجه الطبري 6/ 20.]]. قال عكرمة: امتحنت ابن عباس فقلت: أرأيت إن خرّ من فوق بيت؟ قال: يتكلم في الهواء، فقلت: أرأيت إن ضرب عنق أحدهم؟ قال: يُلجلج بها لسانه [[أخرج معناه من طريق عكرمة عن ابن عباس الطبري 6/ 20، وانظر: ابن كثير 1/ 636. وبنحو هذا اللفظ جاء عن ابن عباس لكن من طريق سعيد بن جبير، في المرجع نفسه.]]. ويدل على صحة هذا التأويل قراءة أُبيّ: (قبل موتهم) [["معاني الفراء" 1/ 295، والطبري 6/ 20 في الأثر عن ابن عباس من طريق سعيد ابن جبير.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ قال قتادة وابن جريج: شهيدًا على أن قد بلغ رسالة ربه، وأقر بالعبودية على نفسه [[أخرجه الطبري 6/ 23، وهذا لفظ قتادة ومعنى كلام ابن جريج.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب