الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ قد مضى الكلام في معنى ضَرْبِ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ على اليهود، في سورة البقرة [[انظر: "تفسير البسيط" عند تفسير آية: 61 من سورة البقرة.]].
وقوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾ أي: وُجِدوا، وصُودِفوا [[انظر: (ثقف) في "اللسان" 1/ 492، "القاموس" ص 795.]]. ومضى الكلام في هذا عند قوله: ﴿حَيثُ ثَقفتُمُوهُم﴾ [البقرة: 191].
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ﴾ قال الفرّاء [[في "معاني القرآن" له: 1/ 230. نقله عنه بنصه.]]: يقول: (إلَّا أنْ يَعتَصموا بحبل من الله)، فأضمر ذلك، وأنشد:
رأتني بحَبْلَيْها فَصدّتْ مَخَافَةً ... وفي الحَبْلِ رْوْعاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ [[البيت لحميد بن ثور، وهو في ديوانه: 35. وورد في "معاني القرآن" للفراء: 1/ 230، "تفسير الطبري" (49)، "تهذيب اللغة" 1/ 731، "تفسير الثعلبي" 3/ 101 أ، "أساس البلاغة" 1/ 381، "اللسان" 2/ 761، 7/ 4410، 6/ 3401. "البحر المحيط" 3/ 32.
وروايته في الديوان:
فجئت بحبليها فردَّت مخافةً ... إلى النفس روعاءُ الجَنان فَرُوق
ووردت روايته في "اللسان" 7/ 4410
رأتني بنِسْعَيها فردت مخافتي ... إلى الصدر روْعاءُ الفؤادِ فَرُوق
وفي "اللسان" 6/ 3401:
رأتني مُجَلِّيها فصدت مخافةً ... وفي الخيل روعاء الفؤاد فروق
و (الروعاء): الناقة الحديدة الفؤاد. "القاموس" 724 (روع). و (الفَرُوق): == الشديدة الفزع. من (الفَرَق): وهو الخوف. "اللسان" 6/ 3397 (فرق). قال الأستاذ محمود شاكر في تعليقه على البيت في هامش "تفسير الطبري" 7/ 113 (ط. شاكر): (مدح ناقته بحدة الفؤاد، تفزع لكل نبأة؛ من يقظتها؛ كما قالوا: (مجنونة)، يقول ذلك في ناقته: رأتني أقبلت بالحبلين لأشد عليها راحلي، فصدَّت خائفة. يصفها بأنها كريمة لم تبتذلها الأسفار. ثم قال: فلما شددت عليها الرحل، كانت في الحبل ذكية شهمة، تتوجس لكل نبأة؛ من يقظتها وتوقدها).]] قال أراد: أقْبَلْتُ [[في (ب): (قبلت).]] بحبليها [[في (ج): (بحبلها).]].
وقد نُعي هذا عليه، فقيل: لا يجوز حذف الموصول وإبقاء صلته [[وهي -هنا- الجار والمجرور. ففي الآية ﴿بِحَبْلٍ﴾، وفي البيت (بحبليها).]]؛ وذلك أن الموصول لمّا احتاج إلى الصِّلَةِ للبيان عنه، فالحاجة إلى ذِكْرِهِ أشدُّ [[في (ج): (ذكر ما شد).]]، وإنَّما يجوز حذفُ الشيء للاستغناء بدلالة غيره عليه، فلو دَلّ دليل عليه لحُذف مع صلته؛ لأنه معها بمنزلِةِ شيءٍ واحد. ويجوز حذف الصلة دون الموصول؛ لأن الموصول [هو المعتمد عليه، والصلة تبع له؛ لأنها للبيان عنه، فإذا حُذِفَ الموصول] [[ما بين المعقوفين: زيادة من: (ج).]] وجب حذفُ الصلة معه؛ [لأنها تَبَعٌ] [[ما بين المعقوفين: في (أ)، (ب): (لا يتبع). والمثبت من (ج).]] له.
وقد أخبرني العَرُوضي رحمه الله، عن الأزهري، قال [[قوله في "تهذيب اللغة" 1/ 731 - 732 (حبل) إلى نهاية: (ومعنى (ألا): (لكن). وقد نقله عنه بتصرف واختصار يسيرين.]]: أخبرني المُنْذِريُّ، عن ثعلب، أنه قال: هذا الذي قاله الفرّاء [[(الفراء): ساقطة من: (ج).]]، بعيدٌ [[وفي "تهذيب اللغة": (بعيد أن تحذف (أن) وتُبقِي صلتها).]]، ولكن المعنى إن شاءَ الله: ضربت عليهم الذِّلَّة أينما ثُقِفُوا؛ أي: بكلِّ مَكان إلّا بموضِع حَبْلٍ مِنَ الله، وهو استثناء مُتَّصل، كما تقول: (ضُرِبت عليهم الذِّلَّة في الأمكنة، إلّا في هذا المكان)، ثمّ حذف المضافُ [[ثم حذف المضاف: ليس في "تهذيب اللغة". وقد ذهب إلى هذا الزمخشري، وأيَّد كون الاستثناء متصلًا هنا، وقال: (وهو استثناء من أتم الأحوال؛ المعنى: ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حالة اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس ..). "الكشاف" 1/ 455.]].
قال: وقول الشاعر: (رأتني بحبليها)؛ هو كما تقول: (أنا بالله، وبك) [[وبك: ليس في "تهذيب اللغة".
بالنسبة لهذه الألفاظ مثل (أنا بالله، وبك) وأمثالها، وبغض النظر عن مجال الاستدلال النحوي بها، فإن الآثار الشرعية قد وردت بالنهي عن استعمالها بهذه الصورة. فقد قال ﷺ: "إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت، ولكن ليقل: ما شاء الله، ثم شئت". أخرجه ابن ماجه (2117) كتاب الكفارات، باب (13)، وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه":1/ 362.
وورد في الحديث عنه ﷺ: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان". رواه أبو داود في "السنن" (4980)، كتاب الأدب، والبيهقي في "السنن" 3/ 216، وأحمد في "المسند" 5/ 384، 394، 398.
وعن ابن عباس: جاء رجل إلى النبي ﷺ، فراجعه في بعض الكلام، فقال: ما شاء الله وشئت. فقال ﷺ: "أجعلتني والله عِدْلاً، بل ما شاء الله وحده".
أخرجه البيهقي في "السنن" 3/ 217، والبخاري في الأدب المفرد: 344 رقم (783)، وغيرهما. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1/ حديث رقم (136 - 139). وقد ذكر العلماء أن قول الإنسان (ما لى غير الله وأنت)، و (توكلت على الله == وعليك)، وأنا بالله وبك) وأمثالها من عبارات، تعد من ألفاظ الشرك التي يجب أن تُجتَنَب، كما دلت على ذلك الآثار السابقة. انظر تيسير العزيز الحميد: 598 - 602]]؛ أي: مُتَمَسِّك. فتكون الباءُ مِن صِلَة (رأتني متمسكًا بحبليها) [[في (ج): (بحبلها).]]، فاكتفى بالرُّؤيَةِ [[في (ب): (بالراية).]] مِن التمسك.
قال الأزهري: والقول، ما قال أبو العباس [[هو ثعلب.]].
وقال الأخفش [[قوله في "معاني القرآن" له 1/ 213، ولكنه هنا من، تتمة قول الأزهري السابق في "التهذيب".]]: قوله: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ﴾ استثناء خارج عن [[في (ب)، "معاني القرآن"، "تهذيب اللغة": (من).]] أول الكلام [[أي إنه استثناء منقطع.]]، ومعنى (إلّا): لكِنْ [[في "معاني القرآن"، "تهذيب اللغة": (في معنى لكن).]].
واختار الزَّجَّاج هذا الوجه، فقال [[في "معاني القرآن" له 1/ 457 نقله عنه بنصه.]]: ما بعد الاستثناء [[في (ج): (الا استثناء).]] ليس من الأول؛ المعنى [[المعنى: ليست في "معاني القرآن".]]: أنهم أذلَّاءُ، إلَّا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أُعطوه.
ونَصَرَ محمدُ بن جَرِير هذه الطريقة أيضًا، فقال [[في "تفسيره" 4/ 50. نقله عنه بالمعنى.]]: إن أهل الكتاب (قد) [[زيادة من (أ).]] ضربت عليهم الذلة، سواء كانوا على عهد من الله، أو لم يكونوا على عهد، فلا يخرجون بالاستثناء [[في (ج): (بالاستغناء).]] عن الذِّلة إلى العِزَّة.
قال [[في المرجع السابق. نقله بالمعنى.]]: وتمام الكلام عند قوله: ﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾، ثم قال: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ﴾ أراد [[من قوله: (أراد ..) إلى (بحبل من الله): مكرر في (أ).]]: لكن قد يعتصمون بحبل من الله، أو قد يُثْقَفُونَ بحبل من الله، وحَبْلٍ مِنَ الناس كما قال: ﴿وَمَا كاَنَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤْمَنًا إِلا خَطأ﴾ [النساء:92]، فـ (الخَطَأ) وإن كان منصوبًا بما عمل فيِه ما قبل الاستثناء، فليس باستثناء مُتَّصل حتى يَدُلَّ على أنَّ قتلَه خطأ مباحٌ [[في (ج): (ماح).]]، ولكن معناه: قد يقتله خطأ [[(خطأ): ساقطة من: (ب).]].
ومَن نَصرَ طريقة أبي العباس، قال [[لم أقف على هذا القائل. وممن ذهب إلى أن الاستثناء منقطع ونصر هذا الرأي: ابن عطية في "المحرر الوجيز" 3/ 270.]]: إنَّ عِزَّ [[في (ج): (إن الله عز).]] المسلمين عِزٌّ لأهلِ الذِّمَةِ؛ لأنَّ أخْذَهم عَهْدَ المسلمين يَحقِنُ دماءَهم، ويمنع فُرُوجَهم وأموالهم عن الاغتنام بالسَّبْي، ثم هذا [العِزُّ] [[ما بين المعقوفين: زيادة من (ج).]] لا يخرجهم عن الذِّلَّة في أنفسهم، فهم على ما وصفهم الله من الذِّلَّة أينما ثقفوا، وإنْ اعتصموا بالذِّمَة [[وهو اختيار ابن عطية في "المحرر الوجيز" 3/ 270 - 271.]].
وأما التفسير: فقد ذكرنا معضى (الحبل) عند قوله: ﴿وَاعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 103] وبعض المفسرين يذهب إلى أن حبلَ الله ههنا الإسلام [[ممن قال بذلك: ابن زيد، ومقاتل. انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 293، "تفسير الطبري" 7/ 73.]]؛ يعني [إلّا] [[ما بين المعقوفين: زيادة من: (ج).]] أنْ يُسْلِمُوا. وهذا بعيدة لعطف (حبل الناس) عليه، وإذا أسلموا، استغنوا عن حَبْلِ الناس، ولو أرادَ الله تعالى بالحبلَ الأوَّل: الإسلام، وبالثاني: الذِّمَّة؛ لقالَ: (أو حبل من الناس)، ولكن الصحيح: أن كلا [[في (أ)، (ب)، (ج): كلي.]] الحبلين؛ المراد به العهد، والذِّمَّة، والأمان، كما قال ابن عباس [[قوله في "تفسير الطبري" 4/ 48، "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 735، وأورده السيوطي في " الدر" 2/ 115 وزاد نسبة إخراجه لابن المنذر.]] يريد: بعهد مِنَ الله، وعهد مِنَ المؤمنين، وانما ذكر الله تعالى حبلَ الله مع حبل المؤمنين؛ لأن الأمان الذي يأخذونه [[في (ج): أخذونه.]] من المؤمنين، هو بإذن الله تعالى، فهو أمانٌ مِن جهته.
وباقي الآية مشروح في سورة البقرة [[انظر: "تفسير البسيط" [البقرة: 61].]].
{"ayah":"ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق