الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ الآية.
اختلفوا في سبب نزول هذه الآية:
فقال الكَلْبيُّ [[قوله في: "بحر العلوم" 1/ 318، و"تفسير الثعلبي" 3/ 159 أ، و"أسباب النزول" للمؤلف 136، و"تفسير البغوي" 2/ 140، و"تفسير القرطبي" 4/ 288.
وأورد هذا القول ابنُ الجوزي في "الزاد" 1/ 510 ونسبه لابن عباس.
ونحو هذا القول، قال السُّدِّي. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 188، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 824.]]: قال المشركون للنبي ﷺ: ما بَالُكَ تَزْعُمُ أن الرَّجلَ مِنْ أهلِ النار، حتى يَدْخُلَ في دِينِكَ، فإذا انتقل إلى دينك، ادَّعَيْتَ أنه من أهل الجَنَّةِ، فينبغي أنْ تُعَرِّفَنَا الذي يَنتَقِلُ، قبل أن ينتَقِلَ.
فأنزل الله -تعالى- مجيبًا لهم-: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ أي: ما كانَ اللهُ لِيَدَعَ المؤمِنَ [[في (ج): (المؤمنين).]]، على ما عليه الكافرُ [[في (ج): (الكافرين).]]. وأَعْلَمَ أنَّ حُكْمَ مَنْ كَفَر، أن يقال: أنه مِن أهل النار، ومَنْ آمَنَ: فهو من أهل الجَنَّة.
ومعنى: ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ -على هذا التفسير-: حتى يُفَرِّقَ بين المؤمن والكافر؛ بالحُكْمِ لِلْمُؤْمِنِ بالجَنَّةِ، ولِلكافر بالنار.
والخِطاب في قوله: ﴿أَنتُمْ﴾ -على هذا الوجْهِ-، للمشركين.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ أي [[أي: ساقطة من (ج).]]: وما كان اللهُ لِيُخْبِركم بإسلامِ مَنْ يُسْلِم قبل أن يُسْلِم؛ فَيَدُلكم على غَيْبِهِ؛ وذلك أنهم سألوا أن يُعرَّفوا ذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾: أي: يختارُ مِنَ الرُّسُل مَن يشاء بالغيب، فيُطْلِعُه على بعض عِلْمِ الغيب؛ كقوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن:26 - 27]، الآية.
قال الزّجاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 492. نقله عنه بتصرف يسير.]]: وإنما يُطْلِعُ الرسلَ على الغيب؛ لإقامة البرهان في أنهم رُسُلٌ، وأنَ ما أتَوا به مِن عند الله.
ومعنى قوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾؛ أي: بالغيب. فَحذف ذلك للعلم به؛ وذلك لاستثناء الرسولِ مِمَّن لا يُطلَعُ على الغيب.
وهذا [[يعني بـ (هذا): ما قاله الكلبيُّ في سبب نزول الآية، وما يترتب عليه في كون الخطاب فيها للمشركين.]] قول جماعةٍ مِنَ المفسرين [[منهم: مقاتل، في "تفسيره" 1/ 317 - 318.]]، واختيار الفرّاء [[في "معاني القرآن" له 1/ 248.]] والزّجاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 492.]]. والآية مطَّرِدَة على هذا التفسير.
وقال مجاهد [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 187، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 824، و"النكت والعيون" 1/ 439.]]، ومحمد بن إسحاق [[قوله في: "سيرة ابن هشام" 3/ 75، و"تفسير الطبري" 4/ 187.]]: نزلت الآية في المنافقين، وتمييزهم عن المؤمنين، و-على هذا التفسير- الخطابُ للمؤمنين في قوله: ﴿أَنْتُمْ﴾، رَجَعَ من الخَبَر عن المؤمنين إلى مخاطبتهم.
ومعنى الآية: ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين، على ما أنتم عليه مِن التباسِ المنافقِ بالمؤمنِ، والمؤمن بالمنافق، حتى يُمَيِّزَ الخبيثَ من الطَّيِّب، أي: المنافقَ مِنَ المُؤمِنِ.
قال مجاهد [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 187، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 824، و"النكت والعيون" 1/ 439.]]: فَمَيّزَ الله المؤمنين يومَ أحد مِنَ المنافقين؛ حيث أظهروا النفاقَ، وتَخَلَّوا عن رسول الله ﷺ.
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ فتعرفوا المنافقَ من المؤمنِ قبل التمييز، ولكنَّ اللهَ يختار بمعرفة [[في (ج): (بمعرفته).]] ذلك مَنْ يَشَاء مِنَ الرُّسُلِ.
قال ابن عباس [[لم أقف على مصدر قوله.]]: يريد: أنت يا محمد ممن اصطفيتُهُ وأطلعته على هذا الغيب.
وهذا معنى قول السُّدِّي في هذه الآية، فإنه قال في سبب نزولهما ما يُشاكِل هذا التفسير، وهو أنه قال: قال رسول الله ﷺ: "أُعْلِمْتُ مَنْ يُؤْمِنُ بي وَمَنْ لا يُؤمِنُ" فَبَلَغَ ذلك المنافقينَ، فاستهزؤوا، وقالوا: كيف، ونحن معه لا يعرفنا؟! فأنزل الله هذه الآية [[الحديث أورده -غير مسند-: الثعلبي في "تفسيره" 3/ 159 ب. ونَصُّه عن الثعلبي: (قال السدي: قال رسول الله ﷺ: "عُرِضت علي أمتي في صورها، كما عُرِضت على آدم، وأعْلِمتُ مَن يُؤْمِنُ بي ومن يكفر". فبلغ ذلك المنافقين، فاستهزؤوا، وقالوا: زعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر، ممن لم يُخلَق بعد، ونحن معه ولا يعرفنا. فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فقام على المنبر خطيبًا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "ما بال أقوام جهَلوني، وطعنوا في علمي، لا == تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إلا أنبأتكم به" فقام عبد الله بن حذافة السهمي، فقال: يا رسول الله. من أبي؟ قال: "حذافة". فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله ﷺ، رضينا بالله ربا وبالإسلام دينًا وبالقرآن إمامًا وبك نبياً فاعف عنا، عفا الله عنك. فقال النبي ﷺ: "فهل أنتم منتهون؟ هل أنتم منتهون؟ " ثم نزل عن المنبر. فأنزل الله -تعالى- هذه الآية ..).
والأثر طويل، وله عنده بقية، وأورده -كذلك- المؤلف في "أسباب النزول" 136، والبغوي في "تفسيره" 2/ 141، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 510، وكلهم نسبه للسدي، عن رسول الله ﷺ.
ولم أقف عليه في مصادر أخرى بهذا النص، وإنما ورد بنص آخر -من رواية حذيفة بن أسيد- "عُرضت علي أمتي البارحة، لَدُنْ هذه الحجرة، حتى إني لأعْرفُ بالرجل منهم، من أحدكم بصاحبه". فقال رجل من القوم: يا رسول الله، هذا عُرِض عليك مَنْ خُلِق منهم، أرأيت من لم يُخلَق؟. فقال: "صُوِّروا لي، فوالذي نفسي بيده، لأنا أعْرَفُ بالإنسان منهم بصاحبه".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" 3/ 181 رقم (3054، 3055)، والديلمي في "مسند الفردوس" 3/ 66 رقم (4185)، وأورده السيوطي في "الجامع الصغير" وزاد نسبته للضياء المقدسي، ورمز له بالصحة. (انظر: "فيض القدير" 4/ 414). وقال الهيثمي: (رواه الطبراني، وفيه زياد بن المنذر، وهو كذاب). "مجمع الزوائد"10/ 69. وحكم عليه الألباني بالضعف في ضعيف "الجامع الصغير" 4/ 29 رقم (3703).
وهذه الرواية تختلف عما أورده الثعلبي في تفسيره، وليس فيه أنه سبب نزول الآية، ولا متعلق له بهذه الآية.
كما أخرج البخاريُ حديثًا آخر من رواية أنس، نحو ما أورده المؤلف، ونصه: "سألوا النبي ﷺ حتى أحفَوْهُ بالمسألة، فصعد النبي ﷺ ذات يوم المنبرَ، فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم، فجعلت أنظر يمينًا وشمالًا فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يُدعى إلى غير أبيه، ومَال: يا نبي الله من أبي؟ فقال: أبوك حذافة. ثم أنشأ عمرُ فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولًا. نعوذ بالله من سوء الفتن، فقال النبي ﷺ: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قطّ، إنما صورت لى الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط). قال =]].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا [[هكذا في (أ)، (ب)، (ج). والأصوب أن يكون (هذان) إلا أني أبقيت (هذا) لاحتمال أن يريد بـ (هذا): ما سبق من قول في الآية.]] وجهان من التفسير لهذه الآية.
وقيل فيه وجه ثالث من التفسير، وهو: إن الخطاب للمشركين والمنافقين واليهود [[في (ج): (ولليهود).]] في قوله: ﴿أَنْتُمْ﴾ [[(أنتم): ساقطة من (ج).]]؛ والمراد بـ (المؤمنين) [[(المؤمنين): ساقطة من (ج).]] في قوله: ﴿لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: الذين هم [[(هم): ساقطة من (ج).]] في أصلاب الرجال من المشركين، وأرحام النساء من المشركات، ممن يؤمنون.
ومعنى الآية: ما كان الله لِيَدَعَ أولادَكُمْ الذين جرى لهم الحكمُ بالإيمان، على ما أنتم عليه من الشِّرْك، حتى يُفَرِّق بينكم وبين مَن في أصلابكم، وأرحام نسائِكم من المؤمنين.
وهذا قول الضّحاك [[قوله، في "تفسير الثعلبي" 3/ 160 ب، و"تفسير البغوي" 2/ 141. وورد في "بحر العلوم"، عنه: (إن المنافقين أعلنوا الإسلام، وأسروا الكفر، وصلوا وجاهدوا مع المؤمنين، فأحب أن يُمَيِّز بين الفريقين، وأن يَدُلَّ رسول الله على سرائر المنافقين، فقال: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾. يعني: المنافق من المؤمن) 1/ 319.
ورد في: "زاد المسير" 1/ 510 عن الضحاك، أن المخاطب في هذه الآية: الكفار والمنافقون.]]، وابن عباس في رواية عطاء [[لم أقف على مصدر قوله وفق سياق المؤلف. والذي ورد عن ابن عباس -من == رواية علي بن أبي طلحة-، قال: (يقول للكفار: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ من الكفر، ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ فيميز أهل السعادة من أهل الشقاوة). "تفسير ابن أبي حاتم": 3/ 824 - 825.
وكون الخطاب في الآية للكفار والمنافقين -وفق المعنى الذي ذكرته عن ابن عباس سابقًا-، قال عنه الثعلبي: (هو قول: ابن عباس والضحاك ومقاتل والكلبي، وأكثر المفسرين). "تفسيره" 3/ 160 أ.]].
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾، لا يتعلق بأوَّلِ الآية في المعنى -على هذا التفسير-، ولكن معناه: إنه أَخْبَرَ ابتداءً، أنه لا يُطلِعُ أحدًا على عِلْمِ الغيب؛ لأنه لا يعلمه أحدٌ غيرُه، ولكن يجتبي مِن رُسُلِهِ مَنْ يَشاء، فَيُطْلَعَ على بعض عِلْمِ الغَيْب.
وقيل في سبب نزول قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾: إنّ المشركين أنكروا نُبُوَّةَ محمد ﷺ، وقالوا: ما بالنا نحن لا نكون أنبياء، فإنَّا أكثرُ أموالًا وأولادًا؟ فأنزل الله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾؛ أي: لم يكن ليوحي إليكم فيجعلكم بمنزلة الرُّسُل، بظنِّكُم عند أنفسكم أنكم مستحقون ذاك [[في (ج): (ذلك).]]، بل يُنَبِّئ [[في (ج): (ينبأ).]] مَنْ يَراهُ أهلًا للخصوصية والتشريف.
وهذا معنى قولِ أبي إسحاق [[في: "معاني القرآن" له 1/ 492. ولكن هذا القول، ليس مما تبناه الزجاج، وإنما أورده بصيغة (قيل). فقد ذكر أولا قول الكلبي -الذي ذكره المؤلف-، وصدره بقوله: (يروى في التفسير)، ثم ذكر هذا القول، قائلًا: (وقد قيل في التفسير ..) وذَكَره.]]، وابن الأنباري [[لم أقف على مصدر قوله.]]. قال ابن الأنباري: وأوَّلُ الآية يدل على هذا، ويمكن حمله على هذا التفسير؛ وهو: أنهم أنكروا نُبُوَّةَ محمد، وما يدعوا إليه مِنْ تَرْكِ دينِ الآباءِ والأجداد. فأعلم الله -تعالى- أنه لم يكن لِيَدَعَ المؤمنين على ما عليه الكفارُ مِنَ العَمَى والحَيْرة، حتى يَنْتاشَهم [[ينتاشهم؛ أي: يستخرجهم. وأصلها من: (النَتْش)، وهو: نتف اللحم، وجذبه قرصًا، واستخراج الشوكة ونحوها. ويقال للمنتاش: استخرجه.
انظر (نتش) في: "اللسان" 7/ 4336، و"القاموس" (606).]] ويستنقذهم من المهالك، بإرساله محمدًا ﷺ، وإعطائه [[في (أ)، (ب)، (ج): وأعطاه. والمُثبَت هو ما استصوبته.]] إيَّاه مِنَ الدَّلائِلِ ما يكَون عَلَما لِصِدْقِهِ، وسببًا لانقياد [[في (ب): (للانقياد).]]، [الناس] [[ما بين المعقوقين زيادة من (ج).]] إلى متابعته.
فهذه أربعة أوجُهٍ مِنَ التفسير، في هذه الآية.
فقوله: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ﴾، هذه اللام يُسمِّيها بعضُ أهل النحو، لامَ الجَحْد؛ كما تقول: (ما كنت لأفعل ذلك) [[انظر: "اللامات"، للزجاجي 68، و"المحلى" لابن شقير 228. وهي عند الكوفيين حرف زائد، يدخل لتقوية النفي، ويرى النحاس أن الصواب تسميتها (لام النفي)؛ لأن الجحد في اللغة إنكار ما تعرفه، لا مطلق الإنكار. انظر: "المغني" لابن هشام 278.]]. وهي في تأويل (كي)؛ ولذلك نَصَبَتْ ما بعدها.
وذكرنا الكلام في (يَذَر) عند قوله: ﴿وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [[سورة البقرة: من الآية: 234 ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ ، والآية:240 ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾]].
قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَمِيزَ﴾.
فيه [[(فيه): ساقطة من (ج).]] قراءتان: التشديد والتخفيف [[قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر: ﴿يَمِيزَ﴾ بفتح الياء الأولى، وكسر الميم مع التخفيف.
وقرأ حمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف: ﴿يُمَيز﴾ -بضم الياء الأولى، وفتح الميم مع التشديد.
انظر: "السبعة" 220، و"الحجة"، للفارسي 3/ 110، و"المبسوط" لابن مهران 149 - 150.]]. وهما لغتان. يقال: (مِزْتُ الشيءَ بَعْضَهُ عن بَعْض)، فأنا (أمِيزُهُ مَيْزًا)، و (مَيّزْتُهُ تمييزًا) [[أي: عزلته، وفرزته، وخلصته
انظر: "علل القراءات" للأزهري 1/ 133، و"المجموع المغيث" 3/ 248، و"اللسان" 7/ 4307 (ميز).]]. ومنه الحديث: "مَن مَازَ أذًى عن طريق، فهو له صدقة" [[الحديث من رواية أبي عبيدة بن الجراح، أخرجه: أحمد في "المسند" 1/ 159 -
196، والخطابي في "غريب الحديث" 3/ 127.
وأورده ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" 4/ 380، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 300، وزاد نسبة إخراجه لأبي يعلى، والبزار، وقال: (وفيه يسار بن أبي سيف، ولم أر من وَثَّقه، ولا من جرحه، وبقية رجاله ثقات).
قال البنا في: "الفتح الرباني" 19/ 197 - معلقًا على كلام الهيثمي-: (الظاهر أن النسخة التي وقعت للحافظ الهيثمي فيها يسار -بالياء التحتية، والسين المهملة-، وهو خطأ؛ ولذلك لم يجد له ترجمة، والصواب بشار بالباء الموحدة، والشين المعجمة-، كما جاء في نسختنا. وفي "تقريب التهذيب": بشار بن أبي سيف الجَرمي -بفتح الجيم- الشامي، نزل البصرة، مقبول).
ولفظه -عند أحمد-: (مَن أنفق نَفَقَة فاضلة في سبيل الله، فبسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله، أو عاد مريضًا، أو مَازَ أذًى، فالحسنة بعشر أمثالها، الصوم == جُنَّة ما لم يَخرْقها، ومَن ابتلاه ببلاءٍ في جَسَدِهِ فَهو له حِطَّة).
ومعنى (مَازَ): نحَّى وأزال.]].
وقال الشاعر:
تنفِي رُضَاضَ الحَصَا مَنَاسِمُها ... كَمَا يَمِيزَ الزُّيُوفَ مُنْتَقِدُ [[لم أهتد إلى قائله.
رُضَاض الحصا: فُتَاتُه. انظر: "اللسان" 3/ 1659 (رضض).
المناسم: جمع (مَنْسِم)، وهو: طرف الخُفِّ من: البعير والنعامة والفيل والحافر. انظر: "اللسان" 7/ 4415 (نسم).
والمُنْتَقِد: الصيرفي الحاذق، الذي يميز الدراهم الصحيحة من الزائفة.]]
و (التمييز) [[من قوله: (والتمييز ..) إلى (.. فعوض وعاض لغتان): نقله -بمعناه- عن "الحجة" للفارسي 3/ 111 - 113.]] ليس بمنقول بالتشديد عن (المَيْز)؛ كـ (التَّغْرِيم) مِنَ (الغرْم)؛ لأنه لو كان منقولًا لَتَعدَّى إلى مفعولين؛ كـ (التغريم)؛ فإنه [يقال] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). وساقط من (ب). والمثبت من (ج).]]: غَرَّمْتُ زيدًا مالًا. و (التمييز) لا يتعدّى إلى مفعولين إلّا بحرف جرٍّ؛ نحو قولك: (مَيَّزت مَتَاعَكَ بعضَه من بعض).
ومثل [[في (ج): (ومثلى).]] (مَيَّز) -في أنّ التضعيف فيه ليس للنقل والتعدّي- قولُهم: (عَوَّض)، فهو بمعنى (عاض). ولو كان التضعيف فيه للنقل؛ لَتَعدّى إلى ثلاثة مَفْعولِينَ [[في (ب): (مفاعيل).]]؛ لأن (عاض) يَتَعدَّى إلى مَفْعولَيْنِ، فـ (عَوّضَ) و (عاض) لُغَتَان.
وحجّة مَن قَرَأ بالتخفيف: أنَّه يَصْلُح للقليل والكثير؛ لأن (المَيْز) كـ (التميِيز)، سَوَاء، وهو -مع ذلك- خفيف في اللفظ. وإذا اجتمعت خِفَّةُ اللفظ مع استيعاب المعنى، كان المصير إليه أَوْلى.
وحكى أبو زيد، عن أبي عمرٍو، أنه كان يقول [[لم أقف على مصدر قوله. وقد ذكره -بمعناه- ابنُ زنجلة في: "حجة القراءات" 182.]]:
التشديد للكثرة، فأما واحدٌ مِن واحدٍ فـ (يَمِيز) -بالتخفيف-. والله -تعالى- يقول: ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾، فَذَكَر شيئين. و-هذا- كما قال بعضهم [[ذكر الثعلبي والقرطبي هذا القائل، وهو: أبو معاذ، الفضل بن خالد المروزي، أحد كبار علماء النحو، قال السيوطي: (وذكره ابن حبان في الثقات، وصنف كتابًا في القرآن). توفي سنة (211 هـ). انظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 160 أ - ب، و"تفسير القرطبي" 4/ 289، و"بغية الوعاة"، للسيوطي 2/ 245.]] في (الفَرْق) و (التَّفرِيق) [[في "تفسير الثعلبي" 3/ 160 أ، (ومثله، إذا جَعلتَ الواحدَ شيئين، قلت: (فَرَقْتُ بينهما)، ومنه: (فَرْقُ الشَّعْرِ). فإن جعلته أشياء، قلت: (فَرَّقتْه تفريقًا). وانظر: "تفسير القرطبي" 4/ 289.]].
وحجّة من قرأ بالتشديد: أن التشديد للتكثير والمبالغة، ويِكثر المؤمنون والمنافقون. فالتمييز -ههنا- أَوْلى، والله -تعالى- ذَكَرَ الجِنْسَيْنِ بلفظ ﴿الْخَبِيثَ﴾ و ﴿الطَّيِّبِ﴾ وهما للجِنْس؛ فالمراد بهما: جميع المؤمنين والمنافقين، لا اثنان منهما. وقد قال الله -تعالى-: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [الملك: 8]. وهذا مُطَاوع [(التَّميِيِز). والذي يدل على [[وردت العبارة في (ج): (والذي يدل من التميين على ..). ولم أر لها وجهًا. والعبارة ساقطة من: (أ)، (ب). وما أثبتُّه هو ما استصوبته.]] أن التخفيف أولى، قولُه: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ﴾ [يس: 59]، وهو مُطاوع] [[ما بين المعقوفين: زيادة من (ج).]] (المَيْز).
وقوله تعالى: ﴿لِيُطْلِعَكُمْ﴾.
الإطْلاعُ: أن تُطلِعَ إنسانًا على أمرٍ، لم يكن عَلِمَ [[في (ج): (يعلم).]] به. فيقال [[في (ج): (فيقال).]]: (أطلعته على كذا)؛ أي: أعلمته. ويقال: (أطْلِعْنِى طِلْعَ أمْرِكَ)؛ أي: أعلمني بما خَفِيَ منه عَلَيَّ [[في (ج): (خفي علي منه).]].
ويقال: (طَلَعْتُ على كذا)، و (اطَّلَعتُ)، و (أطْلَعْتُ عليه) [[(وأطلعت عليه): ساقطة من (ج).]]، و (أطْلَعْتُ غيري) [[انظر (طلع) في: "تهذيب اللغة" 3/ 2206، و"اللسان" 5/ 2689.]]. فـ (الاطلاع)، واقعٌ ومُطاوع [[سبق بيان أن الفعل الواقع، هو: المتعدِّي إلى مفعول به أو أكثر. وسُمِّي بذلك؛ لأنه يقع على المفعول به.
أما الفعل المُطَاوع، فيعني به -هنا- الفعل اللازم؛ لأن المطاوعة سبب من أسباب لزوم الفعل المتعدي لواحد.
انظر: "معجم المصطلحات النحوية والصرفية" د. أحمد اللبدي 141.]].
{"ayah":"مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِیَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَنتُمۡ عَلَیۡهِ حَتَّىٰ یَمِیزَ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَیۡبِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَجۡتَبِی مِن رُّسُلِهِۦ مَن یَشَاۤءُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق