الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾. الخطاب للمؤمنين، وذكرنا معنى الوهن [["الوهن: الضعف"؛ "الصحاح" 6/ 2215، و"اللسان" 8/ 4934 (وهن).]] في قوله: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [آل عمران: 139]. والمراد بالقوم ههنا: أبو سفيان وأصحابه، لما انصرفوا عن أحد منهزمين، وقد قذف الله في قلوبهم الرعب، أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يسير في آثارهم بعد الوقعة بأيام، فندب النبي ﷺ الناس لذلك، فاشتكوا ما بهم من الجراحات، فأنزل الله هذه الآية [[ذكره الطبري 5/ 263 عن عكرمة، كما ذكره دون عزو السمرقندي في "بحر العلوم" 1/ 384، والثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 115 ب، والبغوي في "معالم التنزيل" 2/ 282.]]. وقد مضت هذه القصة في سورة آل عمران [[ذكر جميع ذلك عند قوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139].]]. قال ابن عباس: "يريد لا تضعفوا في طلب العدو" [[أخرجه ابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 381.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ﴾. الألم الوجع، وقد ألم يألم، فهو آلم [["تهذيب اللغة" 1/ 188 (ألم) وفيه: "فهو ألم" بدون مد. وانظر: "الصحاح" 5/ 1863، و"اللسان" 1/ 113 (ألم).]]. قال ابن عباس: "يريد يوجعون كما توجعون الجراح" [[بنحوه في "تفسير ابن عباس" ص (157)، وأخرجه أيضًا من طريق علي بن أبي طلحة: الطبري 5/ 263، وابن أبي حاتم، انظر: "الدر المنثور" 2/ 381.]]. ونحو هذا قال غيره من المفسرين [[كمجاهد وقتادة والسدي وابن زيد. انظر: الطبري 5/ 262، 263.]]، وهذا يحتمل تأويلين: أحدهما: أن المؤمنين كانت بهم جراحات، يجدون لها ألمًا يوهنهم عن المسير في آثار المشركين، والمشركون أيضًا بهم جراحات، كما بالمسلمين، فقيل للمسلمين: إنَّ ألمتم جراحكم، فهم أيضًا في مثل حالتكم من أثر الجراح. وعلى هذا دل كلام المفسرين أن المراد بالألم ههنا ألم جراح واقعة بالفريقين [[انظر: الطبري 5/ 262، 263، و"بحر العلوم" 1/ 384، و"الكشف والبيان" 4/ 115 ب، و"النكت والعيون" 1/ 527.]]. والآخر: أن هذا استدعاء إلى الجهاد مما يوجب الصبر عليه والجد فيه لرجحان حالهم على حال أعدائهم، بأنهم يرجون من الله ما لا يرجونه، فقد ساووهم في الصارف عن القتال، وهؤلاء انفردوا بداعٍ ليس لهم من ثواب الله على ذلك وكرامته التي هي (أوكد وكد داع) [[هكذا ما بين القوسين في المخطوط، وقد يكون فيه تكرار، فتكون العبارة: "أوكد داع".]] إلى إتباع مرضاته، فالمراد بالألم ههنا ألم جرح يقع ويحصل في أحد الفريقين، يقول: إن ألمتم جرحًا يوقعونه فيكم فهم أيضًا يألمون بما توقعونه فيهم، فلا تضعفوا ولا تجنبوا [[هكذا في المخطوط، ولعل الصواب: ولا تجبنوا، بباء ثم نون بعد الجيم.]] عنهم، فقد تساويتم في وجود الآلام. وعلى هذا الثاني دل كلام أبي إسحاق، فإنه قال: أي أن تكونوا توجعون فأنهم يجدون من الوجع فيما ينالهم من الجراح والتعب كما تجدون [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 100، وانظر: الطبري 5/ 262، و"زاد المسير" 2/ 189.]]. وهذا المعنى أراد الشداخ بن يعمر الكناني [[هو يعمر بن عوف بن كعب بن عامر الليثي الكناني و"الشداخ" لقبه، سمي بذلك لشدخه الدماء بين قريش وخزاعة، أي وضعها تحت قدميه وإصلاحه بينهم فهو من حكام العرب، ويبدو أنه شاعر جاهلي. انظر: "المحبر" ص 33، و"الاشتقاق" ص 171، و"جمهرة أنساب العرب" ص 180، و"الأعلام" 8/ 205.]] في قوله يحض قومه على الحرب: القوم أمثالكم لهم شعر ... في الرأس لا ينشرون إن قتلوا [[البيت في "الحماسة الكبرى" لأبي تمام 1/ 113.]]. يقول: هم مثلكم إن قتلتم منهم لم يجيء قتيلهم، كما لا يجيء منكم من قتل. وقوله تعالى: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾. قال الحسن وقتادة وابن جريج وأكثر أهل العلم: وتؤملون من ثواب الله ما لا يؤملون [[أخرجه بمعناه عن قتادة وابن جريج: الطبري 5/ 262 - 263، أما عن الحسن فذكره الهواري في "تفسيره" 1/ 420. وقد قال بهذا القول أيضاً الضحاك. انظر: "معاني القرآن" للنحاس 3/ 184، واختاره الطبري 5/ 262، 264، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 384، و"الكشف والبيان" 4/ 115 ب.]]. وقال الزجاج: أي أنتم ترجون النصر الذي وعدكم الله جل وعز وإظهار دينكم على [سائر] [[طمست ما بين المعقوفين هذه الكلمة في المخطوط حيث لم يبق من كلماتها إلا السين، والتسديد من الزجاج في "معانيه" 2/ 100.]] أديان الملل المخالفة [لأهل الإسلام] [[طمس ما بين المعقوفين في المخطوط والتسديد من "معاني الزجاج" 2/ 100.]] وترجون مع ذلك الجنة، وهم لا يرجون؛ لأنهم كانوا غير مقرين [بالبعث، فأنتم ترجون من الله ما لا يرجون] [[طمس ما بين المعقوفين في المخطوط، والتسديد من "معاني الزجاج" 2/ 100.]]. وذهب بعض المفسرين إلى أن (...) [[طمس ما بين القوسين في المخطوط، والظاهر أنه: "الرجاء هنا بمعنى الخوف" أو قريب من ذلك. انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 286، والطبري 5/ 264.]]. وأنكر الفراء والزجاج ذلك، فقال: [وأجمع أهل اللغة الموثوق بعلمهم على أن الرجاء] [[طمس ما بين المعقوفين في المخطوط، والتسديد من "معاني الزجاج" 2/ 100.]] ههنا على معنى الأمل [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 100.]]. وقال الفراء: "لا يعرف الرجاء بمعنى الخوف إلا مع (...) [[طمس، وفي "معاني الفراء" 1/ 286: "ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد".]]. كقوله: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: 13] أي لا تخافون له عظمة. كقول أبي ذؤيب [[تقدمت ترجمته.]]: إذا لسعَتْه النَّحلُ لم يَرْجُ لسعَها ... وحالفَها في بيتِ نوبٍ عواملِ [["معاني القرآن" 1/ 286، والبيت في ديوان الهذليين 1/ 143 وقافيته "عواسل" بالسين، و"تهذيب اللغة" 4/ 3476، و"الصحاح" 1/ 229، و"اللسان" 8/ 4570 (نوب). والشاهد منه: أن الرجاء بمعنى الخوف لما اقترن بنفي.]] وإنما كان كذلك لأن الرجاء لما أخرج عن أصله لم يتصرف في جميع الوجوه بمعنى الخوف، إلا في النفي خاصة. قال الزجاج: وإنما اشتمل الرجاء على معنى الخوف؛ لأن الرجاء أمل قد يخاف أن لا يتم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 100.]]. يريد: إنما يُرجى كونه يخاف فوته. ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا﴾ بخلقه [[انظر: الطبري 5/ 264.]]. ﴿حَكِيمًا﴾ فيما حكم لأوليائه من الثواب، ولأعدائه من العقاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب