الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الآية.
قال أهل التفسير: لما ادَّعى النبي ﷺ أنه على مِلَّةِ إبراهيم؛ قالت اليهود: كيف وأنت تأكل لُحومَ الإبِلِ وألبانها؟ فقال النبي ﷺ: "كان ذلك حلالاً [[(حلالًا): ساقطة من: (ج).]] لإبراهيم، فنحن نحله".
فقالت اليهود: كلُّ شيءٍ أصبحنا اليوم نُحرِّمُهُ، فإنه كان مُحرَّمًا على نوح وإبراهيم؛ فأنزل الله عز وجل تكذيبًا لهم: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [[ورد هذا القول عن أبي رَوْق، والكلبي -بدون سند- كما في "تفسير الثعلبي" 3/ 73 أ، "أسباب النزول" للواحدي: ص118، "زاد المسير" 1/ 326، وأورده البغوي -كذلك - دون عزوٍ لقائل-، في "تفسيره" 2/ 67.]] [الآية] [[ما بين المعقوفين: زيادة من (ج).]] و (الحِلُّ)، و (الحَلالُ)، و (المُحَلَّلُ): واحد. قال ابن عباس في زمزم [[هذه الرواية عنه، في "تهذيب اللغة" 1/ 905 (حل).]]: (هي حِلٌّ وَبِلّ) [[قال في "اللسان" 1/ 349 (بلل): (والبِلَّة: الخير والرزق. والبِلّ: الشفاء والبِلَّة: العافية والبِلّ: المباح. وقالوا: (هو لك حلٌّ وبِلٌّ)، فـ (بل): شفاء ويقال: (بِلٌّ): مباحٌ مُطلقٌ، يمانِيَّة حِميَرِيَّة).]]. رواه سُفْيَان بن عُيَيْنَة [[تقدمت ترجمته.]]، عن عَمْرو بن دينار عنه، فسُئِل سفيانُ: ما (حِلٌّ) [[في "التهذيب": ما حل وبل.]]؟ فقال: مُحَلَّلٌ.
وروى ابن عباس [[هذه رواية شهر بن حوشب عنه، أخرجها: أحمد في "المسند" 1/ 247. والطيالسي في "المسند" 4/ 450 (2854)، والطبري في "تفسيره" 1/ 431، 4/ 5، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 704، والطبراني في "المعجم الكبير" 12/ 246 برقم (13012)، وأوردها الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 242، وقال: (رواه أحمد والطبراني، ورجالهما ثقات).
وورد بنحوه من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، أخرجها: أحمد في "المسند" 1/ 274، والبخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 114، والترمذي في "سننه" (3117) كتاب التفسير، باب: سورة الرعد، والحاكم في "المستدرك" 2/ 292، وصححه ووافقه الذهبي. والطبري 4/ 4، وابن أبي حاتم 3/ 705، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 304، وقال: غريب من حديث سعيد، تفرد به بكير [بن شهاب].]]: أن النبي ﷺ قال: "إنَّ يعقوبَ مرض مرضًا شديدًا [[وفي المروي عن ابن عباس في المراجع السابقة: أن الألم الشديد هو: عِرْق النَسَّا.]]، فنذر لَئِن عافاه الله؛ ليُحرِّمَنّ أحبَّ الطعام والشراب إليه. وكان أحب الطعام إليه: لُحْمان الإبل، وأحب الشراب إليه: ألبانها".
وهذا قول: أبي العالية [[قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 73 ب، "البغوي" 2/ 68، "زاد المسير" 1/ 422.]]، وعطاء [[قوله في "تفسير الطبري" 4/ 4، والمصادر السابقة.]]، ومقاتل [[قوله في "تفسيره" 1/ 260، "تفسير الثعلبي" 3/ 73ب، "تفسير البغوي" 2/ 68.]]، والكلبي [[قوله في "بحر العلوم" 2/ 109، "تفسير الثعلبي" 3/ 73 ب، "البغوي" 2/ 68.]]: أن الذي حرَّم إسرائيلُ [[إسرائيل، هو: يعقوب عليه السلام.]] على نفسه كان [[من قوله: (كان ..) إلى (ذلك على نفسه): ساقط من (ج).]] لحومَ الإبلِ وألبانَها [[وورد -كذلك- أنه حرم عروق اللحم. وهذا مروي -كذلك- عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي والضحاك وأبي مجلز. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 2 - 4. وعن ابن عباس: أنه حرم زائدتي الكبد والكليتين والشحم، إلا ما كان على الظهر. وعن مجاهد: أنه حرم الأنعام. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 705. ورجح الطبريُ أنه حرم العروق ولحوم الإبل، وقال: (لأن اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمهما، كما كان عليه أوائلها). "تفسيره" 4/ 5.]].
قالت العلماء [[لم أقف على من قال ذلك ممن سبق المؤلف.]]: إنما حرَّمَ إسرائيلُ ذلك على نفسه بإذن الله عز وجل [[(عز وجل): ليس في (ج).]] له [[(له): ساقطة من: (ب).]] [فيه] [[ما بين المعقوفين غير مقروء تمامًا في (أ). وساقط من (ب)، (ج). والمثبت هو ما رجحته.]]، كما جاز [[(كما جاز): ساقطة من: (ب).]] الاجتهاد في الأحكام لما أَذِنَ اللهُ فيه [[يَرِدُ على كلام المؤلف -هنا- التالي: إذا كان التحريمُ بإذن الله، فأين مجال الاجتهاد هنا؟. ولذا عَرَضَ الماورديُّ تحريمَ إسرائيل ذلك على نفسه، كالتالي: (هل كان بإذن الله -تعالى- أم لا؟ على اختلافهم في اجتهاد الأنبياء على قولين: أحدهما: لم يكن إلا بإذنه، وهو قول مَن زعم أنه ليس لِنَبِي أن يجتهد. == الثاني: بغير إذنٍ، بل باجتهاده، وهو قول مَن قال إنَ للنبِيِّ أن يجتهد). "النكت والعيون" 1/ 409 - 410.]].
وللنبي [[في (ج): (للنبي) بدون واو.]] أن يجتهد في الأحكام؛ لأنه إذا كان بالدين أعلم، ورأيُه أفضل، كان بالاجتهاد أحق، ولا [[في (ج): (ثم لا).]] يجوز لأمته أن يخالفوه في اجتهاده، كما لا يجوز مخالفة الإجماع [[وهذه مسألة وقع فيها خلاف بين الأصوليين: هل كان النبي ﷺ مُتَعبَّدًا بالاجتهاد فيما لا نَصَّ فيه؟ قال بذلك الإمام أحمد وأبو يوسف، وجوزه الشافعي من غير قطع، وبه قال بعضُ أصحابه، واختاره الآمديُّ.
انظر: "المحصول" للرازي: 2/ 43/ 184 وما بعدها، وأفعال الرسول ﷺ، د. محمد الأشقر: 1/ 118 وما بعدها.
وهناك مسألة أخرى، هي: هل يجوز أن يَكِلَ الله (يفوض) إلى نَبِيِّه أن يَحْكُمَ في بعض الأمور بما يَرَاه، دون نَصٍّ ولا قياسٍ على منصوص، وُيعَدُّ ذلك شَرْعَ الله، ويكون مُكَلَّفًا به؟ ترددت هذه المسألة عند الأصوليين بين المنع والجواز؛ فمنعها أكثر المعتزلة، والجَصَّاص من الحنفية. وممن أجازها الآمديُّ، وابنُ السمعاني، والشيرازي. وكانت هذه الآية من أدلتهم على الجواز. ولم يَقطَعْ بذلك الشافعيُّ. انظر: "أفعال الرسول ﷺ" 1/ 123 - 126.]].
وإن [[في (أ)، (ب): فإن "بالفاء". ولم أر لها وجهًا، ولا يستقيم بها المعنى المراد. والمثبت من: (ج)، لاستقامة المعنى وصحة السياق.]] كان من طريق الاجتهاد. فعلى هذا؛ لم تكن لحومُ الإِبِل محرمة عليهم في التوراة، وإنما لزمهم ذلك التحريم من جهة يعقوب.
وقال الحَسَنُ [[قوله في "تفسير الطبري" 4/ 4 بمعناه. وبنصه في "تفسير الثعلبي" 3/ 74 أ.]]: حَرَّم إسرائيلُ على نفسه لحم الجَزُور، تَعَبُّدًا لله عز وجل، فسأل ربه أن يجيز ذلك له، فحرَّمَه اللهُ على ولده.
وقال عَطِيَّةُ [[قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 74 أ، كما ورد في "تفسير الطبري" 4/ 2 من رواية عطية عن ابن عباس.]]: إنما كان ذلك حرامًا عليهم، بتحريم إسرائيل ذلك عليهم؛ وذلك أنَّه [[في (ب): (لأنه).]] قال: لئن عافاني الله؛ لا يأكل لي ولدٌ لحم الجزور [[نص قوله عند الثعلبي والطبري، يفيد أن يعقوب عليه السلام حرم على نفسه العروق؛ حيث قال عطيّةُ -كما عند الثعلبي-: (وذلك أن إسرائيل قال حين أصابه عرق النسا: والله! لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولدٌ، ولم يكن ذلك محرمًا عليهم في التوراة). أي: أصابه عرق النسا، والضمير في (لا يأكله) يعود على العرق.]]. ولم يكن ذلك محرمًا عليهم في التوراة.
وقال الضَّحّاك [[قوله بمعناه، في "تفسير الطبري" 4/ 2، "بحر العلوم" 2/ 110.]]: لم يكن شيءٌ من ذلك عليه [[(عليهم): ساقطة من: (ج).]] حرامًا، ولا حَرّمَهُ اللهُ عليهم في التوراة، وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم؛ اتِّباعًا لأبيهم، ثم أضافوا تحريمَهُ إلى الله عز وجل، فكذبهم الله عز وجل، فقال: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا﴾.
وقال السُدِّي [[قوله بمعناه، في "تفسير الطبري" 4/ 1. وبهذا النص في "تفسير الثعلبي" 3/ 74 أ.]]: إنَّ الله تعالى [[لفظة (تعالى): ساقطة من: (ب).]] لما أنزل التوراة، حرَّم عليهم ما كانوا يُحرِّمونه قبل نزولها؛ اقتداءً بأبيهم يعقوب عليه السلام.
فالمفسرون مختلفون كما ترى في أن هذا التحريم: هل ثبت عليهم من الله تعالى في التوراة، أم لا؟.
وكيفما [[في (أ)، (ب)، (ج): (كيف ما). وأثبتها وفق الرسم الإملائي الحديث.]] كان، ففي التوراة بيان أن ابتداء هذا التحريم من جهة يعقوب، وقبله كان حلالًا لإبراهيم عليه السلام. والنبي ﷺ كان يَدَّعي دين إبراهيم.
{"ayah":"۞ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلࣰّا لِّبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَ ٰۤءِیلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق