الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ﴾. قال ابن عباس: "يريد من [[هكذا في المخطوط: "من" بالميم، وفي "الوسيط" 2/ 710: "عن" بالعين وهو أصوب.]] سبيل الهدى" [[انظر: "زاد المسير" 2/ 204، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 97.]]. وقال الكلبي: لأضلنهم عن الحق [[لم أقف عليه، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 22 ب.]]. ﴿وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾. قال ابن عباس: يريد تسويف التوبة وتأخيرها [[انظر: "زاد المسير" 2/ 205.]]. وقال الكلبي: أمنينهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث [[انظر: "تنوير المقباس" ص 97، ونسب هذا القول لابن عباس. انظر: "زاد المسير" 2/ 205.]]. الزجاج: أي أجمع لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون من الآخرة حظا [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 109، وانظر: "زاد المسير" 2/ 205.]]. وقال غيره: ولأمنينهم ركوب الأهواء الداعية لهم إلى العصيان [[انظر: الطبري 5/ 281.]]. وقيل: ولأمنينهم طول البقاء في نعيم الدنيا؛ ليؤثروها على الآخرة [[هذا قول الماوردي في "النكت والعيون" 1/ 530.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ﴾. البتك: القطع [[الطبري 5/ 281، و"تهذيب اللغة" 1/ 271 (بتك).]]، وسيف باتك: قاطع، وسيوف بواتك: قواطع، والتبتيك: التقطيع [[انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 271، و"مقاييس اللغة" 1/ 195، و"اللسان" 1/ 206 (بتك).]]. وهو في هذا الموضعِ: قطع آذان البحيرة عند جميع أهل التفسير [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 1/ 173، والطبري 5/ 281، و"معاني الزجاج" 2/ 109، و"بحر العلوم" 1/ 389، و"الكشف والبيان" 4/ 122 ب، و"النكت والعيون" 1/ 530، و"زاد المسير" 2/ 205، و"الدر المنثور" 2/ 396.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾. قال ابن عباس: يريد دين الله [["تفسيره" ص 158، وأخرجه الطبري 5/ 283 من طريق ابن أبي طلحة أيضًا.]]. وهو قول إبراهيم ومجاهد والحسن والضحاك وقتادة والسدي وسعيد ابن المسيب وسعيد بن جبير [[أخرج الأقوال عنهم الطبري 5/ 283 - 285، إلا الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، أما الحسن فإنه فسره بالوشم كما سيأتي. وانظر: الطبري 5/ 285، وأما سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير فقد ذكره عنهما ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 205، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 389، و"الكشف والبيان" 4/ 122 ب، والبغوي 2/ 289.]]. ومعنى تغيير دين الله على ما ذكره أهل العلم: هو أن الله تعالى فطر الخلق على الإسلام يوم أخرجهم من ظهر آدم كالذر، وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم، وآمنوا، فمن كفر فقد غيّر فطرة الله التي فطر الناس عليها [[انظر: الطبري 5/ 285، و"الكشف والبيان" 4/ 122 ب.]]. وهذا معنى قوله ﷺ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، ويُنصرانه، ويمجسانه" [[أخرجه البخاري (1358) كتاب: الجنائز، باب: إذا اسم الصبي فمات هل يصلي عليه؟، وفيه: "أو ينصرانه أو يمجسانه".]]. وقال بعضهم: معنى تغيير دين الله هو تبديل الحرام حلالًا، والحلال حرامًا [[انظر: "زاد المسير" 2/ 205.]]. وروي عن أنس وشهر بن حوشب [[تقدمت ترجمته.]] وعكرمة وأبي صالح، أن معنى تغيير خلق ههنا: هو الخصاء، وقطع الآذان، وفقء العيون، لهذا كان أنس يكره خصاء الغنم [[أخرج الآثار عنهم الطبري 5/ 282 - 283، لكن فيها الاقتصار على الإخصاء، دون قطع الآذان وفقء العيون، وانظر: "زاد المسير" 2/ 205. ولعل المؤلف زاد قطع الآذان وفقء العيون من "الكشف والبيان" 4/ 122 ب.]]. وكانت العرب إذا بلغت إبل أحدهم ألفًا، عوروا عين فحلها. وروى يونس [[هو أبو عبد الله يونس بن عبيد بن دينار العبدي البصري، من صغار التابعين وفضلائهم، كان إماما قدوة ثبتًا فاضلًا، توفي رحمه الله سنة 139هـ. انظر: "مشاهير علماء الأمصار" ص 150، و"سير أعلام النبلاء" 6/ 288، و"التقريب" ص 613 رقم (7909).]] عن الحسن قال: هو الوشم [[أخرجه الطبري 5/ 285، وانظر: "زاد المسير" 2/ 205، و"الدر المنثور" 2/ 396. والوشم هو: "أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره أو يخضر" "النهاية في غريب الحديث" 5/ 189.]]. يعني ما لعن رسول الله ﷺ من الواشمة والمستوشمة [[أخرج البخاري (5947) كتاب: العباس، باب: المستوشمة عن ابن عمر رضي الله عنها قال: "لعن النبي ﷺ الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة". وأخرجه مسلم (2124) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة. والواشمة التي تقوم بفعل الوشم بغيرها. والمستوشمة التي تطلب ذلك.]]. وقال أبو زيد: هو التحنت [[انظر: "البحر المحيط" 3/ 353. وهكذا هذِه الكلمة جاءت في المخطوط، وعند أبي حيان، ولم أجد لها معنى، وقد يكون الصواب: "التخنث".]]. وقال أبو إسحاق: معناه أن الله عز وجل خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها، فحرموها على أنفسهم، كالبحائر والسوائب والوصائب، وخلق الشمس والقمر سخرةً للناس ينتفعون بها، فعبدها المشركون، فغيروا خلق الله [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 110، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 122 ب.]]. والأظهر هو القول الأول، لأنه يدخل فيه كل ما نهى الله عنه، وكل من ارتكب محظورًا، أو أتى منهيًّا، فقد غير دين الله [[وهذا ما اختاره الطبري 5/ 285، والزجاج في "معانيه" 2/ 110.]]. قال العلماء من أهل التأويل: إن إضلال إبليس تمنية وتزيين ووسواس، ليس له من الضلالة شيء [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 123 أ، و"زاد المسير" 2/ 204.]]، كما قال رسول الله ﷺ: "خلق إبليس مزينًا، وليس إليه من الضلالة شيء" [[لم أقف عليه.]]. ولما علم أن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلًا، وخلق النار وخلق لها أهلًا قال: ﴿لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: 118] يريد أهل النار [[انظر. "الكشف البيان" 4/ 123 أ، و"زاد المسير" 2/ 207.]]، وقال: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ﴾ الآية، ولو كان شيء من الضلالة إليه سوى الدعاء إليها لأضل جميع الخلق عن الهدى [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 123 أ.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ يريد من يُطعه فيما يدعو إليه من الضلال، فكل من أطاعه فهو ولي له وإن لم يقصد أن يتولاه، كما يكون مطيعًا له وإن لم يقصد أن يطيعه، بموافقته لإرادته، وإجابته إلى ما دعاه إليه، فهو يعمل عملًا يُعينه عليه الشيطان، وكان الشيطان له وليًا ناصرًا معينًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب