الباحث القرآني

﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ أي: لِيظْهرَ إيمان [المؤمنين] [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج).]]، بِثُبُوتِهِمْ [[في (ب): (ثبوتهم).]] على ما نالَهم، ويظْهرَ نفاق المنافقين، بِفَشَلِهم، وقِلَّةِ صبرِهِمْ على ما ينزلُ بهم. وقد مضت نظائرُ لهذه الآية، وذكرنا معنى عِلْمِهِ فيما لا يزال، مع سبقِ عِلْمِهِ بالكائنات فيما لم يزل [[انظر: "تفسير البسيط"، عند تفسير قوله تعالى: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ [البقرة: 143]، وانظر تفسير قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: 140]، وتفسير: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا﴾ [آل عمران: 142].]]. وقوله تعالى: ﴿نَافَقُواْ﴾. يقال: (نافق الرجلُ)، فـ (هو منافقٌ): إذا أظهر كلمةَ الإيمانِ، وأضْمَرَ [[في (ج): (وأظهر).]] خِلاَفَهَا. و (النِّفَاق): اسمٌ إسْلامِيٌّ [[يعني أن (النفاق) اصطلاح جاءت به الشريعة الإسلامية، ولم يكن معروفًا من قبل، وإن كان أصله في اللغةِ معروفًا. انظر: "اللسان" 8/ 4508 (نفق)، و"المزهر" 1/ 301. وقد ذكر د. عودة أبو عودة في كتابه "التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن" 266 أن (النفاق) بمعنى التَّلَوُّنِ والمخادعة قد عرف في الجاهلية، واستدل ببيت شعرٍ منسوب إلى طرفة، وهو: وأما رِجَالٌ نافَقُوا في إخائِهِم ... ولستُ إذا أحبَبْتُ حُرًّا أنَافِقُه ويفيد د. عودة أنَّ هذا البيت لم تتأكد نسبتُه لطرفة، كما يفيد شارح ديوانه، وإنْ ثَبَتَ فيدل على استخدام مصطلح (النفاق) في الجاهلية، ولكن لا على سبيل الشيوع والانتشار، ولا ينفي ذلك إسلامية هذا المصطلح.]]. واختلفوا في اشتقاقه: قال أبو عبيد [[في "غريب الحديث" له 1/ 382. نقله عنه بتصرف.]]: يقال (نافق اليَرْبُوعُ) [[اليَرْبُوع: حيوان صغير على هيئة الجُرَذِ الصغير، وله ذنب طويل ينتهي بِخُصْلة من الشعر، وهو قصير اليدين، طويل الرجلين. والجمع: يَرَابيع. انظر (ربع) في: "الصحاح" 2/ 1215، و"المعجم الوسيط" 1/ 325.]]، و (نَفَقَ) [[يقال: (نَفَقَ، ونفَّق، وانتفق). انظر: "اللسان" 8/ 4507 (نفق).]]. وَ (نَافِقاءُ اليربوع): أحَدُ جُحْرَيْهِ. وله جُحْرٌ آخر يقال له: (القاصِعَاء)، فإذا طُلِبَ مِنَ النافقاء، خرج [[في (ب): أخرج. وفي "غريب الحديث" قَصَّعَ فخرج من القاصعاء.]] من القاصعاء، وإذا طُلِبَ مِنَ القاصعاء، خَرَجَ [[في (ب): (أخرج).]] مِنَ النافقاء، فقيل للمنافق: (مُنافِقٌ)، لأن يخرجُ مِنَ الإسلامِ مِنْ غير الوجه الذي دَخَلَ فيه؛ وذلك أنه دَخَلَ عَلاَنِيَةً وخرج سِرًّا. وَحَكَى ابنُ الأنباري [[في "الزاهر": 1/ 230. نقله عنه بتصرف.]] عن بعضهم: أن المنافقَ مِنَ (النَّفَق)، وهو: السَّرَبُ. ومعناه: أنَّه يَتَستَّرُ بالإسلام، كما يتستر [[(بالإسلام كما يتستر): ساقط من (ج).]] الرجلُ في السَّرَبِ. وقال قوم [[ذكر هذا ابن الأنباري في: "الزاهر" 1/ 230 ونقله عنه المؤلف بتصرف. وقائل هذا القول هو ابن الأعرابي، وقد نقل معنى قوله هذا الأزهري، في: "تهذيب اللغة" 4/ 3635 (نفق).]]: هو مأخوذ من (النافقاء)، على غير الوجه الذي ذكره أبو عبيد، وهو: أن [النافقاء] [[ما بين المعقوفين في (أ) (النا)، والمثبت من: (ب)، (ج)، ومصادر القول.]] جُحْرٌ يَحْفِرُه اليَّرْبُوعُ مِن داخلِ الأرض، فإذا بَلَغَ إلى جِلْدَةِ [[في (ج): (جلد).]] الأرض، رَقَّقَ التُّرَابَ، ولم يُتِم الحَفْرَ، حتى إذا رَابَهُ رَيْبٌ، دفَعَ الترابَ بِرَأسِهِ، فَخَرَجَ. فقيل للمنافق: منافقٌ؛ لأنه يُضمر غير ما يُظهر؛ بمنزلة النافقاء، ظاهِرُهُ [[(ظاهره): ساقط من (ج).]] غير بَيِّن، وباطِنُه محفور في الأرض. قال ابن عباس [[لم أقف على مصدر قوله.]]: ويريد [[في (ج): (يريد) بدون واو.]] بـ ﴿الَّذِينَ نَافَقُوا﴾: عبد الله بن أُبَي وأصحابه. وقوله تعالى: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. قال السدّيُّ [[قوله في "تفسير الطبري" 4/ 168.]]، ومحمدُ بن إسحاق [[قوله في: "سيرة ابن هشام" 3/ 71 - 82، والمصدر السابق: 4/ 167 - 168.]]: هذا حين انصرف عبد الله بن أُبَي، قبل أن يبلغ أُحُد، بثلاثمائة مِنْ جُمْلَةِ الأَلْفِ الذين خرج بهم رسولُ الله ﷺ، فقال لهم عبد الله بن عَمْرِو بن حرام -أبو جابر بن عبد الله- [[الأنصاري. الصحابي الجليل، شهد العقبة وكان نقيبًا، وشهد بدرًا، واستشهد في أحد، وصلى عليه النبي ﷺ. انظر: "الاستيعاب" 3/ 26 (1633)، و"الإصابة" 2/ 350 (4838).]]: أذَكِّرُكُم اللهَ أنْ تَخْذلوا نبيَّكم وقومَكم، عندما حضر [[في (ب): (خبر).]] عَدُوُّهُم [[في (ج): (عدوكم). انظر خبر انصراف ابن أبَيّ بمن معه في: "المغازي" للواقدي 1/ 219، 325، و"الطبقات الكبرى" 2/ 39، و"تاريخ الطبري" 2/ 504، و"حدائق الأنوار" 2/ 521.]]! ودعاهم إلى القتال في سبيل الله، فذلك قوله: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾، يعنى: قولَ عبد الله بن عمرو: تَعَالوا قاتلوا في سبيل الله. وقوله تعالى: ﴿أَوِ ادْفَعُوا﴾. قال السدّي [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 168، و"تفسير الثعلبي" 3/ 144ب، و"زاد المسير" لابن الجوزي 1/ 497.]]، وابنُ جُرَيْج [[قوله في المصادر السابقة. وزاد ابن الجوزي نسبة هذا القول لابن عباس، والحسن، وعكرمة، والضحاك، وهو قول ابن قتيبة في: "تفسير غريب القرآن" ص 108، والنحاس في: "معاني القرآن": 1/ 508.]]: ادفعوا عنّا العدُوَّ [[في (ج): (العذاب).]]، بِتَكثير [[في (ج): (وبتكثير).]] سَوَادِنَا، إنْ لمْ تُقَاتِلُوا معنا. وهذا اختيار الفرّاء، لأنه قال [[في "معاني القرآن" له 1/ 246. نقله عنه بتصرف.]]: لأنهم إذا كثروا دفعوا القومَ عنهم بكثرتهم. وقال جماعةٌ من المفسرين [[منهم مقاتل في: "تفسيره" 1/ 312، ونسبه ابن الجوزي لابن عباس، من رواية أبي صالح عنه. انظر: "زاد المسير" 1/ 498، و"المحرر الوجيز" 3/ 474، والقرطبي 4/ 266.]]: معناه: أو ادفعوا عن أهلكم وبلدكم وحرِيمكم. يعنى: إنْ لم تقاتلوا في سبيل الله، لأجلِ ديِنِهِ [[في (ج): (دينكم).]]، فقاتِلُوا للدَّفْع عن الأهل والمال. يقول: فافعلوا هذا، أو ذلك. وقوله تعالى: ﴿قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾. هذا جواب المنافقيِن لعبد الله بن عَمرو بن حَرَام. قال محمد بن إسحاق [[قوله، في: "سيرة ابن هشام" 3/ 82. نقله عنه بتصرف.]]: لَمَّا قال لهم عبد الله ما قال، قالوا: لو ونعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكِنَّا لا نَرَى أنْ يكون قتال؛ يعنون: لا يكون اليوم قتالٌ؛ ولو نعلم أنه يكون لاتَّبعناكم؛ وأرادوا: أن انصرافنا؛ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ [[في (ج): (أن).]] الفريقين لا يقْتَتِلان. ونافقوا بهذا القول؛ لأنه كان في قلوبهم خلاف ما تكلموا به. قالَ الله تعالى: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ يريد: أنَّهم [بما] [[ما بين المعقوفين ساقط من: (أ)، (ب). والمثبت من (ج).]] أظهروا من خذلان المؤمنين عند الحرب، صاروا أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان؛ وذلك [[من قوله: (وذلك ..) إلى (.. إلى الإيمان): ساقط من (ج).]] أنهم قبل هذا، كانوا -بظاهر حالهم- أقرب إلى الإيمان، حتى هتكوا أنفسَهم عند مَنْ تخفى عليه حالُهم مِنَ المؤمنين، الذين كانوا يحسنون الظنَّ بهم. وفي هذا دليلٌ على أنَّ مَنْ أتَى بكلمة التوحيد لم يكفر، ولم يُطْلَق القولُ بتكفيره؛ لأن الله تعالى لم يُطْلق القول بتكفيرهم، مع أنهم كانوا كافرين؛ لإظهارهم القولَ بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله). وقوله تعالى [[(وقيل): بدلًا من: (وقوله تعالى).]]: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ قال المفسِّرون [[لم أقف على من قال بهذا القول. وقد أورده الماوردي في "النكت والعيون" 1/ 435.]]: يعنى: بإظهار الإيمانِ وإضمار الكفر. وقال بعضهم [[ممن قال ذلك الطبريُّ في "تفسيره" 4/ 169.]]: يعنى [[في (ب) وردت هنا عبارة وهي: (إظهار الإيمان). وهي زيادة لا وجه لها.]] قولَهم: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾، ولو عَلِمُوا ما اتَّبعوهم. وذِكْرُ الأفواه -ههنا- زيادة للتوْكيد [[في (ب): (للتأكيد).]]، لأن القولَ قد يضاف إلى الإنسان، إذا كَتَبَ أو أشار به. فأعْلَمَ اللهُ أنهم يقولون بألسنتهم؛ لِيُفَرِّقَ بين قول [[قول: ساقط من (ج).]] اللسان وقول الكتابة [[وذكر الماوردي فائدة للتقييد -هنا- بـ (أفواههم)، وهي: أنه (رُبما نُسِب القولُ للساكت مجازًا؛ إذا كان به راضيًا). "النكت" 1/ 436. وقال الزمخشريُّ: (وذكر الأفواه مع القلوب؛ تصوير لنفاقهم، وأن إيمانهم موجود في أفواههم، معدوم في قلوبهم). "الكشاف": 1/ 478. وقال السمين الحلبي -معلقًا على قول الزمخشري-: (وبهذا الذي قاله الزمخشري، ينتفي كونه للتأكيد؛ لتحصيله هذه الفائدة). "الدر المصون" 3/ 78.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب