قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ قال أنس بن مالك: أنا أعلم الناس بهذه الآية، إنه الحجاب، أصبح رسول الله -ﷺ- عروسًا بزينب بنت جحش، ودعا القوم فأصابوا من الطعام، ثم خرجوا وبقي وهي منهم عند رسول الله -ﷺ- فأطالوا المكث، وجعلوا يتحدثون، وجعل رسول الله -ﷺ- يخرج ثم يرجع وهم قعود، فنزلت هذه الآية. قال: فقام القوم وضرب الحجاب [[أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب: قوله: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ 4/ 1499 رقم (4513)، ومسلم في النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب 2/ 1048 رقم (1428) كلاهما عن أنس.]].
﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ قال الزجاج: (موضع أن نصب المعنى إلا بأن يؤذن أو لا يؤذن لكم) [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 4/ 234.]] ﴿إِلَى طَعَامٍ﴾ أي: إلا أن تدعوا إلى طعام، ومعنى ﴿يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾: يدعوا، ويجوز أن يكون المعنى على التقديم والتأخير، فتقدير لا تدخلوا بيوت النبي إلى طعام إلا أن يؤذن لكم.
وقوله: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ﴾ قال أبو إسحاق: (غير منصوبة على الحال، المعنى: إلا أن يؤذن لكم غير منتظرين) [[المصدر السابق.]] ﴿إِنَاهُ﴾ أي: نضجه وإدراكه وبلوغه. قال المفسرون [[انظر: "تفسير الطبري" 22/ 34، "تفسير الماوردي" 4/ 418، "تفسير زاد المسير" 6/ 414 - 415.]]. قال مجاهد: غير [متحينين] [[غير واضحة في جميع النسخ، والتصحيح من "تفسير مجاهد" ص 520.]] نضجه [[انظر: "تفسير مجاهد" ص 520.]]. المعنى: أنهم كانوا يدخلون بيته فيجلسون منتظرين إدراك الطعام فنهوا عن ذلك، والتقدير: إلا أن يؤذن، لكن وأنتم لا تنتظرون بلوغ الطعام. قال أبو عبيدة: ﴿إِنَاهُ﴾ أي: إدراكه، يقال أنى يأني إدراك أنا كما ترى [[هكذا في النسخ! والذي في"مجاز القرآن لأبي عبيدة" 2/ 140: أي: إدراكه وبلوغه، ويقال: أني لك أن تفعل يأني أنيًا، والاسم إني وأني: أبلغ أدرك.]]، وأنشد:
تمخضت المنون له بيوم ... أنى ولكل حاملة تمام [[البيت من الوافر، وهو للنابغة الذبياني في "ديوانه" ص 101 ضمن أبيات قالها حين عاد إلى النعمان فألفاه عليلا، "جمهرة أشعار العرب" 1/ 199.
والشاهد فيه قوله "حاملة" حيث جاء بهذا الوصف متصلاً بتاء التأنيث مع أنه خاص بالإناث لا يوسف به غيرهن، وذلك أنه جعل وصفًا جاريًا على الفعل.]]
قال الأزهري ومن هذا قوله: ﴿حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: 44]، وهو الذي قد بلغ غاية الحرارة. وكذلك قوله: ﴿مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ [الغاشية: 5] وقوله: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحديد: 16]، وهو أن يأني [["تهذيب اللغة" 15/ 553 (أنى).]]. وقوله: ﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ قال مجاهد: أي بعد أن تأكلوا [[انظر: "تفسير مجاهد" ص 520.]].
قال مقاتل: كانوا يجلسون عند النبي -ﷺ- قبل الطعام وبعد الطعام يتحدثون عنده طويلًا [[انظر: "تفسير مقاتل" 94 ب.]]، وكان يؤذيه ذلك ويستحي أن يقول لهم قوموا، فذلك قوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ يعني: دخول بيته بغير إذن والقعود؛ لانتظار الطعام يؤدي النبي -ﷺ- فيستحي منكم أن يخرجكم منها، ومعنى مستأنسين لحديث: مستأنسين له، والاستئناس هو التأنس، ويقال: إذا جاء الليل استأنس كل وحشي [[انظر: "تهذيب اللغة" 13/ 87 (أنس)، "اللسان" 6/ 15 (أنس).]].
قال أبو إسحاق: (كان النبي -ﷺ- يحتمل إطالتهم كرمًا منه ويصبر على الأذى في ذلك، فعلم الله من يحضره الأدب فصار أدبًا لهم ولمن بعدهم) [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 4/ 235.]].
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾، معناه: لا يستحيي أن يبين لكم ما هو الحق وذكرنا معنى استحياء الله -عز وجل- عند قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا﴾ [البقرة: 26]
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، فنزل الأمر بالاستتار. قال ابن عباس: وذلك [[في (ب): وذلك أن الله تعالى عمر -رضي الله عنه-، وهو خطأ.]] أن عمر -رضي الله عنه- كان عند رسول الله -ﷺ- في ظلمة البيت فوافقت يده يد امرأة من أزواج رسول الله -ﷺ- فقال والله لو أطاعني رسول الله لضرب عليكن الحجاب فأنزل الله هذه الآية [[انظر: "تفسير الماوردي" 4/ 419، "مجمع البيان" 8/ 576.]]. وقال أنس: قال عمر: يا رسول الله، يدخل عليك البرُّ والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فنزلت آية الحجاب [[انظر: "تفسير الطبري" 22/ 39، ورواه البخاري في الصلاة 1/ 111، وفي التفسير سورة البقرة 6/ 34، وسورة الأحزاب 6/ 148، ورواه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر بن الخطاب 7/ 115.]].
قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ﴾ أي: سؤالكم إياهن المتاع من وراء الحجاب ﴿أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ ومن الريبة ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ قال أبو إسحاق: أي ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 4/ 235.]].
قال أبو عبيدة: العرب [[في (أ): (تدخل)، وهو خطأ.]] يدخلون كان يؤكدون بها الكلام وهو مستغنى عنه وأنشد الفرزدق:
فكيف إذا رأيت ديار قوم ... وجيران لنا كانوا كرام [[البيت من الوافر وهو للفرزدق في "ديوانه" 2/ 290، "خزانة الأدب" 9/ 217، 221، 222، "الكتاب" 2/ 153، "لسان العرب" 13/ 370 (كنن).
والشاهد فيه قوله: "وجيران لنا كانوا كرام" حيث فصل بين الموصوف وهو قوله "وجيران" والصفة وهي قوله "كرام" بـ"كانوا" الزائدة.]]
فجعلوا كان لغوًا [["مجاز القرآن" 2/ 140.]]. قال مقاتل بن حيان: بلغنا أن رجلاً من قريش هوى أن يتزوج عائشة من بعد النبي فبلغ ذلك النبي -ﷺ- فشق ذلك عليه، فأنرل الله: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [[لم أقف على هذا القول عن مقاتل بن حيان وقد ذكره أكثر المفسرين فقد ذكره الطبري 22/ 40 عن ابن زيد، ومقاتل في "تفسيره" 94 ب، والنحاس في "معاني القرآن" 5/ 373 عن قتادة، والطبرسي 8/ 574 عن أبي حمزة الثمالى.]] وقال عطاء عن ابن عباس: كان رجل من سادة قريش من أصحاب النبي -ﷺ- من العشرة الذين [[ما بين المعقوفين كلام زإئد يظهر أنه وهم من النساخ إذ لا معنى له.]] كانوا معه على حراء) قال في نفسه [لو] [[ما بين المعقوفين بياض في (ب).]] توفي رسول الله لتزوجت عائشة وهي بنت عمي فأنزل الله -عز وجل- ما أنزل [[انظر: "تفسير زاد المسير" 6/ 416، وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 643، وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه وذكره الطبري 22/ 40 عن ابن زيد.]].
قال مقاتل بن سليمان: هو طلحة بن عبيد الله قال لما نزلت آية الحجاب: نهانا محمد أن ندخل على بنات عمنا -يعني: عائشة- وهما من بني تميم بن مرة ثم قال: والله لئن مات محمد وأنا حي لأتزوجن عائشة، فأنزل الله في طلحة ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ إلى آخرها [[انظر: "تفسير مقاتل" 94 ب، وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 643، وعزاه لابن أبي حاتم عن السدي ولعبد الرزاق عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة ولابن سعد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.]]. قال أبو إسحاق: أعلم الله أن ذلك محرم بقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ أي: ذبنًا عظيمًا [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 4/ 235.]].
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتَ ٱلنَّبِیِّ إِلَّاۤ أَن یُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَیۡرَ نَـٰظِرِینَ إِنَىٰهُ وَلَـٰكِنۡ إِذَا دُعِیتُمۡ فَٱدۡخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِینَ لِحَدِیثٍۚ إِنَّ ذَ ٰلِكُمۡ كَانَ یُؤۡذِی ٱلنَّبِیَّ فَیَسۡتَحۡیِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا یَسۡتَحۡیِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَـٰعࣰا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَاۤءِ حِجَابࣲۚ ذَ ٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَن تَنكِحُوۤا۟ أَزۡوَ ٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۤ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَ ٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِیمًا"}