الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ قد ذكرنا ما في (التُقاة) عند قوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران: 28].
ومعنى ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾، هو: أنْ يُطاعَ فلا يُعصى، ويذكَرَ فلا يُنْسى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَر. وهذا يروى عن عبد الله مرفوعًا، ورُوي موقوفًا عليه [[أكثر الذين رووا الأثر عن عبد الله بن مسعود، رووه موقوفًا. انظر: "الزهد" لابن المبارك 8، "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد 265، "تفسير سفيان الثوري" 79، "تفسير عبد الرزاق" 1/ 129، "تفسير الطبري" 4/ 27 "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 722، "الناسخ والمنسوخ" للنحاس ص 84 - 85، "المعجم الكبير" للطبراني 9/ 93 رقم (8501)، "المستدرك" للحاكم 2/ 294، وقال: (صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي.
وأورد البغويُّ طرفا منه -موقوفًا- في "تفسيره" 2/ 77، وأورده ابن كثير 1/ 416 من رواية ابن أبي حاتم موقوفًا، وقال: (وهذا إسناد صحيح موقوف).
وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 105 وزاد نسبة إخراجه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن مردويه.
أما المرفوع، فقد أخرجه: الثعلبي في "تفسيره" 3/ 86 أبسنده إلى عبد الله بن مسعود مرفوعًا إلى النبي ﷺ.
كما أورده القرطبي 4/ 157 مرفوعًا، ونسب إخراجه للبخاري، وهو تصحيف؛ لأن البخاري لم يرو هذا الأثر، والصواب نسبته للنحاس، حيث ورد ذلك في نسخة أخرى لـ "تفسير القرطبي" أشار إليها محقق التفسير.
وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 431، وقال رواه ابن مسعود عن النبي ﷺ. وأورده ابن كثير في "تفسيره" 1/ 416 مرفوعًا من رواية ابن مردويه، وذكر أن الحاكم رواه مرفوعًا في "المستدرك" -كذلك-، وعَقَّب ابنُ كثير قائلًا: (والأظهر أنه موقوف. والله أعلم).
وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 105 ونسب إخراجه للحاكم، وابن مردويه. ولم أقف على المرفوع في مستدرك الحاكم.
وورد من رواية ابن عباس، أخرجها البيهقي في كتاب "الزهد الكبير" 344 رقم (873).]].
واختلفوا في هذه الآية: فقال ابن عباس في رواية الوالِبي [[هذه الرواية، في "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد: 260، "تفسير الطبري" 4/ 29، "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 722، "الناسخ والمنسوخ" للنحاس: (85) "الدر المنثور" 2/ 106 وزاد نسبة إخراجه لابن المنذر.]]: لَمْ تُنسَخ هذه الآيةُ، ولكن ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾: أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا تأخذهم [[في (ج): (يأخذهم).]] في الله لومةُ لائم، ويقوموا [[في (ب): (ويفرحوا).]] بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم [[ورد في الأثر عند أبي عبيد، والطبري، وابن أبي حاتم، زيادة في آخره: (وأبنائهم). ولا توجد لفظة (أنفسهم) عند النحاس. وفي "الدر": (وأمهاتهم) بدلًا من: (أبنائهم).]].
واختار الزجاج هذا الوجه، وهو أن الآية مُحكَمَةٌ غير منسوخة؛ لأنه قال [[في "معاني القرآن" له 1/ 448. نقله بنصه.]] في قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾: أي: اتَّقُوهُ فيما يحقُّ عليكم أن تتَّقُوهُ فيه.
وقال [[أي: ابن عباس.]] في رواية عطاء [[لم أقف على مصدر هذه الرواية. ولكن ورد عن ابن عباس بنحوه، أخرجه ابن مردويه، كما ورد عنه من طريق عكرمة، أخرجه عبد بن حميد. انظر: "الدر المنثور" 2/ 106.]]: هذا منسوخٌ؛ لانهم قالوا: يا رسولَ الله! وما حَقُّ تُقاتِهِ؟ قال: "يُذكر فلا ينسى، ويُطاع فلا يُعصى" قالوا: ومَن يَقوَى على هذا؟ وشَقَّ [[في (ب): (وحتى).]] عليهم؛ فأنزل الله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
وإلى هذا القول، ذهب: قتادة [[قوله في كتاب "الناسخ والمنسوخ" له: 38، "تفسير الطبري" 4/ 29، 28/ 227، "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 722 "الناسخ والمنسوخ" للنحاس: (85)، وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 105، ونسب إخراجه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وأبي داود في ناسخه.]] والرَّبِيع [[قوله في "تفسير الطبري" 4/ 29، "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 722.]] والسُّدِّي [[قوله في المصادر السابقة.]] وابن زيد [[قوله في "الطبري" 4/ 29، "زاد المسير" 1/ 432، "المحرر الوجيز" 3/ 246.]]، وقال مقاتل [[لم أقف على نص قوله هذا في تفسيره، وقد أورده الثعلبي في "تفسيره" 3/ 86 أ. وقد نص مقاتل في تفسيره على نسخها بآية التغابن. انظر: "تفسيره" 1/ 292.]]: ليس [[في (ب): (آيتين). بدلًا من: (ليس).]] في آل عمران من المنسوخ إلا هذا [[ممن قال بنسخها من الذين كتبوا في النسخ: هبة الله بن سلامة في "الناسخ والمنسوخ" له: 62، 181، وأبو عبد الله محمد بن حزم في "الناسخ والمنسوخ" له: 31، والبازري في "ناسخ القرآن ومنسوخه" له: 28، وعبد القاهر البغدادي في "الناسخ والمنسوخ" له: 92. والكرمي في "قلائد المرجان" 81.
ولكن ذهب آخرون إلى إحكام هذه الآية وعدم نسخها -وهو الراجح-؛ لأنه لا تعارض بين الآيتين؛ حيث إن آية سورة التغابن من قبيل المفسِّر والمبيِّن للمُبْهَم الوارد في آية سورة آل عمران؛ وذلك أنَّ (حقّ تُقاته) إنما هو بقدر الاستطاعة؛ لأنه ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ -286 البقرة-، فمعنى الآية: أن نتَّقي اللهَ حقَّ تقاته، ما استطعنا، وُيبَين النَّحاسُ هذا بقوله:
(محال أن يقع في هذا ناسخ ولا منسوخ، إلا على حيلة؛ وذلك أن معنى (نسخ الشيء): إزالته بضدِّه، فمحال أن يقال: ﴿اتَّقُوا اللهَ﴾ منسوخ، ولا سيما مع قول رسول الله ﷺ، مما فيه بيان الآية) ثم ذكر رواية معاذ بن جبل عن رسول الله ﷺ: (قال لي رسول الله ﷺ: (يا معاذ أتدري ما حق الله -عز وجل- على العباد؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (أن يعبدوه، فلا يشركوا به شيئًا). أفلا ترى أنه محال أن يقع في هذا نسخ؟).
ثم ذكر رواية ابن عباس من طريق الوالبي التي أوردها المؤلف سابقًا، وقال: (فكل ما ذكر في الآية، واجب على المسلمين أن يستعملوه، ولا يقع فيه نسخ. وهذا هو قول النبي ﷺ: أن تعبدوه لا تشركوا به شيئًا، وكذا على المسلمين، كما قال ابن مسعود: أن تطيعوه فلا تعصوه، وتذكروه فلا تنسوه، وتشكروه ولا تكفروه، وأن تجاهدوا فيه حق جهاده فأما قول قتادة -مع محله من العلم-: إنها نسخت.== فيجوز أن يكون معناه نزلت ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ بنسخ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾، وأنها مثلها؛ لأنه لا يُكلَّفُ أحدٌ إلا طاقته). "الناسخ والمنسوخ" له: 282 - 284. وقال مكي بن أبي طالب -مؤكدًا القول بإحكام الآية وعدم نسخها-:
(وهذا القول حسن؛ لأن معنى ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾: اتَّقوه بغاية الطاقة، فهو قوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ إذ لا جائز أن يكلِّفَ اللهُ أحدًا ما لا يطيق، وتقوى الله بغاية الطاقة واجب فرض لا يجوز نسخه؛ لأن في نسخه إجاة التقصير من الطاقة في التقوى، وهذا لا يجوز). "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" 171. ويؤكد هذا ما ورد عن طاوس بن كيسان في تفسير هذه الآية، وهو قوله: (وهو أن يُطاع فلا يُعصَى، فإن لم تفعلوا، ولن تستطيعوا، ﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، قال: على الإسلام، وعلى حرمة الإسلام). أخرجه الطبري في "تفسيره" 4/ 30، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 723 واللفظ له.
ويرجح هذا المعنى: أن معنى النسخ عند السلف أعم وأشمل من المعنى الإصطلاحي، وهو: (رفع حكم شرعي متقدم بدليل شرعي متأخر عنه)، بل يشمله ويشمل غيره، وقد بين الشاطبي هذا الأمر فقال:
(الذي يظهر من كلام المتقدمين، أن النسخ عندهم في الإطلاق، أعم منه في كلام الأصولين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخًا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخًا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل متأخر نسخا؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو أن النسخ في الإصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد: ما جيء به آخرًا، فالأول غير معمول به، والثاني هو المعمول به). الموافقات: 3/ 108.
وبمثله قال ابن القيم في إعلام الموقعين: 1/ 35.
وممن رجح كون الآية محكمة غير منسوخة، وأن المراد بها هو: تقوى الله قدر الاستطاعة: الطبري في "تفسيره" 4/ 29، وابن عطية في "المحرر الوجيز" 3/ 246، وابن الجوزي في المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم "الناسخ والمنسوخ" 122، والكيا الهراسي في "أحكام القرآن" 1/ 298، والفخر الرازي في "تفسيره" 8/ 167. ومن المعاصرين: د. مصطفى زيد في "النسخ في القرآن" 2/ 614 - 615.]].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله تعالى: ﴿ولَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ لفظ [[من قوله: (لفظ ..) إلى (صادفكم على ذلك): نقله -بنصه- عن: "معاني القرآن" للزجاج: 1/ 449.]] النَّهْي واقعٌ على الموت، والمعنى واقعٌ على الأمر بالإقامة [[في (ب): (والإقامة).]] على الإسلام.
المعنى: كونوا على الإسلام فإذا أورد [[في (ب): (اود). وفي "معاني القرآن": (ورد).]] عليكم الموت، صادفكم على ذلك [[في (ب): (الإسلام): بدلًا من (ذلك).]].
وقال بعض أهل المعاني [[لم أقف عليهم. وقد نقل هذا القول، بتصرف: الفخر الرازي في "تفسيره" 8/ 177. ونقله -بنصه- الخازن في "تفسيره" 1/ 328 دون أن ينسباه لقائل.]]: هذا في الحقيقة، نَهْيٌ عن ترك الإسلام؛ المعنى: لا تتركوا الإسلام فإن الموت لابد منه، فمتى [[في (ب): (التي).]] صادفكم، [صادفكم] [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج). و"تفسير الفخر الرازي"، و"تفسير الخازن".]] عليه، إلّا أنه وضع كلامًا موضع كلام؛ لِحُسْنِ الاستعارة؛ لأنه لَمَّا كان يمكنهم الثبات على الإسلام، حتى إذا أتاهم الموت، لاقاهم وهم على الإسلام، صار الموت على الإسلام، بمنزلة ما [[في (ب): (من).]] قد [دَخَلَ] [[ما بين المعقوفين في (أ)، (ب)، (ج): (دخله). ولكن لم أر لها وجهًا، وأثبتُّها من تفسير الفخر الرازي، وتفسير الخازن.]] في إمكانهم. وقد مضى الكلام في هذا عند قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّين﴾ [البقرة: 132]، الآية.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق