الباحث القرآني
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ قال ابن عباس: لنسكننهم غرف الدر والياقوت والزبرجد [[ذكره عنه الطبرسي "مجمع البيان" 7/ 455.]].
قال مقاتل: يعني لننزلنهم [["تفسير مقاتل" 75 أ. و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 117. و"غريب القرآن" لابن قتيبة 338.]]. وهذا يدل على صحة قراءة العامة: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ يقال: بوأت فلانًا منزلًا تبويئًا وتبوئة [["تهذيب اللغة" 15/ 595 (باء).]]، وذكرنا ذلك قديمًا [[قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ [يونس: 87]: قال أبو علي: التبؤ: فعل يتعدى إلى مفعولين فعلى ما ذكر أبو علي يجوز أن تقول: تبوأت زيدًا مكانًا، أي: اتخذت له، ولم أو هذا لغيره؛ لأنه يقال: تبوأ المكان دارًا، فيعدونه إلى مفعولين كما ذكر، ويقال: تبوأ لزيد منزلًا، أي: اتخذه له، فلا يعدون لزيد إلا باللام.]].
وقرأ حمزة والكسائي: (لَنُثْوِيَنَّهُم) وهي قراءة عبد الله والأعمش [[قرأ حمزة والكسائي: [لَنُثْوِيَنَّهُم] بالثاء، وقرأ الباقون: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ بالباء. "السبعة في القراءات" 502، و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 438، وفيه ذكر قراءة الأعمش نقلها عن أبي الحسن. و"النشر في القراءات العشر" 2/ 344. وأخرج قراءة ابن مسعود: الفراء، "معاني القرآن" 2/ 318.]]، يقال: ثوى بالمكان إذا أقام به [[قال ابن قتيبة: هو من: ثويت بالمكان، أي: أقمت به. "غريب القرآن" 338.]]، ومنه قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ [القصص: 45] أي: مقيمًا نازلًا فيهم، والثويَّ: الضيف لإقامته عند المضيف [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 438.]].
قال الزجاج: يقال: ثوى الرجل إذا أقام، وأثويته إذا أنزلته منزلًا يقيم فيه [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 173.]]. وقال حسان:
ثوى في قريش بضع عشرة حِجةً [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 439، ونسبه لحسان. وهو في "ديوانه" 261، أخرج الحاكم عن يحيى بن سعيد قال: سمعت عجوزًا من الأنصار تقول: رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة بن قيس يتعلم منه هذه الأبيات:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يُذكِّر لو ألفي صديقًا مواتيًا
وساق بعده ستة أبيات، ثم قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.]]
أي: أقام ونزل فيهم. وإذا تعدى: ثوى، فزيدت عليه الهمزة، وجب أن يتعدى إلى المفعول الثاني [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 439.]].
قال الأخفش: قرأ الأعمش: ﴿لَنُثْوِيَنَّهُم مِنَ الجنَّةِ غُرَفًا﴾ قال: ولا يعجبني ذلك؛ لأنك لا تقول: أثويته الدار [[لم أجده عند الأخفش في "المعاني"، لكن ذكر أبو علي أن أبا الحسن قال: قرأ الأعمش. "الحجة للقراء السبعة" 5/ 440.]].
قال أبو علي: ووجه هذه القراءة كان في الأصل: لنثوينهم من الجنة في غرف، وحذف الجار، كما حذف من نحو قوله:
أمرتك الخيرَ [[جزء من بيت لعمرو بن معد يكرب، والبيت بتمامه:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نَشَب= وقد أورده أبو علي في "الحجة" 5/ 440، مقتصرًا على: أمرتك الخير، ولم ينسبه. وقد استشهد به سيبويه على حذف حرف الجر، ونصب الخير. "الكتاب" 1/ 37، ونسبه لعمرو بن معد يكرِب الزُّبيديّ. واستشهد به كذلك المبرد، في "المقتضب" 2/ 36، والبغدادي، "خزانة الأدب" 1/ 339، ولم ينسباه.]] ....
ويقوي ذلك أن الغرف وإن كانت مختصة، فقد أجريت المختصة من هذه الظروف مجرى غير المختص، نحو قوله:
كما عسل الطريقَ الثعلبُ [[أنشده كاملًا سيبويه، "الكتاب" 1/ 36، ونسبه لساعدة بن جُؤَيَّة، والبيت تمامه:
لدنٌ بِهزِالكفِ يعسلُ متنُه ... فيه كما عسلَ الطريقَ الثعلبُ
وأنشده كاملًا المبرد، "الكامل" 1/ 474، ولم ينسبه. وأنشد عجزه أبو علي، في "الحجة" 5/ 440، ولم ينسبه، وعنه أخذ الواحدي، وأنشده ابن جني، "الخصائص" 3/ 319، ولم ينسبه. وفي الحاشية: هذا البيت في وصف الرمح، واللدن: اللين الناعم، وقوله: يعسل متنه: يشتد اهتزازه، ويقال: عسل الثعلب والذئب في سيره: اشتد اضطرابه.]]
ونحو: ذهبتُ الشامَ، عند سيبويه. ويدل على صحة قول سيبويه ما روي في الحديث: "إنما أنا لكم كالوالد، فإذا ذهب أحدكم الغائط" من غير حرف جر، وروي: "إلى الغائط" [[أخرج هذا الحديث بحرف الجر: (إلى الغائط) الإمام أحمد 12/ 372، ط/ الرسالة، وابن ماجه 1/ 114، كتاب: الطهارة، رقم الحديث (313)، وابن حبان في "صحيحه"، كتاب: الطهارة، رقم (1431)، "الإحسان" 4/ 279، والبيهقي، "السنن الكبرى" 1/ 102، كتاب: الطهارة. كلهم من طريق: يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. والحديث في "صحيح سنن ابن ماجه" 1/ 57، رقم (252). وقال محققو المسند: إسناده قوي. ولم أجده بهذا اللفظ بدون حرف الجر، إلا عند النسائي في "السنن الكبرى" من طريق عبد العزير بن أبي حازم عن أبيه عن مسلم بن قُرط عن == عروة عن عائشة أن رسول الله -ﷺ- قال: "إذا ذهب أحدكم الغائطَ فليذهب معه بثلاثة أحجار". "السنن الكبرى" 1/ 72، كتاب: الطهارة، رقم الحديث (42). والحديث في السنن الصغرى بهذا الإسناد بإثبات حرف الجر. "سنن النسائي" 1/ 44، كتاب الطهارة، رقم الحديث (44)، وهو في "صحيح سنن النسائي" 1/ 11، رقم الحديث (43). وأخرجه الطبراني من طريق سلامة بن روح، عن عُقَيل، عن ابن شهاب الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب، قال: قال رسول الله -ﷺ-: "من ذهب منكم الغائطَ فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا". "المعجم الكبير" 4/ 143، رقم الحديث: 3942.
وسلامة بن روح مختلف فيه، "الكامل في ضعفاء الرجال" 3/ 1162، "تهذيب التهذيب" 4/ 253، "ميزان الاعتدال" 2/ 183، قال عنه ابن حجر: صدوق له أوهام. "تقريب التهذيب" 426. وعُقيل هو ابن خالد بن عقيل، قال عنه الذهبي: الحافظ الإمام، حدث عن ابن شهاب فأكثر وجوَّد، وحدث عنه ابن أخيه: سلامة بن روح. "سير أعلام النبلاء" 6/ 301. قال عنه ابن حجر: ثقة ثبت "تقريب التهذيب" 687. وعطاء بن يزيد الليثي: ثقف "تقريب التهذيب" 679.]]. ويدل على صحة القراءة الأولى، قوله: ﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ [الزمر: 74] [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 440، وليس فيه ذكر الحديث. وقول سيبويه في "الكتاب" 1/ 35.]].
وقوله: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ قال ابن عباس: يريد تحت الغرف الأنهار، كما وصف تبارك وتعالى: ﴿مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ الآية [محمد: 15] [[لعل الشاهد من إيراد هذه الآية: بيان أن الأنهار التي تجري من تحت الغرف أنهار متنوعة، كما ذكر في آية سورة: محمد ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾. والله أعلم.]].
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقيمين فيها لا يموتون، ولا يهرمون، ولا يسقمون.
وقوله: ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ قال: يريد المهاجرين والأنصار. قال مقاتل: ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ لله [["تفسير مقاتل" 75 أ.]]. وفي الآية حذف يتم به الكلام، كأنه قيل: نعم أجر العاملين الغرف أو الجنة [[أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3078، عن مقاتل.]].
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ غُرَفࣰا تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق