الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا﴾ إلى قوله: ﴿مِلْءُ الْأَرْضِ﴾ (مِلْءُ [[في (ب): (بمثل).]] الشيء): قدر ما يَمْلؤه، وهو اسمٌ يُثَنَّى وُيجمع؛ يقال: (مِلْءُ القَدَح)، و (مِلآهُ)، و (ثلاثة أملائِهِ) [[انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب: 776 (ملأ)، "اللسان" 7/ 4252 (ملأ).]]. والفرق بين (المِلْءِ) و (المَلْءِ) [[في (ب): الملاء والملاء. وهكذا رسمت (مل) في نسخة (ب) فيما سيأتي. المِلْءُ -بالكسر-: اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ. والمَلْءُ -بالفتح-: المصدر. (ملأ الشيء، يملؤه مَلْأً). انظر: (ملأ) في "اللسان" 7/ 4252، "القاموس" (1335).]]، كالفرق بين (الرِّعْي) و (الرَّعْي) [[في (ب): (والري). الرِّعي -بالكسر-: الكلأ، والجمع: أرْعاء. والرعي -بالفتح-: المصدر. انظر: (رعى) في "اللسان" 3/ 1676 - 1677، "القاموس" (1289).]]. وانتصب ﴿ذَهَبًا﴾ على التفسير [[التفسير -هنا- بمعنى: التمييز، ويقال له - كذلك: التبيين. وكونه منصوبًا على التمييز، هو قول عامة أهل النحو. انظر: "معاني القرآن" للفراء: 1/ 225، "معاني القرآن" للزجاج: 1/ 442. وذهب الكسائي إلى انه منصوب بنزع الخافض. انظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 71 أ، "تفسير القرطبي" 4/ 131. وقال السمين الحلبي -عن هذا القول-: (وهذا كالأول؛ لأن التمييز مقدر بـ"مِن"). "الدر المصون" 3/ 206.]]. قال المُفضَّل [[من قوله: (قال المفضل ..) إلى (ما لا عامل فيه): نقله -بنصه- عن "تفسير الثعلبي" 3/ 70 ب. وأورده القرطبي في "تفسيره" 4/ 131.]]: ومعنى التفسير: أن يكون الكلامُ تامًّا وهو مُبْهَم؛ كقولك: (عندي عشرون)؛ فالعدد [[في (ب): (العدد)، وفي (ج): (والعدد).]] معلوم، والمعدود [[في (ج): (والمعدوم).]] مبْهَم. فإذا قلت: (درهمًا) [[في (ج): (درهم). وعند الثعلبي: (عشرون درهما).]]، فَسَّرت العددَ. وكذلك إذا قلت: (هو أَحْسَنُ الناسِ)، فقد أخبرت عن حُسْنِه، ولم يبين [[في (ب)، (ج)، "تفسير الثعلبي": (تبين).]] في أي شيء هو، فإذا قلت: (وَجْهًا)، أو [(فِعْلًا)] [[ما بين المعقوفين: غير مقروءة في (أ). وفي (ب): فضلًا. والمثبت من: (ج)، "تفسير الثعلبي".]]، فقد بينته، ونصبته [على التفسير، وإنما نصبته] [[ما بين المعقوفين: زيادة من: (ج)، "تفسير الثعلبي".]]، لأنه ليس له ما يخفضه ولا ما يرفعه، فلما خلا من هذين، نُصِبَ؛ لأن النصب أخفُّ [[في (ب): (أحد).]] الحركات، فجعِل لكل ما لا عامل فيه. وقال سيبويه [[لم أقف على موضع قوله في كتابه، وقد ذكره الزجاج في "معانيه" 1/ 442.]]: انتصب (ذهبًا)؛ لأن الاسم المخفوض قد حال بين الذهب وبين المِلْءِ أن يكون جَرًّا [[في (ب): (خبرا).]]؛ ومعنى هذا: أنَّ العاملَ [[في (ب): (الملاء).]] اشتغل بالإضافة في ﴿مِلْءُ الْأَرْضِ﴾ [[أي: إننا شغلنا الإضافة بالاسم الذي قبل ﴿ذَهَبًا﴾، وهو ﴿الأَرْضِ﴾، فانجرت ﴿الأَرْضِ﴾ بالإضافة، ثم جاء ﴿ذَهَبًا﴾ فانتصب كما ينتصب الحالُ، أو المفعول إذا جاء من بعد الفاعل.]]، وبما يعاقِبُ الإضافة من النون الزائدةِ في (عشرون درهمًا)، فجرى ذلك مجرى الحالِ في اشتغال العامل بصاحبها [[في (ج): (لصاحبها). أي: بصاحب الحال، كقولنا: (جاء عبدُ الله راكبًا) فشغلنا الفعل بـ (عبد الله) وهو صاحب الحال فرفعه، فبقيت (راكبًا) ليس لها ما يرفعها ولا ما يجرها، فانتصبت.]]، ومجرى المفعول في اشتغال العامل عنه بالفاعل. وقوله تعالى: ﴿وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾. قال الفرّاء [[في "معاني القرآن" له: 1/ 226.]]: الواو زائدةٌ، كهي في قوله: ﴿وَلِيَكوُنَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: 75]؛ المعنى: لن يُقَبلَ مِن أحَدِهم مِلْءُ الأرضِ ذهبًا، لو افتدى به. وغَلّطَهُ الزجاجُ وغيرُه [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج:1/ 441، "معاني القرآن" للنحاس: 1/ 437.]]، وقالوا: الواو ههنا للعطف؛ لأن المعنى: لو [[في (ب): (ولو).]] عمل مِنَ الخَيْرِ، وقَدَّمَ مِلْءَ الأرضِ ذهبًا؛ يتقرب به الله عز وجل، لم ينفعه ذلك مع كفره، ولو افتدى من العذابِ بِمِلْءِ الأرضِ ذهبًا، لم يُقْبَل منه. فالواو دخلت لفعلٍ مُضْمَرٍ، وهو [[هو: بياض في (ج).]]: (القَبُولُ)؛ أي: ولا يُقبل منه لو افتدى به [[انظر: "الكامل" للمبرد: 1/ 277، "تفسير الطبري" 3/ 346، "المحرر الوجيز" 3/ 211.]]. قال ابن الأنباري: وهذا آكَدُ في التغليظ عليهم، إذْ كانوا لا يُقبل منهم [مِلْء الأرضِ ذَهَبًا، على جهة الصَّدَقَةِ والتَّقْرُّبِ إلى الله جل وعز، ولا يُقبل منهم] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (ج).]] أيضًا على جهة فِدْيَةٍ [[قال رسول الله ﷺ: "يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبًا، أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقال له: قد كنت سُئلت ما هو أيسر من ذلك". رواه البخاري في "صحيحه" (6538). كتاب الرقاق، باب: من نوقش الحساب فقد عُذب، ومسلم في "صحيحه" (2805) كتاب: صفات المنافقين، باب: طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبًا، رقم (2805) وفي لفظه عنده: "قد == أردت منك أهون من هذا وأنت في صُلْبِ آدم: أن لا تشركَ -وأحسبه قال- ولا أدخِلكَ النار، فأبيت إلا الشرك".]]. وقد أشار الفراء إلى هذا القول أيضًا، فقال [[في "معاني القرآن" له: 1/ 226.]]: والواو [ههنا كأنَّ لها فِعْلًا] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). ومثبت من: (ب)، (ج)، "معاني القرآن".]] مُضْمَرًا بعدها. وقال بعض النحويين [[لم أقف عليهم.]]: الواو ههنا دخلت لتفصيل نفي القَبول بعد الإجمال؛ وذلك [[(وذلك): ساقطة من: (ج).]] أنَّ ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا﴾ [قد عمَّ وجوهَ القَبول] [[ما بين المعقوفين: غير مقروء تمامًا في (أ). وفي (ب): قد أجمل القبول. والمثبت من: (ج).]] بالنفي، ثم أتى بالتفصيل، لِئَلّا يتَطَرَّق عليه سوءُ التأويل [[أي: أنه نفى جميع وجوه القبول، ثم خص من تلك الوجوه: أليقها وأحراها بالقبول، وهو: الافتداء، فنفاه كذلك.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب