الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾. في محل ﴿الَّذِينَ﴾ ثلاثةُ أوْجُهٍ: أحدها: النصب على البدل من ﴿الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ [[وهناك وجهان آخران للنصب، هما: النصب على الذمِّ؛ إي: أذم الذين قالوا .. ؛ أو بإضمار (أعني)، أو النصب على الصفة ﴿الَّذِينَ نَافَقُوا﴾.]]. و [[الواو زيادة من (ج).]] الثاني: الرفع على البدلِ من الضمير في ﴿يَكْتُمُونَ﴾ [[في (ج): (بلتون).]]. الثالث: الرفع على خبر الابتداء، بتقدير: (هم الذين) [[وهناك وجه ثالث، للرفع، وهو: أنه مبتدأ. والخبر: ﴿قُلْ فَادْرَءُوا﴾. على تقدير: قل لهم فادرءوا.= ويجوز -كذلك- الجرُّ في موضع ﴿الَّذِينَ﴾، إما على أنه بدل من الضمير في ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾، أو من الضمير في ﴿قُلُوبِهِمْ﴾. انظر هذه الوجوه في: "إعراب القرآن" للنحاس 377، و"مشكل إعراب القرآن"، لمكي 1/ 178، و"البيان" للأنباري 1/ 230 - 231، و"التبيان" للعكبري ص 219، و"الفريد في إعراب القرآن المجيد" 1/ 658، و"الدر المصون" 3/ 479.]]. والمراد بـ ﴿الَّذِينَ قَالُوا﴾: عبد الله بن أُبَيّ، وأصحابه [[هذا قول: جابر بن عبد الله، وابن عباس، وقتادة، والسدي، وابن جريج، والربيع، ومقاتل، والماوردي. انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 312، و"تفسير الطبري" 4/ 169 - 170، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 811، و"زاد المسير" 1/ 498، و"الدر المنثور" 2/ 167.]]. وقوله: ﴿لِإِخْوَانِهِمْ﴾، أكثر المفَسِّرينَ [[منهم: مقاتل، وابن إسحاق، والطبري، والثعلبي. انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 312، و"سيرة ابن هشام" 3/ 72، و"تفسير الطبري" 4/ 169، و"تفسير الثعلبي" 3/ 144 ب.]] على أنَّ المرادَ بِهِ شهداءُ أُحُد، قالوا فيهم: لو أطاعونا في القعود بالمدينة، والانصراف عن رسول الله ﷺ، بعد الخروج، ما قُتِلوا. وعلى هذا؛ المراد بـ (الأخُوَّةِ) -ههُنا-: أخُوَّةُ النَّسَبِ، لا أخوَّةُ الدِّين [[قال مقاتل: (كقوله سبحانه: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [هود: 61]، ليس بأخِيهم في الدين ولا في الولاية، ولكن آخوهم في النسب والقرابة). "تفسيره" 1/ 313.]]. أو نقول: يجوز هذا في إطلاق اللفظ، من حيث إنهم كانوا يظهرون المَوَدّةَ والمؤاخَاةَ للمؤمنين. فالمراد [[في (ج): (والمراد).]] بقوله: ﴿قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [[(قالوا): ساقطة من (ج).]]: قالوا في إخوانهم الذين قُتِلوا، لَوْ أطاعونا؛ لأنهم بعد أن قُتِلوا لا يخاطَبُون. ومثل هذا، قولُه: ﴿لَا [[في (أ)، (ب)، (ج): (ولا). والمثبت من رسم المصحف.]] تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: 156] الآية. وقال الكلبي [[لم أقف على مصدر قوله.]]: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾، [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج).]]؛ يعني: من [[(من): ساقطة من (ج).]] المنافقين [[ممن قال بهذا: ابن عباس، كما في "زاد المسير" 1/ 498، وإليه ذهب أبو الليث في "بحر العلوم" 1/ 314.]]. وعلى هذا التفسير: لا إشكال؛ فإن أصحابَ عبد الله بن أُبَي قالوا لقرنائهم مَنَ المنافقين: لو أطاعنا [[في (ج): (أطاعونا).]] هؤلاء -الذين خرجوا مع محمد- في القعود؛ ما قُتِلوا. وقوله تعالى: ﴿وَقَعَدُوا﴾ يعني: المنافقين، قعدوا عن الجهاد. والواو للحال [[قال السمين الحلبي: (و (قد) مرادة؛ أي: (وقد قعدوا). ومجيء الماضي حالًا بالواو و (قد)، أو بأحدهما، أو بدونهما، ثابت من لسان العرب)، ثم ذكر وجهًا آخر لإعراب جملة ﴿وَقَعَدُوا﴾ وهي أنها معطوفة على ﴿قَالُوا﴾، فتكون جملة اعتراضية بين ﴿قَالُوا﴾ ومعمولها ﴿أَطَاعُونَا﴾. "الدر المصون" 3/ 480.]]. ﴿لَوْ أَطَاعُونَا﴾؛ يعنون: شهداء أُحُد. ﴿مَا قتلُوا﴾. فَرَدَّ الله عليهم، وقال: قل لهم يا محمد: ﴿فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ﴾ إنْ صَدَقْتُم أنَّ الحَذَرَ ينفع مِنَ القَدَرِ. وفي هذا دليل على أن المقتول يُقْتَلُ بِأَجَلِهِ، وأنَّ [[في (ج): (فإن).]] المُنَافِقِينَ كَذَبُوا في أنَّهم لو قعدوا ما قُتِلُوا. ومعنى (الدَرْء) -في اللغة-: الدَفْعُ. ومنه قوله: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ [النور: 8] أي: يدفع [[انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص 108، و"تفسير الطبري" 4/ 169.]] وقوله ﷺ: "ادرَءُوا الحُدُودَ بالشُّبُهاتِ" [[الحديث من الأحاديث المشهورة، وقد أورده السيوطي في "جمع الجوامع" 1/ 284 رقم (874) (875)، وفي "الجامع الصغير" انظر: "فيض القدير" 1/ 293 (314) ونسب إخراجه إلى ابن عدي في جزء له من حديث أهل مصر والجزيرة، من رواية ابن لهيعة عن ابن عباس، ونسب إخراجه كذلك إلى أبي سعد، عبد الكريم السمعاني، في "ذيل تاريخ بغداد"، بسنده عن عمر بن عبد العزيز، عن النبي ﷺ، مُرسلاً، ونسبه -كذلك- لأبي مسلم الكجِّي في سننه، عن عمر بن عبد العزيز مرسلًا. وأورده الزركشي في: "المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر" 36 رقم (76)، وابن حجر في "التلخيص الحبير" 4/ 56 رقم (1755)، والسخاوي في "المقاصد الحسنة" 50 رقم (46) ونسبوا إخراجه للحارثيِّ، في "مسند أبي حنيفة" له، بسنده عن مِقْسم، عن ابن عباس، مرفوعًا. ونقل المُناوي -في "فيض القدير"- قولَ الحافظ ابن حجر، عن رواية ابن عدي: (إن كان بين ابن عدي وابن لهيعة مقبولٌ، فهو حسن). وقال الزركشي عن رواية أبي مسلم الكجي: إنها معضلة. ونقل السخاوي عن شيخه ابن حجر، أن في سنده من لا يعرف. وضعفه الألباني في: ضعيف "الجامع الصغير" 1/ 117 رقم (258). وقد ورد الأثر موقوفًا على ابن مسعود من رواية سفيان الثوري، عن عصام، عن أبي وائل عنه، وكذا رواه مسدد في مسنده موقوفًا عليه، بلفظ: (ادرءوا الحدود بالشبهة). وقال عنه ابن حجر: (وهو موقوف حسن الإسناد). انظر: "فيض القدير": 1/ 294. == وورد بلفظ: (ادرءوا الحدودَ عن المسلمين ما استطعتم ..) أخرجه -من رواية يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عائشة-: الترمذيُّ في "السنن" رقم (1424) كتاب الحدود. باب: (ما جاء في درء الحدود)، وصحح الترمذيُّ وقفَهُ على عائشة، من رواية وكيع عن يزيد بن زياد، وقال: (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي ﷺ، أنهم قالوا مثل ذلك، ويزيد بن زياد الدمشقي ضعيف في الحديث). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 384. وحكم عليه بالصحة. وتعقبه الذهبيُّ بأن فيه يزيد بن زياد، شامي متروك. وأخرجه الدارقطني في "السنن" 3/ 84، والبيهقي في "السنن" 8/ 238، والخطيب في "تاريخ بغداد" 5/ 331، والديلمي في "مسند الفردوس" 82 رقم (256). وورد عن علي، بلفظ: (ادرءوا الحدود ..)، أخرجه الدارقطني في: "السنن": 3/ 84، والبيهقي في "السنن" 8/ 238 وفيه المختار بن نافع منكر الحديث. وورد عن أبي هريرة، بلفظ: (ادرءوا الحدود ما استطعتم ..) أخرجه: أبو يعلى في: مسنده. انظر: "نصب الراقي" للزيلعي 3/ 309، و"الدراية" لابن حجر 2/ 95. قال الغماري: (وفيه إبراهيم بن الفضل، ضعيف). "الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج" للغماري 256. وانظر في الكلام على هذا الحديث بألفاظه المختلفة -إضافة إلى ما ورد من مصادر-: "كشف الخفاء"، للعجلوني 1/ 73 رقم 166.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب