الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ الاستبشار: السرور بالبِشَارَةِ [[في (ج): (بمنزلة البشارة). بدلًا من (السرور بالبشارة).]] يُبَشَّرُ بها. وأصل الاستفعال: طَلَبُ الفعل. فالمستَبْشِر بمنزلة الذي طَلَبَ السُّرُورَ فوجده بالبِشَارَةِ [[يرى ابن عطية أن (استفعل) -هنا- ليس بمعنى: طلب البشارة، بل بمعنى الفعل المجرد، مثل: (استغنى الله) أي: غَنيَ. وقد ورد في اللغة: (بَشِرَ، واستبشر)، بمعنى واحد، وهو: فَرِح. إلا أن أبا حيان يرى أن هذا المعنى لا يتعين، وأجاز أن يكون (استبشر) فعلًا مطاوعًا لـ (أبشر)؛ أي: أبشره الله، فاستَبْشَر؛ كقولهم: (أكانه الله فاستكان)، و (أراحه فاستراح). واستظهر أبو حيان هذا؛ لأن المطاوعة تدل على الانفعال عن الغير، فحصلت له البشرى بإبشار الله له بذلك، ولا يلزم المعنى إذا كان بمعنى الفعل المجرد لعدم دلالته على المطاوعة. انظر: "المحرر الوجيز" 3/ 221، و"لسان العرب" 1/ 287 (بشر)، و"البحر المحيط" 3/ 115.]]. وفي هذا ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم يفرحون بإخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء، يقولون: إخواننا يُقْتَلُونَ كما قُتِلْنَا، فَيُصِيبونَ مِنْ كَرَامَةِ الله ما أَصبْنَا. وهذا قول: الحَسَن [[لم أقف على مصدر قوله.]]، وابن جريج [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 174، و" النكت والعيون" 1/ 437.]]، وقتادة [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 174، و"زاد المسير" 1/ 502.]]، واختيار الفرّاء [[في "معاني القرآن" له 1/ 247. نقله عنه بتصرف يسير. وهو -كذلك- قول: الربيع، وابن إسحاق، وابن زيد. أخرجه عنه الطبري وذهب إليه. انظر: "تفسيره" 4/ 174 - 175، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 814 - 815.]]، فإنَّهُ قال: وَيَسْتَبْشَرُونَ بإخوانهم الذين يرجون لهم الشهادة، للذي [[في (ج): للذين.]] رَأَوا مِنْ ثواب الله، فهم يستبشرون بهم. والثاني: يستبشرون بإخوانهم الذين لم يلحقوا بهم في الفضل؛ لأنهم لم يُقْتَلُوا في سبيل الله، إلا أنّ لهم فضلًا عظيمًا بتصديقهم النبي [ﷺ] [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج).]]، وإيمانهم بالله، عَلِمُوا ذلك بإعلام الله إيَّاهم، [أن] [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج).]] أولئك الإخوان الذين خَلَّفُوهم في الدنيا، هم مرحومون عند الله، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فالشهداء يفرحون بذلك ويستبشرون. وهذا القول، اختيار أبي إسحاق [[في "معاني القرآن" له 1/ 489. ونسبه الفخر الرازي -كذلك- لأبي مسلم الأصفهاني. انظر: "تفسير الفخر الرازي" 9/ 97.]]. القول الثالث: ما قاله السُّدِّي [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 175، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 814، و "تفسير الثعلبي" 3/ 149أ، و"النكت والعيون" 1/ 437، و"زاد المسير" 1/ 502.]]: وهو أن الشهيد يؤتى بكتاب فيه ذِكْرُ [[من قوله: (فيه ذكر ..) إلى (.. عليك فلان): ساقط من (ج).]] مَنْ يَقْدَمُ [[في (ب): (تقدم).]] عليه من إخوانه، فَيُقَال: يَقدَمُ [[في (ب): (تقدم).]] عليك فلانٌ يومَ كذا، وفلانٌ يوم كذا، فَيَسْتَبْشِرُ [[في (ج): (فيستبشرون).]] بهم حين يقدمون عليه، كما يستبشر أهلُ الغائب بقدومه في الدنيا. وقوله تعالى: ﴿أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ [[(ألا): كتب في (أ)، (ب)، (ج): (أن لا). وأثبتُّها وفق رسم المصحف.]] موضع (أنْ): خفض، لأن المعنى: بأنْ لا خوف عليهم. هذا قول الخليل [[انظر مذهبه في "معاني القرآن"، للزجاج 1/ 309 عند تفسير ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ [البقرة: 23].]]، والكسائي [[انظر مذهبه في "معاني القرآن" للفراء 1/ 148، و"معاني القرآن" للزجاج 1/ 309.]]، والزجاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 489. وقد ذكر الزجاج -موضحًا مذهب الكسائي والخليل- عند قوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ [البقرة: 230]، أن موضع ﴿أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ خفض على إسقاط (في)، ومعنى إرادتها في الكلام .. ثم قال: والحذف مع (أن) سائغ؛ فلهذا أجاز الخليل وغيره أن يكون موضع جر على إرادة (في). "المعاني" 1/ 309. وعلى غرار هذا المثال يأتي قوله تعالى: ﴿أَلَّا خَوْفٌ﴾ على إرادة الباء، فتصير: (بأن لا خوف ..) كما ذكر المؤلف. وتعرب -كذلك- بدل اشتمال من (الذين)؛ أي: يستبشرون بعدم خوفهم وحزنهم، لأنه هو المستبشر به في الحقيقة، أما الذوات فلا يستبشر بها. انظر: "إعراب القرآن" المنسوب للزجاج 2/ 581، و"البحر المحيط" 3/ 115، و"الدر المصون" 3/ 486.]]. ويجوز أن يكون نصبًا، على أنه لَمَّا حُذف الجارُّ، نُصبَ بالفعل، كما قال: أمرتك الخيرَ ......... [[مقطع من بيت شعر، وتمامه: أمَرْتُكَ الخيرَ فافعلْ ما أمِرْتَ به ... فقد تَرَكْتُك ذا مَالٍ وذا نَشَبِ وقد اختلف في نسبته، فنسب لعمرو بن معديكرب، ولخُفاف بن نُدْبة، ولزرَعة بن خفاف، وللعباس بن مرداس، ولأعشى طرود. فقد ورد في: "شعر عمرو بن معد يكرب" 63. ونسبته له المصادر التالية: "كتاب سيبويه" 1/ 37، و"الأصول في النحو" 1/ 178، و"المخصص" 14/ 71، و"أمالي ابن الشجري" 2/ 558، و"شرح شواهد المغني" 2/ 727، و"الخزانة" 9/ 124. وورد في: "شعر خفاف بن ندبة السُّلمي" 126. ونسب لزرعة بن خفاف انظر: "خزانة الأدب" 1/ 339، 342، 343. وورد في "ديوان العباس بن مرداس" 131. ونسب لأعشى طرود في: "المؤتلف والمختلف" للآمدي 17، و"الخزانة" 1/ 342، 343. وروايته عند الآمدي: (أمرتك الرُّشْد ..) وقال الآمدي: (ويروى: بالسين المهملة)؛ أي: (وذا نسب). وورد غير منسوب في: "الكامل" للمبرد 1/ 33، و"المقتضب" 2/ 36، 86؛ 321، و"اللامات" 139، و"المحتسب" 1/ 51، 272، و"الإفصاح" للفارقي 127، 270، و"أمالي ابن الشجري" 2/ 133، و"شرح المفصل" 2/ 44، 8/ 50، و"البسيط في شرح جمل الزجاجي" 426، و"شرح شذور الذهب" 443. والنشب: المال الأصيل، المنقول منه والثابت. انظر (نشب) في: "القاموس" 137، و"المعجم الوسيط" 928.]]. أي: بالخير. وهذا هو القياس [[أو إنها مفعول لأجله، بتقديرِ: لأنهم لا خوف عليهم. انظر: "التبيان" ص 220.]]. وقد مضت هذه المسألة فيما تقدم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب