الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]. القُرَّاءُ على كسرِ (إنَّ)، إلَّا الكسائي؛ فإنه فتح (أنَّ) [[انظر: "السبعة" 202 - 203، "الحجة" للفارسي 3/ 22.]].
والوجه [[من قوله: (الوجه ..) إلى نهاية قول الله تعالى: (.. والصابرين): نقله عن "الحجة" للفارسي: 3/ 22 بتصرف يسير جدًّا.]]، الكسر [[(الكسر): ساقطة من (ج).]]؛ لأن الكلام الذي قبله قد تمَّ [[في (ج): (قديم).]]، وهذا النحو من الكلام الذي يراد به التنزيه، أن يكون بجُمَلٍ متباينة أحسن؛ من حيث كان أبلغ في الثناء [[في (ج): (البناء).]]، وأذهب في باب المدح؛ ومن ثمَّ جاء: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 177].
فأما وجه قراءة الكسائي، فإن النحويين ذكروا فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون الشهادة واقعة على ﴿إِنَّ الدِّينَ﴾ [[في (ب): (الذين).]]، وفَتح ﴿أَن﴾ في قوله: ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ على تقدير: حذف حرف الجر؛ كأنه قيل: (شهد الله؛ لأنه [[في (ج): (أنه).]] لا إله إلَّا هو، أنَّ الدين عند الله الإسلام). وهذا معنى قول الفرَّاء، حيث يقول [[في "معاني القرآن": 1/ 199، نقله عنه بتصرف يسير جدًّا.]] - في الاحتجاج للكسائي: إن شِئتَ جعلتَ (أنه) على الشرط [[ويعني بقوله (على الشرط)، أي: على العلة، وسماه شرطًا؛ لأن المشروط متوقف عليه، كتوقف المعلول على علته، إلا أنه خلاف اصطلاح النحويين، ولما كان (أنه) على الشرط لم يقع عليه الفعل، وإنما وقع على (أن الدين). انظر: "الدر المصون" 3/ 86.]]، وجعلت الشهادة واقعة على قوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾. وتكون ﴿أَن﴾ [[(أنَّ): ساقطة من: (ج).]] الأولى يصلح فيها الخفض، كقولك: شهد الله بتوحيده، أنَّ الدين عند الله الإسلام.
الوجه الثاني: أنه فتحهما على أن الواو تُراد [[في (ج)، (د): (تزاد).]] في قوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ﴾؛ كأنه قيل: (شهد الله أنه لا إله إلَّا هو: وأنَّ الدين عند الله الإسلام). فيكون قوله [[(قوله): ساقطة من: (ج)، (د).]]: (أنَّ الدين عند الله الإسلام) جملةً استغني فيها عن حرف العطف؛ بما تضمنت من ذكر الأول المعطوف عليه، وهو التوحيد، كما استغني عنه بذلك في قوله: ﴿ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: 22]، ولو كانت (الواو) لكان ذلك حسنًا [[قول المؤلف: (ولو كانت (الواو) لكان ذلك حسنًا) قد يريد به: أن الواو لو كانت ظاهرة في الآية؛ لكان هذا الوجه والتخريج النحوي حسنًا، وقد يفهم كلام المؤلف أن الواو لو كانت في الآية لكان ذلك أفضل من حيث استقامة التركيب، وهذا لا يجوز لأنه يبدو كأنه اقتراح على الله، والقراءات الصحيحة المتواترة قرآن، ودورنا إزاءها أن نذكر الوجوه النحوية لها، لا أن نعترض أو نقترح أو نفضل أو نحبذ. ولذا فإني أرجح أن قصد المؤلف هو الأول، لأنه حاشاه أن يقصد الثاني.]]، كما قال: ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [[ما بين المعقوفين زيادة من: (د).]] [الكهف:22].
الوجه الثالث: وهو مذهب البصريين: أن تجعل (أنَّ) الثانية بدلًا من الأولى، فكأنَّ [[ضعف ابن عطية هذا الوجه في "المحرر الوجيز" 3/ 53، وبين أبو حيان وجه الضعف في هذا التخريج، فقال: "وجه ضعفه أنه متنافر التركيب مع إضمار حرف العطف، فيفصل بين المتعاطفين المرفوعين بالمنصوب المفعول، وبين المتعاطفين المنصوبين بالمرفوع المشارك الفاعل في الفاعلية، وبجملتي الاعتراض، وصار في التركيب دون مراعاه الفصل نحو: (أكل زيد خبزًا وعمرو سمكًا) وأصل التركيب: (أكل زيد وعمرو خبزا وسمكًا .. وإضمار حرف العطف لا يجوز على الأصح): "البحر المحيط" 2/ 408.]] التقدير: (شهد الله أنَّه، أنَّ الدِّينَ عند الله الإسلام). فيكون هذا من الضرب الذي الشيء فيه، هو هو [[وهو ما يسمى: البدل المطابق، أو بدل كلِّ من كل، وهو الذي يساوي المبدل منه في المعنى مساواة تامة.]]، نحو قولك: (ضربت زيدًا نفسَه). ألا ترى أنَّ الدين الذي هو الإسلام، يتضمنُ التوحيد، وهو هو في المعنى.
وإن [[في (ج): (فإن).]] شئت، جعلته مِنْ بدل الاشتمال؛ لأن الإسلام يشتمل على التوحيد [[من قوله: (فكأن ..) إلى (.. يشتمل على التوحيد): نقله عن "الحجة" للفارسي 3/ 23 بتصرف يسير.]]، فيكون كقولك: (ضربت زيدًا، رأسَه) [[انظر هذه التوجيهات، وغيرها لقراءة الكسائي -إضافة إلى ما سبق من مراجع- في: "إيضاح الوقف والابتداء" لابن الأنباري 2/ 572، "معاني القرآن" للنحاس 1/ 370، "القطع والائتناف" له:218، "الحجة" لابن خالويه:107، "المشكل" لمكي 1/ 152، "الكشف" له 1/ 338، "البيان" للأنباري 1/ 195، "الدر المصون" 3/ 83 - 88.]]. فإن قيل: على هذه القراءة، لو جاز إيقاع الشهادة على (أنَّ الدين)، لم يحسن إعادة اسم الله، ولكان: (أنَّ الدين عنده [[في (ج): (عند الله).]] الإسلام)؛ لأن الاسم قد سبق، فالوجه الكِنَايةُ عنه. قيل: إنَّ العرب ربما أعادت الاسم في موضع الكناية [[يعني بـ (الكناية): (الضمير).]]؛ كقول الشاعر:
لا أرى الموتَ، يسبقُ الموتَ شيءٌ [[صدر بيت، وعجزه:
نغَّص الموتُ ذا الغنى والفقيرا
وهو لعدي بن زيد، في "ديوانه" 65. وورد منسوبًا له في "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي: 1/ 36، "أمالي ابن الشجري" 1/ 379، 2/ 6، "الأشباه والنظائر في النحو" للسيوطي: 8/ 30، "الخزانة" 1/ 378، 379، 6/ 90، 11/ 366. وقيل: البيت لسوادة بن عدي، وورد منسوبًا له في "كتاب سيبويه" 1/ 62، والنكت في تفسير "كتاب سيبويه" للشنتمري: 1/ 198، "شرح شواهد المغني" 2/ 876،== "الاقتضاب" 368، وقال في "لسان العرب": (لعدي أو سوادة بن عدي). 8/ 4488 (نغص). وصحح البغداديُّ في "خزانة الأدب" 1/ 381 أن البيت لعدي بن زيد. وورد غير منسوب في "الخصائص" 3/ 53، "إيضاح الوقف والابتداء" 1/ 320، 2/ 694، "شرح أبيات الكتاب" للنحاس: 67، " القطع والائتناف" له: 218، "ضرورة الشعر" للسيرافي 190، "العمدة" لابن رشيق: 686، "البيان" للأنباري: 1/ 63، 122، 144، 379، 2/ 44، 107، "مغني اللبيب"650. والبيت دليل على جواز إعادة الظاهر موضع المضمرة حيث كرر (الموت) في جملة واحدة. فـ (الموت) الأول مفعول لـ (أرى)، و (يسبق الموت) مفعول ثانٍ، وكان ينبغي أن يقول: يسبقه شيءٌ؛ لأن الاسم الظاهر متى احتيج إلى تكرير ذكره في جملة واحدة، كان الاختيار أن يُذكر ضميرُهُ، ولكن التكرير قد يراد به التعظيم والتفخيم. انظر في هذ المعنى "القطع والائتناف" 218، "شرح ديوان الحماسة" 1/ 118، "النكت" للشنتمري: 1/ 197 - 198.]] ومثله كثير [[انظر: "الكتاب": 1/ 61 - 62.]].
فأما المعنى: فقال ابن عباس [[لم أهتد إلى مصدر قوله.]]: افتخر المشركون بآبائهم، فقال كلُّ فريق منهم: لا دين إلَّا ديننا، وهو دين الله منذ بعث الله [[(الله): ليست في: (ج).]] آدَم، فكذبهم الله -تعالى-، فقال: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾، يعني الذي جاء به محمد ﷺ [[(ﷺ): ساقطة من: (ب).]].
وأصل الدين في اللغة: الجزاء. ثم الطاعة تسمى دينًا؛ لأنها [[(لأنها): ساقطة من: (د).]] للجزاء، وكل ما [[في (د): (كلما).]] يطاع الله تعالى به فهو دين [[انظر المعاني السابقة لـ (الدين) وغيرها، في "تأويل مشكل القرآن" 455، "الكامل" للمبرد: 1/ 328، "تهذيب اللغة" 14/ 181، "الأمالي" للقالي: 2/ 295، "والوجوه والنظائر في القرآن الكريم" د. سليمان القرعاوي: 323 - 328. إلا أن ابن فارس جعل أصل (الدين): الانقياد والذل، وجعل كون الدين بمعنى (الطاعة)؛ أن مرد الطاعة إلى الانقياد. وهكذا خرج بقية المعاني الواردة لـ (الدين). انظر: "معجم المقاييس" 2/ 319 (دين).]]، فاليهود يدَّعون أنهم يطيعون [[في (ج): (د): (يطيعونه).]] بما أتاهم به موسى، فذلك دين اليهودية، وكذلك النصارى، وكل فرقة. والمسلمون يطيعونه بما أتاهم به محمد ﷺ، فهو دين الإسلام [[في (د): (دين الله الإسلام).]]، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ ومعنى (الإسلام) في اللغة: الدخول [[من قوله: (الدخول ..) إلى (.. وتابعكم): نقله بنصه عن "تأويل مشكل القرآن" 479.]] في السَّلَمِ؛ أي: في الانقياد والمتابعة. قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ﴾ [[وفي: نسخة (د)، وتأويل المشكل: ورد (السلام) بدلا من: (السلم)، وكذلك هي في مصاحفنا. وما أثبته، وردت به القراءة الصحيحة عن نافع، وابن عامر وحمزة، وكذلك وردت عن عاصم من رواية المفضل عنه، وعن ابن كثير من رواية عبيد عن شبل عنه، ويناسب مع إراده المؤلف من معنى بعده وقرأ بقية السبعة: السلام) بالألف الممدوة انظر: "السبعة" 236، "الكسف" لمكي 1/ 395، "حجة القراءات" لابن زنجلة 209.]] [النساء: 94]؛ أي: انقاد لكم وتابعكم [[انظر: "تفسير الطبري" 5/ 226. وقال الخطابي في "غريب الحديث" 2/ 411:
(السَّلَمُ: الاستسلام) وقال بعد أن أورد آية 94 من النساء بقرأءة (السَّلَم): (أي: من استسلم وأعطى المقادة، وكذلك (الإسلام)؛ إنما هو: الطاعة لله، والانقياد لأمره، وأحدهما مشتق من الآخر). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" 2/ 394، "اللسان" 4/ 2077 (سلم).]].
وقيل: أصله: السِّلْم [[في "اللسان" 4/ 2077 (سلم): (والسَّلْمُ والسِّلْمُ: الصلح. يُفتح ويكسَر وُيؤنَّث ... والسَّلْمُ، والسلام: كالسِّلْم؛ وقد سالمه مُسالَمَة وسلامًا ... والسِّلْم: المُسالِم ... وقوم سِلْمٌ، وسَلْمٌ: مسالمون).]]. فـ (أَسْلَمَ): دخل في السِّلْم؛ كقولهم: (أشْتى)، و (أَقْحَطَ)، و (أرْبَعَ) [[انظر: "تأويل مشكل القرآن" 479، "تفسير الطبري" 3/ 212. وقد يكون المؤلف نقله عنه مع اختصار وتصرف.
وأشتى أي: دخل في الشتاء، وأقحط: دخل في القحط، وأربع: دخل في الربيع. انظر المرجع السابق.]]. وأصل السِّلْم: السَّلامة؛ لأنه انقياد على السلامة.
ثم من [[من قوله: (من الإسلام ..) إلى (قال أسلمت لرب العالمين): نقله بتصرف واختصار عن "تأويل مشكل القرآن" 479.]] الإسلام [[في (ب): (أسلم).]] ما هو متابعة وانقياد باللسان دون القلب، وهو قوله: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [[الإسلام هنا: هو الإسلام بالمعنى اللغوي، وهو: الانقياد بالجوارح دون القلب. وانقياد اللسان والجوارح في الظاهر يُعد إسلامًا لغةً، وفي نفس الوقت يُكتَفى به شرعًا عن البحث عن خبايا القلوب. (وكل انقياد واستسلام واذعان، يسمى: إسلامًا لغةً) والأعراب المذكورون في الآية هم بعض الأعراب؛ لأنه تعالى قال: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: 99] انظر: "أضواء البيان" 7/ 636، 639.]] [الحجرات: 14]؛ أي: انقدنا [[في (د): (أنقذنا).]]؛ من خوف السيف.
ومنه، ما هو متابعة وانقياد باللسان والقلب، وهو قوله: ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، فهذا معنى الإسلام.
وذكر ابن الأنباري [[في "الزاهر" 2/ 203. ولكن المؤلف ينقل قول ابن الأنباري عن "تهذيب اللغة" 2/ 1742 نظرًا لتطابق العبارة مع "التهذيب". وعبارة ابن الأنباري: (المسلم: المخلص لله العبادة، وقالوا: هو مأخوذ من قول العرب: (قد سَلم الشيءُ لفلان): إذا خلص له).]] في المسلم قولًا آخر، وهو: أنَّ المسلم معناه: المُخْلِصُ لله العبادة. من قولهم: (سَلَّمَ الشيءَ لفلان)؛ أي: خلَّصه [[في (أ)، (ب): (خلَّفته). والمثبت من: (ج)، (د). نظرًا لموافقته لما في "الزاهر" و"التهذيب" ولموافقته للمعنى المراد وهو الإخلاص.]] له، و (سَلِمَ له الشيءُ) [[(الشيء): ساقطة من (ج).]]؛ أي: خَلصَ له.
فعلى هذا الإسلام معناه: إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى، وهو التبريء عن الشرك.
وأصله أيضًا من السلامة؛ لأنه يعود إلى أن يُسْلِم دينَه لله، حتى يكون له سالمًا من غير شريك.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾.
معنى الاختلاف في اللغة، هو: ذهابُ أحدِ النَفسَيْنِ إلى نقيض ما ذهب إليه الآخر [[قال الراغب: (والاختلاف والمخالفةُ: أن يأخذ كلُّ واحدٍ طريقًا غير طريق== الآخر، في حاله أو قوله) "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب: ص 294 (خلف). وانظر: "التوقيف" للمناوي 322.]].
والاختلاف في الأجناس: امتناعُ أحدِ الشيئين أن يَسُدَّ مَسَدَّ الآخر.
وأراد بـ ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: اليهود [[وممن قال بأنهم اليهود: الربيع بن أنس، وسعيد بن جبير. وقال محمد بن جعفر بن الزبير: إنهم النصارى. وقال ابن السائب: إنهم اليهود والنصارى. ولفظ ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ يعم الفريقين. انظر: "تفسير الطبري" 3/ 212، "تفسير ابن أبي حاتم" 8/ 612، "النكت والعيون" 1/ 380، "زاد المسير" 1/ 363، "تفسير الفخر الرازي" 7/ 226، "تفسير القرطبي" 4/ 44.]]. قال ابن عباس [[لم أهتد إلى مصدر قوله.]]: يعني: قريظة والنضير وأتباعهم. يقول: لم يختلف اليهود [[(اليهود): ساقطة من: (ب).]] في صدق نبوَّةِ محمد ﷺ لما كانوا يجدونه في كتابهم من نعته وصفته.
﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ قال ابن عباس [[لم أهتد على مصدر قوله.]]: يريد: النبي ﷺ. وعلى هذا؛ سَمَّى النبي ﷺ (العِلْمَ)، وهو يريد المعلوم. والمصدر يقع على المفعول كثيرًا.
والمعنى: أنهم كانوا يصدقونه بنعته وصفته قبل بعثه [[(قبل بعثه): ساقطة من: (د).]]، فلما جاءهم اختلفوا فآمن به بعضُهم، وكفر به الآخرون، فقالوا: لست الذي وُعِدْناهُ [[في (ج) و (د): (وعدنا به).]]، كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: 89].
ويجوز أن يريد بـ (العِلْم): بيان ما جاء في التوراة من نعت محمد ﷺ وصفته، وبيان ما جاء في شأنه.
يعني: أنهم ما اختلفوا إلَّا بعد صحة علمهم بنبوَّتِه، وإذا كان الاختلاف بعد العِلْم، كان ذلك أبلغ في الكفر والعناد، ودليل هذا التأويل قوله في سورة البقرة: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [البقرة: 213].
وقوله تعالى: ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ معنى البغي: طَلَبٌ للاستعلاء [[هكذا ورد (أ). وورد في: (ب)، (ج)، (د): (الاستعلاء). وأثبَتُّ ما في نسخة الأصل؛ نظرًا لِمُوافقته لما سيأتي بعده من طلبهم للرئاسة. وما ذكره المؤلف من معنى (البغي)، إنما هو في موضعه في هذه الآية؛ لأن لـ (البغي) معانٍ عدة، وأصله: مجاوزة الحد. ومن وجوهه: الحسد، والظلم. انظر: "اللسان" 1/ 321 (بغى)، "الوجوه والنظائر في القرآن الكريم" د. القرعاوي 226.]] بالظلم. أخبر الله تعالى عن عِلَّةِ اختلافهم، فقال: فعلوا ذلك طلبًا للرئاسة، وحسدًا له على النُبُوَّةِ. فانتصب [[في (ج)، (د): (وانتصب).]] ﴿بَغْيًا﴾ في قول الأخفش [[في "معاني القرآن" له:1/ 199.]] على تقدير: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [[من قوله: (إلا ..) إلى (.. اختلفوا بغيًا بينهم): ساقط من: (د).]].
وقال الزجَّاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 387، نقله عنه بنصه.]]: والذي هو الأجود؛ أن يكون ﴿بَغْيًا﴾ منصوبًا بما دلَّ عليه: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ﴾. فيكون المعنى: اختلفوا بغيًا بينهم.
قال أبو علي [[في "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني"، له: 1/ 573 - 575. تَصَرّف في بعض عباراته، ونقل بعضَها بالمعنى.]]: وجهُ قولِ الأخفش: أنَّ ﴿بَغْيًا﴾ انتصب [[قوله: (وجه قول الأخفش: أن بغيًا انتصب): ساقط من: (ج).]] على أنه مفعول له؛ أي: للبغي؛ كقولك: (جئتُ مَخافةَ الشرِّ، وابتغاءَ الخير). [قال] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (د).]]:
وأَغْفِرُ عَوْراءَ الكريمِ ادِّخارَهُ [[صدر بيت. وعجزه:
وأصْفَح عن شتمِ اللئيمِ تَكَرُّما
وهو لحاتم الطائي، وهو في: "ديوانه" (ن: دار مكتبة الهلال): 72، وورد منسوبًا له، في "كتاب سيبويه" 1/ 368، "الإفصاح" 279، "شرح المفصل" 2/ 54، "اللسان" 5/ 3165 (عور)، "التصريح بمضمون التوضيح" للأزهري: 1/ 392، "شرح شواهد المغنى" 2/ 952، "الخزانة" 3/ 115، 122. "الجمل" للخليل: 95، "معاني القرآن" للفرَّاء: 2/ 5، "معاني القرآن" للأخفش: 1/ 167، "الكامل" 1/ 291، "المقتضب" 2/ 348، "المحلى" (وجوه النصب)، لابن شقير: 69، "وأسرار العربية" للأنباري: 187، "الاقتضاب" 109.
وورد في بعض المصادر بالروايات التالية: (.. اصطناعه وأعرض عن ذات ..) و (.. اصطناعه وأصفح عن ذات ..) و (.. وأصفح عن شتم ..). ومعنى (أغفر): استُر. و (العَوْراء): الكلمة، أو الفعلة القبيحة، و (الادِّخار)، افتعال من (الذُّخر)، بمعنى: الاتخاذ والحفظ، وأصلها: (اذتخار)، فقلبت التاء ذالًا، وأدْغِمَت فيها الذالُ الأصليةُ، فصارت ذالًا مشدوةً، ثم أبدِلَت الذالُ دالًا. انظر: "اللسان" 3/ 1490 (ذخر)، 5/ 3165 (عور)، 6/ 3274 (غفر). ومعنى البيت: إذا جهل علي الكريمُ بكلمة أو فعلةٍ قبيحة، سترتها عليه، وسامحته، واحتملتها منه؛ للإبقاء على صداقته، ولادِّخاره ليوم احتاج إليه فيه. وإن شتمني اللئيمُ أعرضت عن شتمه والرد عليه؛ إكرامًا لنفسي. والشاهد في البيت: نصب (ادِّخارَه)، و (تكَرُّما) على المفعول لأجله، والأصل فيه: (لادخارِه)، و (للتكرمِ)، فلما حُذِف حرفُ الجرِّ، انتصب الاسمُ.]] ووجه قول الزجَّاج: أنَّه انتصب على المصدر؛ كأنه لمَّا قيل: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ دلَّ [[(دل): ساقطة من: (ج).]] على: (وما بغى [[في (أ)، (ج): (بغا). والمثبت من: (ب)، (د).]] الذين أوتوا الكتاب). فحُمِلَت ﴿بَغْيًا﴾ عليه [[أي أنَّ (بغيًا) مصدر مؤكِّد (مفعول مطلق)، ويكون التقدير: (وما بغى الذين أوتوا الكتاب ... بغيًا). والمعنى بناء على رأي الأخفش: أن الاختلاف بينهم حاصل قبل مجيء العلم وبعده، ولكن سببه بعد مجيء العلم هو البغي، فهو المفعول لأجله. والمعنى على رأي الزجاج: أن الخلاف بينهم حصل بعد مجيء العلم فقط وسببه البغي. هذا والله أعلم.]]. فإن قيل: ما الفصل [[في (ب): (الفعل).]] بين ما ينتصب على المصدرة نحو: ﴿صُنْعَ الله﴾ [[وقد انتصبت (صُنْعَ) بفعلٍ مضمرٍ دلَّ عليه ما قبله؛ لأن معنى الجملة: (صَنَعَ اللهُ ذلك صُنْعًا)، أو (صنع صنعًا، الله). ثم أضاف المصدر إلى الفاعل. ويجوز نصبها على الإغراء؛ أي: (انظروا صنع اللهِ). ولكن ليس هذا الوجه محل الشاهد. انظر: "إعراب القرآن" المنسوب للزجاج: 2/ 768، "إعراب القرآن" للنحاس: 2/ 536، "البيان" للأنباري: 2/ 228.]]، وما ينتصب على أنَّه مفعول له؛ نحو: (ادِّخاره)، وبابه؟
فالقول: إنَّ الجميع وإن كانا يجتمعان في أنهما ينتصبان عن تمام الكلام؛ فالمفعول له؛ معناه: الإخبارُ بالغرض الذي من أجله فُعِل الفعلُ، والسبب له. والعامل فيه؛ هو هذا الفعل [[في (د): (السبب).]] الظاهر.
وأما [[في (د): (فأما).]] المصدر: فالنحويون يُسَّمونه مفعولًا مطلقًا؛ لأن الفاعل أحدثه.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾. هذا شرطٌ وجوابُ، يتضمن وعيدًا لليهود الذين كفروا بمحمد ﷺ. وذكرنا معنى ﴿سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ في سورة البقرة [[انظر تفسير آية: 202 من سورة البقرة.]].
{"ayah":"إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق