الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ﴾. اختلفوا فيه: فقرأ ابن كثير [[هو: أبو معبد، عبد الله بن كثير الداري المكي. إمام المكِّيِّين في القراءة، وأحد القُرّاء السبعة المشهورين، توفي سنة (120هـ). انظر: "الفهرست" 48، "معرفة القراء الكبار" 1/ 86، "النشر" 1/ 120.]] من طريق قُنْبُل [[في (أ): (قتيل). والمُثبَت من بقية النسخ. وقُنْبُل، هو: أبو عمر، محمد بن عبد الرحمن، المخزومي مولاهم، المكي. ولد سنة (195هـ)، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالحجاز، أحد رواة قراءة ابن كثير، توفي سنة (291 هـ). انظر: "معرفة القراء الكبار" 1/ 230، "النشر" 1/ 120 - 121، "البدور الزاهرة" 8.]]: ﴿هَا أَنْتُمْ﴾ [[في (ج)، (د): (هانتم).]]، بِوَزْنِ (هَعَنْتُم) [[انظر: "الحجة" للفارسي: 3/ 46، "الكشف" لمكي: 1/ 346.]]، أُبْدِلَ [[من قوله: (أبدل ..) إلى (.. الاستفام في أنتم تقرير): نقله عن "الحجة" للفارسي 1/ 4647، نقل بعض عباراته بالنص، وبعضها بالمعنى، وتصرف وزاد في بعضها.]] من همزة الاستفهام الهاءُ؛ أراد: أأنتم [[في (د): (أنتم).]]. والهمزة قد تُبدل هاءً [[في (ج): (نبدلها).]]، كقولهم: (أرقت الماء) و (هرقته) [[في (ج): (وأهرقته).]]، و (إبرِيَة) و (هِبرِيَة) [[(أ)، (ب): (إيريه، وهيريه). وفي (ج): (ابره وهبره)، وفي (د): (اره وهيريه). وما أثبته هو ما استصوبته، نظرًا لقربه من رسم الكلمتين في نسخة ج. أما (إيريه == وهيريه) فلم أقف عليها في كتب اللغة التي رجعت إليها، ولم ترد مثالًا فيما رجعت إليه من كتب الاختصاص في باب الإبدال، إلا ما ورد في "سر صناعة الإعراب" لابن جني: 553، من تمثيله لهذا الإبدال بـ (هيْر، وهِيْر) و (أيْر وإيْر) وهي من أسماء الصَّبا، وقيل: من أسماء ريح الشمال. ولكني استبعدتُها، وأثبتُّ ما هو أقرب إلى رسم الكلمة المثبتة، وهي: الـ (إبْرِيَة) والـ (هبْرِيَة)، وهي: ما تعلق بأسفل الشعر مثل النخالة من وسخ الرأس، أو ما طار من الريش ونحوه. وقد تكون الكلمة المرادة، هي: (أبرْتُهُ)، و (هبَرْتُهُ)، فكتب الناسخ النقط تحت التاء فكانت ياءً. ومعناها: قطعتُهُ، من (هَبر، يَهْبُرُ، هَبْرًا): قطع قِطَعا كبارا. والهَبْرُ: قطْعُ اللحم، و (هَبرتُ له من اللحم هَبْرَةً): قطعت له قِطعَةً ومنه: (هَبَره بالسيف)؛ أي: ضربه وقطعه. انظر: "اللسان" 8/ 4603 (هبر)، 8/ 4735 (هير)، "الممتع" 1/ 399، "ارتشاف الضرب" 1/ 130، "نزهة الطرف" لابن هشام: 158.]]. وهذا كإبدالهم من الباء [[في (ب)، (د): (التاء).]]، الواوَ، في قولهم: (والله)، ومن الواوِ التَّاءَ في (تالله) [[الأصل فيها (بالله) ثم أبدلت الواو من الباء، ثم أبدلت التاء من الواو، ويدل على ذلك: أولا: أن الباء توصل القسم إلى المقسم به؛ كقولنا: (أحلف بالله). ثانيًا: أن الباء تدخل على المُضمَر كما تدخل على المُظهَر، كقولنا: (بالله لأقومَنَّ)، و (به لأقعدنَّ). والواو لا تدخل على المضمر البتة، فقتول: (والله لأضربنَّك). فإذا رجعنا إلى المضمر قلنا: (به لأضربنَّك). وهذا هو رأي الجمهور. ونقل ابن هشام عن قطرب وغيره أن التاء غير مبدلة من الواو، وإنما هي حرف مستقل. انظر: "سر صناعة الإعراب"121، 143، 144، 645، "الممتع في التصريف" 1/ 384، "ارتشاف الضرب" 1/ 156، "نزهة الطرف" لابن هشام: 161.]]، فهذه حروف مفردة قد وقع الإبدال منها. ولا [[في (ج): (لا) بدون واو.]] يجوز أن يكون أراد ﴿هَا أَنْتُمْ﴾، و (ها) للتنبيه، ثم حَذَف الألفَ، فصار: (هأنتم)، كما حذف الألف من (ها) في (هَلُمَّ)؛ لأن الحروف لا يحذف منها إلَّا إذا كان فيها تضعيف، وليس ذلك في (ها)، وإنَّما حُذِف من (هَلُمَّ)؛ لأن الَّلام التي هي فاءٌ، في تقدير السكون، لأن (تَلُمَّ)؛ [[في (د): (لم).]] كان في الأصل: (تلْمُمْ) [[في (د): (لمم).]]، و (لَمَّ) أصله [[في (ج): (بصله).]]: (الْمُم)، فهي [[يعني: اللام. الذي هو فاءُ الكلمة (لمَّ).]] متحركة بحركة منقولة إليها، والحرف المتحرك بالحركة المنقولة، قد تكون في نيَّة السكون؛ كقولهم: (اَلَحْمَرْ) [[(الحمر): ساقطة من (د). وضبطها في "الحجة" بضم الراء.]]، فالَّلام [[في (د): (اللام) بدون واو.]] في تقدير [[(تقدير): ساقطة من (د).]] سكون؛ بدلالة تقدير الهمزة التي للوصل معها، فكذلك الَّلام في (هَلُمَّ)، وإذا كان في نية سكون، استقام حذف الألف من (ها) كما يُحذف لالتقاء الساكِنَيْنِ، وليس ذلك في (هأنتم) [[في (ب): (ها أنتم).]]؛ فإذا كان كذلك لم يستقم الحذف فيه، كما جاء في (هَلُمَّ). ومعنى الاستفهام في (أنتم) [[هكذا وردت في جميع السنخ. وفي "الحجة": (أأنتم)، وهي الأصوب.]]: تقرير [[(أ)، (ب)، (ج): (تقدير). وفي (د): (تقديره). والمثبت من "الحجة" وهو الصواب.]]. وقرأ نافع وأبو عمرو (ها انتم) [[في (ج): (هانتم).]] استفهامًا من غير همزٍ ولا مَدٍّ [[الذي أوردته كتب القراءات من قراءة نافع وأبي عمرو: أنهما كانا يقرآنها ممدودة، من غير همز، على الاستفهام. وقول المؤلف: (بلا مدٍّ)؛ يعني: بلا مدٍّ كثير. فقد == كانا يمدان قليلًا بقدر خروج الألف الساكنة. فهذا هو توجيه قول المؤلف والله أعلم. انظر: "السبعة" 207، "الحجة" للفارسي: 3/ 46، "حجة القراءات" 165، "الكشف" لمكي: 1/ 346، "تفسير الفخر الرازي" 4/ 98. وقال ابن مجاهد في "السبعة" 207: (وروى علي بن نصر عن أبي عمرو استفهامًا مُخفَّفًا بلا همز. وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع: ممدودًا غير مهموز).]]. و (ها) [[من قوله (و (ها) ..) إلى (وكذلك في كثير من المواضع البدل يكون في حكم المبدل منه): نقله عن "الحجة" للفارسي: 1/ 47 - 50 نقل بعض عباراته بالنص وبعضها بالمعنى، وتصرف في بعضها بالاختصار والزيادة.]] في هذه القراءة للتنبيه، دخلت على (أنتم)، وخُفِّفت [[في (ج): (فخففت).]] الهمزةُ في (أنتم)؛ لوقوعها بعد أَلِفٍ، كما تقول في (هَبَاءَةٍ): (هَبَايَة) [[(هباية): مطموسة في (أ). وفي "الحجة": (هباةٌ). والمثبت من بقية النسخ. والهباءة: القطعة من الهباء. والهباء: التراب الذي تطيره الريح ويلزق على الأشياء، ويرى في ضوء الشمس. انظر: "اللسان" 8/ 4609 (هبا)، "المعجم الوسيط" 980 (هبأ).]] مليَّنة الهمزة، وفي (المسائل) [[(المسائل): ساقطة من: (ج).]]: (المسايل). ويجوز أيضًا على [[في (ج): (من).]] هذه القراءة: أن يكون [[في (د): (تكون). وفي (ج): مهملة في النقط.]] الهاءُ بدلًا من همزة الاستفهام، كما ذكرنا في قراءة ابن كثير، ودخلت الأَلِفُ التي تدخل للفصل بين الهمزتين في مثل قولك: ﴿أَأَنْتُمْ﴾ [[في (د): (اانتم). وقد وردت هذه المفردة في الآية 140 من سورة البقرة، و17 من الفرقان، و59، 64، 69، 72، من الواقعة، و27 من النازعات.]]، و ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ﴾ [[في (ب): (آاالذكرين)، (د): (الذكرين). وهي مقطع من الآيتين 143، 144 من سورة الأنعام.]] [الأنعام 143] في قراءة أبي عمرو [[انظر: "حجة القراءات" 165، "الكشف" 1/ 346، "النشر" 1/ 364.]]. فإن قيل: إن الألف إنما تدخل للفصل بين المِثْلين، واجتماع المِثْلين قد زال ههنا بإبدال الهاء من الهمزة [[في (د): (الهمز).]]، فلا يُحتاج إلى الألف؛ ألا ترى أنَّ من قال: (هَراقَ)، قال: (أُهْرِيق)، ولم يحذف [[(ب)، (ج): (تحذف).]] الهاء مع الهمزة، كما يحذف [[في (ب): (تحذف).]] إذا قال: (أُرِيق)؛ لزوال اجتماع المثلين؟ قيل: إن البدل قد يكون في حكم المُبدَل عنه، ألا ترى أنَّك لو سميت رجلًا: بـ (هَرِق)، لم تصْرفْهُ كما لا تصرفُ مع الهمزة؛ لأن حكم الهاء حكم الهمزة، وكذلك في كثير من المواضع، البَدَلُ يكون في حكم المُبدَلِ عنه. وقرأ أهل الكوفة [[يعني بهم: عاصم، وحمزة، والكسائي، وهم من أهل الكوفة، وقرأ بها كذلك ابن عامر. انظر: "السبعة" 207، "الحجة" للفارسي: 3/ 46.]]: (ها أنتم) [[في (د): (هانتم).]] بالمدِّ في (ها)، وتحقيق الهمزة في (أنتم)، ويكون [[من قوله: (ويكون ..) إلى (.. إدخال الألف بين الهمزتين): نقله مع التصرف عن "الحجة" للفارسي: 3/ 51.]] (ها) في قولهم، حرف التنبيه، ولا يكون الهاءُ بدلًا من همزة الاستفهام، كما يجوز [[في (ج): (لا يجوز).]] أن يكون بدلًا منها في قراءة أبي عمرو؛ ولأنهم [[في (ج): (لأنهم) بدون واو.]] لا يرون إدخال الألف بين الهمزتين. فإن قيل: ما وجه التنبيه [[في (د): (التثنية).]] بـ ﴿هَا أَنْتُمْ﴾ مع أنه لا يُنبَّهُ الإنسان على نفسه، وإنما يُنبَّه على ما أغفله؟. قيل: إنَّ التنبيه [[في (ج): (قيل خرج التنبيه).]] وإن كان على ما أغفله من حاله فإنه يُنبَّه بذكر ما يعلم على ما لا يعلم، فلذلك خرج التنبيه على النفس؛ والمعنى: على حال النفس. وقوله تعالى: ﴿هَؤُلَاءِ﴾. في موضع النداء؛ يعني: يا هؤلاء [[لا يجوز عند البصريين حذف حرف النداء من أسماء الإشارة، وأجازه الكوفيون. انظر: "كتاب سيبويه" 2/ 229، "المقتضب" 1/ 258، "شرح المفصل" 2/ 15، "التبيان" (195)، في الآية وجوه أخرى من الإعراب، استوعبها السمين الحلبي في "الدر المصون" 3/ 240 - 242، وانظر نفس المرجع: 1/ 474 - 478.]]. وقد ذكرنا زيادة بيان عند قوله ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: 119]. وقوله تعالى: ﴿حَاجَجْتُمْ﴾. أي: جادلتم، وخاصمتم [[انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 283، "تفسير الطبري" 3/ 306.]]. ويُسَمَّى الجدال بِحُجَّةٍ أو شبهة: حِجاجًا؛ لأن صاحب الشبهة [[في (ب): (المشبهة).]] يُوهِم أن معه حُجَّة. وقوله تعالى: ﴿فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾. قال السدِّي [[قوله في "تفسير الطبري" 6/ 303 "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 672.]]: هو ما وجدوه في كتبهم، وأنزل عليهم [بيانه] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في: (أ)، وفي (ب): (خبره). والمثبت من: (ج)، (د).]] وقصته [[ونص قول السدي، كما في "تفسير الطبري" (أما الذي لهم به علم: فما حُرِّم عليهم، وما أمروا به، وأما الذي ليس لهم به علم: فشأن إبراهيم). ولعل المؤلف ساقه هنا بمعناه؛ أي: ما وجدوه محرما، وما أمروا له في كتبهم ... الخ.]]. وقال آخرون [[قد يعني بهم: قتادة، وأبي العالية، والربيع، فقد ورد عنهم في معناها: (فبما شهدتم ورأيتم وعاينتم). انظر: "تفسير الطبري" 3/ 306، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 672، والذي شهدوه ورأوه وعاينوه هو أمر النبي ﷺ ورسالته.]]: يعني: في أمر محمد عليه السلام [[في (د): (ﷺ).]]؛ لأنهم كانوا يعلمونه بما يجدون من نعته في كتابهم، وحاجُّوا [[في (ج)، (د): (فحاجوا).]] فيه بالباطل. وقوله تعالى: ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾. أي: لِمَ تجادلون في شأن إبراهيم، وليس في كتابكم أنَّه كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، والله يعلم شأن إبراهيم، وأنه لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا، وأنتم لا تعلمون. فينبغي أن [تلتمسوا] [[ما بين المعقوفين: غير مقروء في (أ). ومثبت من بقية النسخ.]] حقَّهُ من باطله؛ إذ لا تعلمون أنه كان يهوديًّا ونصرانيًّا. ثم بيَّن حال إبراهيم، فقال:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب