الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ﴾ معناه: بأخذ ميثاقهم، وذلك أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة، فرفع الله جبلًا فوقهم حتى قبلوا، وأخذ ميثاقهم، والجبل فوقهم. وقد بينا هذا في سورة البقرة بيانًا شافيًا [[انظر: [البقرة: 63].]]. وتأويل قوله: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ﴾ أي: بأخذ ميثاقهم، فالمعنى: بسبب أخذ ميثاقهم، ثم حذف المضاف [[انظر:"الكشاف" 1/ 310، و"الدر المصون" 4/ 120.]]. وقوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ مضى بيانه في سورة البقرة [[انظر: [البقرة: 58].]]. وقوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ أي: لا تعتدوا باقتناص السمك فيه، قاله المفسرون [[انظر: الطبري 6/ 9، و"الكشف والبيان" 4/ 138 ب، و"البحر المحيط" 1/ 402.]]. يقال: عدا عليه أشدَّ العُدْوِّ والعَدْوِ والعَدَاء والعُدْوَان، أي: ظلمه وجاوز الحد، ومنه قوله: ﴿فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا﴾ [الأنعام: 108] [[انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2347 (عدو).]]. واختلف القراء في هذا الحرف، فقرأ (ابن كثير) [[هكذا في المخطوط، والصواب: "الكثير" لأن هذِه القراءة لجميع السبعة غير نافع. انظر:"السبعة" ص 240، و"الحجة" 3/ 190.]] (تَعْدُوا) ساكنة العين خفيفة [["السبعة" ص 240، و"الحجة" 3/ 190، و"الكشف والبيان" 1/ 402.]]، وحجتهم قوله في هذه القصة: ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ [الأعراف: 163] وقال: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾ [المؤمنون: 7] [["الحجة" 3/ 190، وانظر: "الكشف والبيان" 1/ 402.]]. وقرأ نافع (لا تعْدُّوا) ساكنة العين، مشددة الدال [[برواية قالون. "السبعة" ص 240، و"الحجة" 3/ 190، و"الكشف والبيان" 1/ 401.]]، أراد: لا تعتدوا، وحجته قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ [البقرة: 65] فجاء في هذه القصة بعينها: افتعلوا، ثم أدغم التاء في الدال، لتقاربهما، ولأن الدال تزيد على التاء في الجهر [["الحجة" 3/ 191.]]. وكثير من النحويين يُنكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مُدغمًا ، ولم يكن الأول حرف لين، نحو: دابةٍ، وشابةٍ، وثُمُودَّ الثوبُ، وقيل لهم. ويقولون: إن المد يصير عوضًا عن الحركة، وقد قالوا: ثوبْ بكر، وجيبْ بكر، والمد الذي فيهما أقل من المد الذي يكون فيهما إذا كان حركة ما قبلهما منهما [[في المخطوط أفراد الضمير، وما أثبته هو الموافق لما في "الحجة" 3/ 191.]]، وساغ فيه [[في "الحجة": وساغ فيه وفي نحو: "أصيم ومديق ودويبة".]]، ومعنى قولنا: إذا كان حركة ما قبلهما منهما هو أن دابة حركة ما قبل حرف اللين الفتح، والفتحة من الألف وليس كذلك في ثوب بكر، لأن حرف اللين الواو والفتحة ليست من الواو، وجاز: ثوب بكر، بإلإدغام، كما جاز: دابة، وشابة، وان لم يكن في: ثوب بكر، من المد ما في: دابة، وشابة. وكذلك قولهم في تصغير صم: أُصَيْمّ ومدْيقٍّ، ودويبة [["الحجة" 3/ 190 بتصرف، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 322 و"الكشف" 1/ 402.]]. فإذا جاز ما ذكرنا مع نقصان المد الذي فيه، لم يمتنع أن يجمع بين ساكنين في نحو: (تعدُّوا)، و (تَخْطّف) لأن الساكن الثاني لما كان يرتفع اللسان عنه وعن المدغم فيه ارتفاعة واحدة، صار بمنزلة حرف متحرك [["الحجة" 3/ 191.]]. وروى ورش [[هو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمر القبطي القرشي، مولى آل الزبير، أحد الرواة عن نافع، وقد لقبه نافع بورش لشدة بياضه. كان شيخ الإقراء بالديار المحصرية، ولد سنة 110 هـ ومات رحمه الله سنة 197هـ. انظر: "معرفة القراء الكبار" 1/ 63، و"سير أعلام النبلاء" 9/ 295، و"البداية والنهاية" 10/ 240، و"غاية النهاية" 1/ 502.]] عن نافع: (لا تعَدُّوا) بفتح العين [["السبعة" ص 240، و"الحجة" 3/ 190.]]، وذلك أنه لما أدغم التاء في الدال نقل حركتها إلى العين [[انظر: "الكشف" 1/ 402، و"البحر المحيط" 3/ 388]]. وذهب بعض المتأولين إلى أن قوله: ﴿لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ من العدو بمعنى الحضر [[هكذا بالضاد، ولعل الصواب: "الحظر" بالظاء.]]، والمراد به النهي عن العمل والكسب يوم السبت، كأنه قيل لهم: اسكنوا عن العمل في هذا اليوم، وقد قال عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾: "يريد لا تعملوا شيئًا من الأعمال يوم السبت صغيرًا ولا كبيرًا، اقعدوا في منازلكم فأنا الرزاق أرزقكم رغدًا" [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا﴾ قال ابن عباس: "يريد عهدًا مؤكدًا في النبي ﷺ" [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 102.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب