الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ الآية. الواوُ في ﴿أَوَلَمَّا﴾، لِعَطْفِ جملةٍ على جملة. ودخل أَلِفُ الاستفهام على واو النَّسَقِ [[النَّسَق، هو: العطف.]]؛ لأنَّ له صدر الكلام. قال الزجّاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 487. نقله عنه بتصرف يسير.]]: ومثله من الكلام قولُ القائل: (تكَلّمَ فلانٌ بكذا وكذا) فيقول مجيبًا له: (أوَ هُوَ مِمَّن يقول ذلك؟). والمعنى: أَوَ حين أصابتكم مُصيبةٌ. ويعنى بالمصيبة: ما أصابتهم يوم أحد. وقوله تعالى: ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾. هو مِنْ صفة النَّكِرَةِ [[أي: في موضع رفع؛ صفة لـ (مصيبة).]]. ومعناه: قد أصبتم مثليها يوم بدر؛ وذلك [أنَّ] [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج).]] المشركين قتلوا من المسلمين يوم أُحُد سبعين، [وقَتَلَ المسلمونَ منهم يوم بدر، سبعين] [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج).]] وأسروا سبعين. هذا قول أكثرِ المفسرين: ابن عباس [[قوله في "تفسير الطبري" 4/ 165، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 810.]]، وقتادة [[قوله في المصدرين السابقين.]]، وعكرمة [[قوله في المصدرين السابقين.]]، والربيع [[قوله في المصدرين السابقين.]]، والسُدِّي [[قوله في المصدرين السابقين. وانظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 71، و"عيون الأثر" 1/ 432، 2/ 47 - 48، و"فتح الباري" 7/ 307، كتاب المغازي. باب 10 رقم الحديث: (3986). قال ابن حجر: (واتفق أهل العلم بالتفسير على أن المخاطبين بذلك أهل أحُد، وأنَّ المراد بـ ﴿أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ يوم بدر، وعلى أن عدة من استشهد من المسلمين بأحد سبعون نفسًا). "الفتح" 7/ 307 وقد عدَّه الطبري إجماعًا. انظر "تفسيره" 4/ 164.]]. وقال بعضهم [[لم أقف على من قال بهذا القول. إلا ما ورد عن الزجاج كما سيأتي.]]: أي: أَصبتم في يوم أحد مثلها [[حيث قتل من الكفار يوم أحد ثلاثة وعشرون رجلًا. انظر: "عيون الأثر" 2/ 48.]]، وفي يوم بدر مثلها [[(وفي يوم بدر مثلها): ساقط من (ج). حيث قَتَلَ المسلمون من الكفار سبعينَ -كما سبق-، ولا مَدْخَلَ للأسرى -هنا- على هذا القول؛ لأنهم قد تم فداؤهم، فلا تتم المماثلة بهم.]]. فقد أصَبتم مِثْلَيْ ما أصابكم، وقتلوا منكم في يوم أُحُد، وقتلتم منهم في يومين. وهذا اختيار الزجّاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 488.]]. والأول أصح؛ لأن الكفار يوم بدر، نالوا مِنَ المسلمين -أيضًا- [[في (ب): (تعبا).]]؛ بقتل بعضهم [[في (أ): (بعضُهم) برفع الضاد. وفي (ب)، (ج): مهملة. والصواب ما أثبت. واستشهد من المسلمين في بدر: أربعة عشر رجلًا؛ ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار. انظر: "عيون الآثر" 1/ 432.]]. وقوله تعالى: ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾. جواب الاستفهام. ومعناه: قلتم: مِنْ أينَ أصابَنَا هذا القتلُ والهزيمة، وقد تقدم الوَعْدُ بالنُّصْرَةِ، ونحن مسلمون، ورسول الله فينا، والوحي ينزل عليه [فينا] [[ما بين المعقوفين مطموس في (أ)، والمثبت من (ب)، (ج).]]؟. وقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾. فيه ثلاثة أوْجُه: أحدهما -وهو قول أكثر أهل التأويل-: أن [[(أن): ساقطة من (ج).]] معناه: أنّكم تركتم ما أمِرْتُم به، وطلبتم الغنيمةَ وتركتم مراكزكم، فَمِنْ قِبَلِكُمْ جاء الشَّرُّ. وهذا قول: الكلبي [[لم أقف على مصدر قوله.]]، وعطاء [[لم أقف على مصدر قوله. وقد يكون قوله هو قول ابن عباس الذي أورده ابن الجوزي في: "الزاد" 1/ 496؛ حيث إن أغلب أقوال عطاء التي يوردها المؤلف هي روايته عن ابن عباس.]]، واختيار: الفرّاء [[في "معاني القرآن" له 1/ 246، وقد نقل المؤلف هذا القول عنه بنصه، وهو من قوله (تركتم ما أمرتم) إلى (.. جاء الشر).]]، والزجّاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 488. وهو قول مقاتل في "تفسيره" 1/ 311، وأبي الليث في "بحر العلوم" 1/ 313.]]. وعلى هذا القول: أضاف إليهم المعصيةَ والهزيمةَ، وإنْ كانت مخلوقة لله -تعالى- مُرَادةً، لأن المعصيةَ تضاف إلى العاصي من حيث المباشرة والكَسْب [[(الكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله بنفع، أو خير، كما قال تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: 286]. "مجموع فتاوى ابن تيمية" 8/ 387 == وانظر:"شرح العقيدة الطحاوية" ص 448. وقد نقل السفاريني بعض اصطلاحات المتكلمين حول الكسب، فقال: (الكسب في اصطلاح المتكلمين: ما وقع من الفاعل مقارنًا لقدرة محدثة واختيار، وقيل: هو ما وجد بقدرة محدثة في المكتسب. وقال العلَّامَةُ ابنُ حمدان -من علمائنا-: الكسب هو ما خلقه الله في محل قدرة المكتسب على وفق إرادته في كسبه ..). "لوامع الأنوار" 1/ 291. وانظر ما بعدها. وانظر للتوسع في موضوع الكسب: "شفاء العليل" 121 وما بعدها، و"شرح العقيدة الطحاوية" ص 438 وما بعدها، و"المعتزلة وأصولهم الخمسة" 169 - 184، و"أفعال العباد في القرآن الكريم" لعبد العزيز المجذوب 325 وما بعدها، و"الكليات"، لأبي البقاء 161.]]. والثاني: أن معنى قوله: ﴿مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾؛ أي: بخرُوجِكُم مِنَ المدينة، وخلافكم على رسولكم؛ وذلك أنه دعاهم إلى التَحَصُّنِ بالمدينة، وكان [[(وكان): ساقطة من (ج).]] قد رأى في المنام أنَّ عليه درْعًا حَصِينَةً، فأوَّلَها: المدينة. فقالوا: كنا نَمْتَنِع في الجاهلية، ونحن اليوم أحقُّ بالامتناع، فأكرهوا رسولَ الله على الخروج. وهذا قول: قتادة [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 164، و"زاد المسير" 1/ 496، و"الدر المنثور" 2/ 166، وزاد السيوطي نسبته إلى عبد بن حميد.]]، والربيع [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 165، و"زاد المسير" 1/ 496.]]، وابن عباس -في رواية عطاء- [[لم أقف على مصدر قوله.]]؛ لأنه قال: يريد: حيث اختلفوا على النبي ﷺ [[انظر ما سبق عند تفسير الآية: 152 ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾.]]. الوجه الثالث [[في (ج): (الثاني).]]: ما روي عن علي - رضي الله عنه -، أنه قال: جاء جبريلُ إلى النبي ﷺ، يوم بَدْر، فقال [[في (ج): (وقال).]]: يا محمدُ: إنَّ الله -تعالى- قد كَرِهَ ما صَنَعَ قومُكَ في أخذهم الفداءَ من الأُسارى، وقد أمرك أن تُخَيِّرَهم بين أن يُقَدِّمُوا الأُسارى فَيَضْرِبُوا أعناقَهم، وبين أن يأخذوا الفداء، على أن يُقْتَلَ منهم عِدَّتُهُم. فَذَكَرَ ذلك رسولُ الله ﷺ لقَومِهِ، فقالوا: يا رسول الله: عشائرُنا وإخواننا، لا؛ بل نأخذ فِدَاهم [[هكذا جاءت في: (أ)، (ب)، (ج). على التخفيف. والأصل فيها أن تكون: (فداءهم). كما هي في "تفسير الطبري". وقد وردت في بعض ألفاظ الحديث: (.. بل نفاديهم)، ووردت: (قالوا الفداء).]]، فنقوى [[هكذا في: (أ)، (ب)، (ج). وجاءت في المصادر التالية: (فنتقوّى).]] به على قتال العدوِّ، ويُستشهد منّا بعددهم [[الحديث أخرجه: الترمذي في "السنن" رقم (1567. كتاب السير. باب 18 (ما جاء في قتل الأسارى والفداء) وقال الترمذي: (حديث حسن غريب)، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 166، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 3/ 144 أ، والبغوي في "تفسيره" 2/ 129، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 459 وزاد نسبة إخراجه للنسائي، ولم أهتد إليه في (سننه) المطبوعة. وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 368 وزاد نسبة إخراجه لابن أبي شيبة، وابن مردوية.]]. فقُتِلَ منهم يوم أحد سبعون رجلًا، عدد [[في (ج): (بعدد).]] أُسارى أهلِ بَدْر. فهو معنى قوله: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾؛ أي: بأخْذِكُم الفداء، واختياركم القَتْلَ [[قال الشوكاني -بعد إيراده لهذا الأثر عن علي - رضي الله عنه -: (ولكنه يشكل على حديث التخيير السابق؛ ما نزل من المعاتبة منه سبحانه وتعالى لمن أخذ الفداء، بقوله: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: 67]، وما رُوي من بكائه ﷺ، هو وأبو بكر؛ ندمًا على أخذ الفداء. ولو كان أخذ ذلك بعد التخيير لهم من الله -سبحانه-، لم يعاتبهم عليه، ولا حصل ما حصل من النبي ﷺ، ومن معه من الندم والحزن، ولا صوَّب النبي ﷺ رأي عمر - رضي الله عنه -، حيث أشار بقتل الأسرى، وقال ما معناه: لو نزلت عقوبة لم ينج منها إلا عمر). "فتح القدير" 1/ 598 - 599.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يعنى: مِنَ النَّصْرِ؛ مع طاعتكم النبي ﷺ، وترك النصر؛ مع مخالفتكم ما أُمرتم به. وقال ابن عباس [[لم أقف على مصدر قوله.]]: يريد: على نَصرِكُم، وعلى اتِّخاذِ الشهداءِ منكم، وتعجيلِ أوليائهِ إلى الجَنَّةِ، قديرٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب