الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: ذَوُو [[في (ب): (ذو).]] درجات. فحذف المضاف. وحَسُن ذلك ههنا؛ لأن اختلاف أعمالهم، قد صيَّرَهم بمنزلة المختلفي الذوات، كاختلاف مراتب الدرجات؛ لتبعيدهم من استواء الأحوال، فجاء على هذا المَجَاز.
والمجاز في موضعه، أحسنُ مِنَ الحقيقة، لِمَا فيه [مِنَ] [[ما بين المعقوفين: زيادة من (ج).]] الإيجاز مِن غيرِ إخلال، ومِنَ المُبالغة التي لا ينوبُ مَنَابها الحقيقة، إذْ [[في (أ)، (ب): إذا. والمثبت من (ج).]] قولك: (هو الشمسُ ضياءً)، أبْلَغُ في النفس مِن: (هو كالشمس ضياءً). فكذلك: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ﴾ [[في (أ): (بدرجات درجات).]]، أبلغ مِنْ: (هم أهلُ درجاتٍ) [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 486، و"معاني القرآن" للنحاس 1/ 506. == قيل في تأويل الآية: إنهم جعلوا نفس الدرجات؛ للمبالغة؛ أي: إنهم متفاوتون في الجزاء على كسبهم، كما أن الدرجات تتفاوت. والأصل فيه: هم مثل الدرجات في التفاوت. انظر: "الدر المصون" 3/ 469 - 470.]].
وأصل الدَّرَجَةِ: الرُّتْبَةُ [[انظر (درج) في: "جمهرة اللغة" 1/ 446، و"التهذيب" 2/ 1167، و"اللسان" 3/ 1351، وانظر: "تفسير الطبري" 4/ 162.
قال الراغب: (الدرجة، نحو المنزلة، لكن يقال للمنزلة: (درجة)، إذا اعتُبِرت بالصعود، دون الامتداد على البسيط؛ كدرجة السطع والسلَّم، ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة ..). "مفردات ألفاظ القرآن": 310 (درج).]]، ومِنْهُ: (الدَّرْجُ)، لأنه يُطوَى رُتْبةً بعد رُتْبةٍ؛ قال: (أدْرَجَني إدْرَاجًا) [[قال ابن دريد: (والدَّرْج: مصدر (دَرَجْتُ الشيء دَرْجًا)، و (أدرجته إدراجًا): إذا طويته). "جمهرة اللغة" 1/ 446.
وأراد المؤلف، هنا والله أعلم: الدَّرْج -أو الدَّرَج-: الذي يُكتَبُ فيه. يقال: (أنفذته في دَرْج الكتاب)؛ أي: في طَيِّه. انظر: "الصحاح" 314 (درج).
وفي "مفردات ألفاظ القرآن": 311 (درج): (والدرْج: طيُّ الكتاب والثوب. ويقال للمطوي: دَرْج).]] و (الدَّرَجَانُ) [[في (أ)، (ب): (والدرجات). والمثبت من: (ج)، ومصادر اللغةُ.]]: تَقارُبُ الخَطْوِ؛ كَمِشْيَة الشَّيْخ، والصَّبِيِّ؛ لتقارُبِ الرُّتَبِ [[انظر: (درج) في: "التهذيب" 2/ 1167، و"مفردات ألفاظ القرآن" 311، و"اللسان" 3/ 1351.]].
فأما التفسير: فالآيةُ تحتملُ ثلاثةَ أوجه:
أحدها: أن يكون المراد بقولهم: دَرَجاتُ المؤمنين والكافرين جميعًا. والمعنى: أن المؤمنين ذَوُو [[في (ب): (ذو). وكذا في الموضع التالي.]] دَرَجةٍ رفيعةٍ، والكافرين ذَوُو درجةٍ [[(ذوو درجة): بياض في (ج).]] خَسِيسَةٍ.
وهذا الوجه مروي عن ابن عباسٍ، قال [[قوله في: "تفسير الثعلبي" 3/ 143 ب، و"تفسير البغوي" 2/ 129، و"زاد المسير" 1/ 493.]]: يعني أنَّ مَن اتَّبَعَ رِضْوانَ الله، ومَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله، مختلِفُو [[في (ب): (يختلفوا).]] المَنَازِلِ عند الله فَلِمَن اتبع رِضْوانه الكرامةُ والثواب، ولِمَن باء بسخطٍ منه المَهَانةُ والعذاب.
وهذا قول الكلبي -أيضًا-، فإنه قال [[لم أقف على مصدر قوله.]]: هم درجاتُ، بعضهم أشدُّ عذابًا مِنْ بعضٍ، وكلٌّ في عذابٍ وهَوَانٍ، وأهل الجَنَّةِ بعضهم أفضلَ من بعض، وكلٌّ [[من قوله: (وكل ..) إلى (.. بعضهم أفضل من بعض): ساقط من (ج).]] في فَضْلٍ وكَرَامَةٍ [[وهو قول ابن إسحاق، واختيار الطبري. انظر: "تفسيره" 4/ 162.]].
الوجه الثاني: أن تكون الآيةُ خاصَّةً في المؤمنين؛ يريد: أنَّ بعضهم أرفع درجة عند الله مِنْ بعض.
وهذا قول ابن عباس -في رواية عطاء-، قال [[لم أقف على مصدر هذه الرواية عنه.]]: يريد: أصحاب النبي ﷺ، بعضهم أفضل من بعض، وهذا أيضًا اختيارُ الفرّاء، قال [[في "معاني القرآن" له 1/ 246. نقله عنه بتصرف.]]: يقول: هم في الفضل مختلفون، بعضهم أرفع من بعض.
الوجه الثالث: أن تكون الآية خاصة في الكافرين [[في (ج): (المنافقين).]]. وهذا قول الحسن، يقول [[لم أقف على مصدر قوله. والذي وقفت عليه من قوله، الآتي:
أ- يعني أهل الخير وأهل الشر درجات.
ب- إنها درجات الجنة.
ج- للناس درجات بأعمالهم، في الخير والشر. انظر: "تفسير الحسن البصري" 246، 247.]]: بعض أهل النار أشدُّ عذابًا مِنْ بعضٍ؛ ألا تَرَاهُ [[في (ج): (تسمعه) بدلًا من: (تراه).]] يقول: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [الأنعام: 132].
قال: وبلغني أن النبي ﷺ قال: (إنَّ منها [[الضمير يعود على النار.]] ضحْضاحًا [[أصل الضحْضَاح: الماء القليل، الرقيق، أو الذي يصل إلى الكعبين. فشَبَّه قِلَّةَ النار به. انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 400، و"الفائق" 2/ 332.]]، وإنَّ منها غَمْرًا [[الغَمْر: الماء الكثير. وجمعه: غِمَار، وغُمُور. انظر: "القاموس" 452 (غمر).]]، وإني لأرجو أنْ يكون أبو طالب في ضحْضَاحِها) [[هذا الجزء من قول الحسن (والمتضمن حديث النبي ﷺ، المرسل عن الحسن (إن منها ضحضاحا ..)، قد ورد بألفاظ مختلفة من طريق أخرى صحيحة، في بيان حال أبي طالب عم النبي ﷺ، يوم القيامة.
فقد أخرج البخاريُّ عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، أن العباس بن عبد المطلب، قال للنبي ﷺ: ما أغنيت عن عمك؟ فوالله كان يحيطك ويغضب لك. قال: "هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا، لكان في الدرك الأسفل من النار". "الصحيح" (3883). كتاب مناقب الأنصار. باب قصة أبى طالب، (6208) كتاب الأدب. باب كنية المشرك.
وأخرجه مسلم في "الصحيح" رقم (209) كتاب الإيمان رقم (357) باب شفاعة النبي ﷺ لأبي طالب، وورد في لفظٍ لمسلم: "نعم وجدته في غمرات من النار، فأخرجته إلى ضحضاح".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله ﷺ وذُكِرَ عنده عَمُّهُ أبو طالب، فقال -واللفظ للبخاري-: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار، يبلغ كعبيه، يغلي منه أم دماغه". == "صحيح البخاري": (6564) كتاب الرقاق. باب صفة الجنة والنار. و"صحيح مسلم" رقم (120) كتاب الإيمان، رقم (360) باب شفاعة النبي ﷺ لأبي طالب.
وانظر روايات أخرى بألفاظ أخرى في: "فتح الباري" 7/ 193 - 194، و"الفائق" للزمخشري 2/ 332.]].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [[في (أ)، (ب)، (ج): تعملون. والمثبت من رسم المصحف.]].
فيه تحريضٌ على العمل بطاعته؛ لأن ثوابه لا يضيع؛ إذا عَمِلَه [[في (ج): (علمه).]] مَنْ يعمل له، وتحذيرٌ مِنَ العملِ بمعصيته؛ لأن جزاءه لا يفوتُ إذا كان عالِمًا به. فهو تهديد ووعيدٌ للكافرين، وتبشيرٌ ووَعْدٌ للمؤمنين.
{"ayah":"هُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق