الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ ذكرنا معنى ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ في سورة البقرة [: 112].
وقال ابن كيسان في هذه الآية: يعني من توجه بعبادته إلى الله خاضعًا له [[لم أقف عليه.]].
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾، أي: موحِّد [["الكشف والبيان" 4/ 125 أ.]].
قال ابن عباس: يريدُ وهو يوحِّدُ الله لا يُشْرِكُ بِهِ شيئًا [[انظر: "زاد المسير" 2/ 211، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 98.]].
وهذا كما ذكرنا في سورة البقرة [[انظر: "البسيط" (النسخة الأزهرية) 1/ ل 81.]]، وإنما شرط في إسلام الوجه لله أن يكون محسنًا، لأن اليهود والنصارى يقرُّون بالانقياد لأمر الله وهم غير محسنين، فلا يستحقون الأجر.
قال العلماء: وإنِّما صارَ الإسلامُ أحسنَ الأديانِ، لأنَّ طاعةَ الله أحسن الأعمالِ التي تكونُ من العباد، لما فيها من عبادة من لا يضيع عنده مثاقيل الذرِّ، ومَنْ لا يضيق ملكه عن شيء، فلهذا كان لا أحد أحسن دينًا ممَنْ أسلَمَ وجهَهُ لله بطاعته والانقيادِ لأمره.
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾.
يجوز أن يكون ﴿حَنِيفًا﴾ حالًا لإبراهيم، ويجوز أن يكون حالًا للمتَّبع [[انظر: "مشكل إعراب القرآن" 1/ 208، و"الكشاف" 1/ 301، و"الدر المصون" 4/ 98.]]، كما تقول: رأيته راكبًا، جاز أن يكون الراكب حالًا للمرئي والرائي.
وملة إبراهيم داخلة في ملتنا، وفي ملتنا زيادة على ملة إبراهيم، فمن ملة إبراهيم الكلمات العشر في قوله: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ [البقرة: 124] [[قال المؤلف في "الوسيط" 1/ 201: "وأكثر المفسرين قالوا في تفسير الكلمات: إنها عشر خصال عن السنة، خمس في الرأس وخمس في الجسد، فالتي في الرأس: الفرق، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك. والتي في الجسد: تقليم الأظافر، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء، ونتف الرفغين" ا. هـ والفرق لشعر الرأس، والرفغين: الأبطين. وأنظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 76، و"أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 36، وابن كثير 1/ 616.]].
قال ابن عباس: "ومن دينِ إبراهيمَ: الصَّلاة إلى الكعبةِ، والطواف بها، والسَّعي، والرَّمي، والوقُوف، والحلق" [[لم أقف عليه.]]. فمن أقرَّ بهذا مع الزيادة التي أتى بها نبينا صلوات الله عليه فقد اتبع دينَ إبراهيم.
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ قال أبو بكر بن الأنباري: الخليلُ معناه في اللغة المُحب الكامل المحبَّةِ، والمحبوب الموفي حقيقة المحبة، اللذان ليس في حبِّهما نقصٌ ولا خللٌ، فتأويل قوله: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ واتخذ الله إبراهيم محبًا له خالص الحب ومحبوبًا له [[من "الزاهر" لابن الأنباري 1/ 493 - بتصرف-.]]، وشرّفه بلزوم هذا الاسم له الذي لا يستحق مثله إلا أنبياؤه ومن يشرف الله ويرفع قدره.
قال [[أي ابن الأنباري.]]: وقال بعض أهل العلم: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ أي فقيرًا إليه لا يجعل فقره وفاقته إلى غيره، ولا ينزل حوائجه بسواه [[من "الزاهر" 1/ 493، 494 بتصرف، وانظر: "زاد المسير" 2/ 212.]].
فالخليلُ على هذا القولِ فعيلٌ من الخلّة بمعنى الفقر، قال [زهير] [[ما بين المعقوفين في المخطوط: "ابن نمير" والتصويب من "الزاهر" 1/ 493، والبيت لزهير بن أبي سلمى كما سيأتي تخريجه.]]:
وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ ... يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ [[شعر زهير بن أبي سلمى ص 105، و"الزاهر" 1/ 493، و"معاني الزجاج" 2/ 112.]]
أراد بالخليل: الفقير [["الزاهر" 1/ 494.]].
ونحو هذا قال الزجاج، (...) [[ما بين القوسين غير واضح، ويبدو أنه: "الخليل الولي" والمحب ... وفي "معاني الزجاج" 2/ 112: "الخليل المحب ... ".]] والمحب الذي ليس في محبته خلل، فجائز أن يكون إبراهيم سمي خليل الله؛ لأنه الذي أحبه محبة تامة، وأحب الله هو محبة تامة [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 112، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 125 ب.]]. قال: وقيل: الخليل الفقير، فجائز أن يكون سمي فقير الله، أي الذي يجعل فقره وفاقته إلى الله جل وعز مخلصًا في ذلك [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 112، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 126 أ.]].
والخلة: الحاجة، من الإخلال الذي يلحق الإنسان، والخُلّة الصداقة، لأن كل واحد من الخليلين يسد خلل صاحبه في المودة والحاجة إليه.
فهذان القولان ذكرهما جميع أهل المعاني [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 126 أ.]]، والاختيار هو الأول [[انظر: البغوي 2/ 292.]]، لأن الله جل وعز خليل إبراهيم، وإبراهيم خليل الله، ولا يجوز أن يقال: الله خليل إبراهيم من الخلة التي هي الحاجة، ولأن ابن عباس قال في قوله: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ صفيًا بالرسالة والنبوة [[في " الكشف والبيان" 4/ 125 ب من رواية الكلبي، وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 98.]]؛ ولأن جميع أهل المعاني ذكروا في سبب تسمية إبراهيم خليل الله: أنه لما صار الرمل الذي أتى به غلمانُه دقيقًا، قالت له امرأته: هذا من عند خليلك المصري؛ قال إبراهيم: هذا من عند خليلي الله. والقصة مشهورة [[حاصل هذه القصة: أن إبراهيم عليه السلام أصابته حاجه فذهب يطلب الطعام عند خليل == له في مصر فلم يجد عنده شيئًا، فرجع إلى أهله فمر بأرض ذات رمل فملأ أوعيته من هذا الرمل لكي لا يغتم أهله برجوعه وليس معه شيء، فتحول هذا الرمل دقيقًا، فلما صار إلى أهله فتحوا الأوعية فعجنوا وخبزوا من ذلك الدقيق، فلما استيقظ سألهم عن ذلك، فقالت له امرأته: هذا من عند خليلك المصري.
ذكرها الطبري 5/ 297 - 298، و"الزجاج" 2/ 113، والسمرقندي في "بحر العلوم" 1/ 391، والثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 125 ب.
وهذِه القصة من رواية الكلبي عن ابن عباس وهو متروك. انظر: البغوي 2/ 292، قال ابن كثير 1/ 617: "وفي صحة هذا ووقوعه نظر، وغايته أن يكون خبرًا إسرائيليًا لا يُصدَّق ولا يُكذب".]].
وقال شهر بن حوشب: إن الله قال للملائكة: إن لي في الأرض عبدًا يقال له: إبراهيم، إني أريد أن أتخذه خليلًا. (فقالت الملائكة: نحن نسبح بحمدك ونقدس لك فلا تتخذ منا خليلًا) [[تكرر ما بين القوسين في المخطوط.]] وتتخذ من ابن آدم خليلًا. فقال الله: اختاروا منكم. فاختاروا، وأهبطه الله إلى الأرض، وقال: اذكرني بين يدي عبدي إبراهيم. وذكر اسم الله بصوت رخيم شجي، فقال إبراهيم: اذكره مرة أخرى، قال: لا أذكره مجانًا. قال: لك مالي كله فاذكره. فقال الملك بصوت أشجى من الأول: الله. فقال إبراهيم: اذكره مرة ثالثة ولك أولادي. فقال الملك: أبشر فإني ملك لا أحتاج إلى مالك وولدك، وقص عليه القصة، وعرج إلى السماء، وأخبر الملائكة، فقال الملائكة: حق له أن يتخذه الله خليلًا [[لم أقف عليه.]].
وقال طاوس عن ابن عباس: إن جبريل والملائكة لما دخلوا على إبراهيم في صورة غلمان وضاء الوجوه، فظن الخليل أنهم أضياف، وحنذ لهم عجلًا سمينًا، وقربه إليهم وقال: كلوا على شرط أن تسموا الله في أوله وتحمدوه في آخره، فقال جبريل: حق لك أن تتخذ خليلًا [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 391، والقرطبي 5/ 401.]].
وقال أهل المعاني: قوله: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ﴾ حث على اتباع ملته، لذلك ذكر عقيب قوله: ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾.
{"ayah":"وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِینࣰا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِیمَ حَنِیفࣰاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَ ٰهِیمَ خَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق