الباحث القرآني
قوله: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قال ابن السكيت: استعبده وعبَّده أي: أخذه عبدًا، وأنشد قول رؤبة:
يَرضونَ بالتعبيدِ والتأمِّي [[ذكره الأزهري 2/ 233 (عبد)، من إنشاد ابن السكيت، منسوبًا لرؤبة. وفي الحاشية: قبله: مالناس إلا كاثمام الثم. انظر مجموع أشعار العرب 3/ 143 وهو في "اللسان" 3/ 271 (عبد) منسوبًا لرؤبة.]]
قال: ويقال: تَعَبَّدت فلانًا، أي: اتخذته عبدًا، مثل: عَبَّدته سواء. وتأمَّيت فلانة: اتخذتها أمة [["تهذيب اللغة" 2/ 233 (عبد).]]. وينشد على هذا [[هذا في نسخة (أ)، (ب).]] التعبد، بمعنى: التعبيد، قول الشاعر:
تعبدني نِمْر بن سعد .. البيت [[لم أجده في "تهذيب اللغة"، وقد أنشده كاملاً في "اللسان" 3/ 274 (عبد):
تعبدني نمر بن سعد وقد أُرى ... ونمر بن سعد لي مطيع ومهطِع]]
وورمال أيضًا: أَعْبَدت الرجل بمعنى: عَبَّدته [[ذكره الأزهري 2/ 233، ولم ينسبه.]]، قال الشاعر:
علام يُعبِدني قومي وقد كثرت ... فيهم أباعِرُ مَا شاءوا وعُبْدانُ [[أنشده الفراء، في "معاني القرآن" 2/ 279، وعنه الثعلبي 8/ 109 ب. وأنشده ابن جرير 19/ 68، والزجاج 4/ 87، والأزهري 2/ 233، والطوسي 8/ 12، والزمخشري 3/ 297، ولم ينسبوه. وأنشده في "اللسان" 3/ 275، ونسبه للفرزدق. وأنشده أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي، ولم ينسبه، واستشهد به على أنه يقال: عبدت الرجل، وأعبدته، إذا استعبدته، وأنزلته منزلة العبيد. "اشتقاق أسماء الله" 39.]]
قال مجاهد، في قوله: ﴿عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قهرتهم واستعملتهم [[أخرجه ابن جرير 19/ 68، وابن أبي حاتم 8/ 2756. وهو في "تفسير مجاهد" 2/ 460.]].
وقال قتادة في هذه الآية: يقول موسى لفرعون: أتمن علي أن اتخذت بني إسرائيل عبيدًا [[تفسير عبد الرزاق 2/ 74. وعنه ابن جرير 19/ 69. وأخرجه عنه ابن أبي حاتم 8/ 2755، من طريق آخر. واقتصر عليه ابن قتيبة، في "غريب القرآن" 316، ولى ينسبه. وصحح هذا القول ابن عطية 11/ 101؛ فقال: قول موسى عليه السلام تقرير بغير ألف، وهو صحيح، كما قال قتادة.]].
وقال السدي: تَمُن علي أن ربيتني فيك وليدًا [[أخرجه ابن جرير 19/ 68.]]، وأنت قد استعبدت بني إسرائيل فأرسلهم معي ولا تعذبهم.
وقال الكلبي: يقول: تمن بها علي وتستعبد بني إسرائيل [["تنوير المقباس" 307، بمعناهـ و"تفسير السمرقندي" 2/ 472، منسوبًا للكلبي.]].
وقال مقاتل: قال موسى: تمن علي إحسانك إلى خاصة فيما [[فيما، من "تفسير مقاتل" 48 ب.]] زعمت، وتركت [[في "تفسير مقاتل" 48 ب: وتنسى.]] إساءتك أن عبدت يعني: استعبدت بني إسرائيل [["تفسير مقاتل" 48 ب.]]. هذا ما ذكره المفسرون في هذه الآية. وهو لا يفتح غُلقًا ولا يَحل مُشكلًا.
وجملة القول في هذه الآية: أن أهل التأويل مختلفون فيها على قولين؛ أحدهما: أن موسى أنكر أن يكون ثَمَّ [[ثم. في نسخة (أ)، (ب).]] لفرعون عليه نعمة [[قال الثعلبي 8/ 109 أ: "اختلف العلماء في تأويلها، ففسره بعضهم على الإقرار، وبعضهم على الإنكار".]].
قال صاحب النظم: لا يحتمل قوله: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ﴾ إلا أن يكون مستفهمًا به؛ بمعنى: أوَ تلك، على الإنكار بلفظ الاستفهام [[ذكر هذا القول: أبو علي، كتاب الشعر 1/ 56، ولم ينسبه.]]، ولا يحتمل أن يكون خبرًا؛ لأن تعبيد فرعون بني إسرائيل كيف يجعله موسى مِنَّة منه على نفسه؟ فالمعنى: ما ذهبنا إليه، وقد تستفهم العرب بلا ألف، ثم ذكر [[في نسخة (ب): وقد ذكرنا أبياتاً.]] أبياتًا فيها [[في نسخة (ج): منها.]]:
أفرحُ أن أُرْزَأ الكِرامَ [[أنشده الأزهري 15/ 359 (نبل) عن أبي عبيد أنه قال: وحدثني محمد بن إسحاق == ابن عيسى، عن القاسم بن معن: أن رجلاً من العرب توفي فورثه أخوه، فعيَّره رجل بأنه فرح بموت أخيه لَمَّا ورثه؛ فقال:
أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أُورثَ ذَوداً شصائصاً نَبَلاً
قال: والنبل في هذا الموضع: الصغار الأجسام. وفي "اللسان" 11/ 641 (نبل): "يقول: أأفرح بصغار الإبل، وقد رزئت بكبار الكرام قال ابن بري: الشعر لحضرمي بني عامر".]] قال: أراد: أأفرح؛ لأنه ينكر ذلك ولا يقبله. ومنها:
بسبعٍ رمين الجمر .. [[أنشده منسوبًا لابن أبي ربيعة، سيبويه 3/ 175، وفي الحاشية: الشاهد فيه: حذف ألف الاستفهام ضرورة لدلالة أم عليها، وأنشده كذلك المبرد، في "المقتضب" 3/ 294، والبيت بتمامه عندهما:
لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً ... بسبع رمين الجمر أم بثمان
عند سيبويه والمبرد بالنون: رمين. ورواية اليت في الديوان 399: فوالله ما أدري وإني لحاسب بسبع رميتُ الجمر أم بثمان
ورميت أولى؛ لأن يصور ذهوله عند رؤية عائشة بنت طلحة، وقد رآها في الحج.]]
وهذا الذي ذكره هو قول الأخفش؛ قال: هذا استفهام كأنه قال: أوَ تلك نعمة تمنها؛ ثم فسر فقال: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ فجعله بدلاً من النعمة [["معاني القرآن" للأخفش 2/ 646.]]. قال أبو العباس: وهذا غلط لا يجوز أن يُلْقَى الاستفهام، وهو يُطلَب فيكون الاستفهام كالخبر، وقد استقبح ومعه (أمْ)، وهي دليل على الاستفهام، واستقبحوا قول امرئ القيس:
تروحُ من الحيِّ أم تَبْتَكِرْ [[ديوان امرئ القيس 22، وعجزه:
وماذا عليك بأن تنتظر= وذكره ابن جرير 19/ 69، كاملاً، ولم ينسبه، وذكره صدره فقط الأزهري 2/ 232، منسوبًا لامرئ القيس. وفي حاشية ابن جرير: تروح: أتروح، وتبتكر: تخرج مبكراً، يقول: أتروح إلى أهلك آخر النهار أم تخرج إليهم بكرة، وما الذي يعجلك عن الانتظار وهو خير لك. والبيت شاهد على أنه حذف همزة الاستفهام، اكتفاء بدلالة أم، عليه، وبعضهم يستقبح الحذف في هذا الموضع.]] بمعنى: أتروح، فحذف الاستفهام واكتفى [[ساقطة من: (ب).]] بـ (أم)، فذهب الأكثرون إلى أن الأول خبر، والثاني استفهام، فأما وليس معه (أم) فلم يقله إنسان. انتهى كلامه [[ذكره ابن جرير 19/ 69، بنصه، وصدره بقوله: وكان بعض أهل العربية ينكر هذا ولم يسمه. وذكر نحوه النحاس، في "إعراب القرآن" 3/ 176، ولم ينسبه، وقد صرح فيه بالرد على الأخفش. وذكره بنصه الأزهري 2/ 232، منسوبًا لأبي العباس.]].
ولتحقيق الإنكار وجه غير تقدير الاستفهام؛ قال محمد بن إسحاق بن يسار في هذه الآية: أقبل موسى على فرعون ينكر عليه ما ذكر من يده عنده فقال: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: اتخذتهم عبيدًا تنزع أبناءهم من أيديهم فتسترق من شئت، وتقتل من شئت، أي: إنما صيرني إليك [[إليك. في نسخة (أ)، (ب).]] وإلى بيتك ذلك [["تاريخ ابن جرير" 1/ 406، بسنده عن محمد بن إسحاق. وأخرجه عنه ابن أبي حاتم 8/ 2756، وقد وقع في المطبوع: "وإني إنما صيرني إليك لأبين لك ذلك". وهو مخالف للمخطوط 209 ب، ولما في "تاريخ ابن جرير".]].
واختار الزجاج والأزهري هذا القول وشرحاه؛ قال الزجاج: المفسرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار أن تكون تلك نعمة، كأنه قال: وأيُّ نعمة لك عليٍّ في أن عبدت بني إسرائيل، واللفظ لفظ خبر، قال: ويخرج المعش على ما قالوا أن لفظه لفظ الخبر، وفيه تبكيت للمخاطب، على معنى أنك لو كنت لا تقتل [[(لاتقتل) من (ج).]] أبناء بني إسرائيل، لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليم فكأنك تمنن علي بما كان بلاؤك سببًا له. انتهى كلامه [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 86.]].
وزاد الأزهري بيانًا لهذا القول؛ فقال: إن فرعون لما قال لموسى: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ فاعتد عليه بأن رباه وليدًا منذ ولد إلى أن كبر، وكان من جواب موسى له: تلك نعمة تعتد بها عليَّ لأنك عبدت بني إسرائيل، ولو لم تعبدهم لكفلني أهلي، ولم يلقوني في اليم، فإنما صارت نعمة لِما أقدمت عليه مما حظره الله عليك. انتهى كلامه [["تهذيب اللغة" 2/ 232 (عبد).]].
ونظير هذا من الكلام أن يَمنُن إنسانٌ على غيره تربيتَه فيقول له المخاطب: هذه النعمة حصلتْ لك علي بأن قتلت أبوي؛ ولو لم تقتلهما لربياني، فيكون في ذكر سبب تربيته إياه دفعًا لما ذَكر من النعمة عليه [[عليه. في نسخة (أ)، (ب). وفي نسخة أ، زيادة: وإلى هذا القول. والكلام مستقيم بدونها.]]، كذلك لَمَّا ذَكر موسى تعبيده بني إسرائيل كان في ذلك إبانةً لسبب حاجة موسى إلى تربية فرعون، ودفعًا لِما ذَكر من النعمة عليه. وإلى هذا القول أشار [[في نسخة (ب): ذهب أشار.]] المبرد؛ فقال: التربية كانت بالسبب الذي ذكره الله من التعبيد، فقال موسى: تربيتك إياي كانت لأجل التملك والقهر لقومي، فقوله: ﴿تِلْكَ﴾ ابتداء، و: ﴿نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ خبره، و: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ﴾ بدل من النعمة، مبين لها، وتقديره: تعبيدك بني إسرائيل.
هذا الذي ذكرنا وجه قول من قال بالإنكار.
القول الثاني: أن موسى أقر بنعمة التربية. وهو قول الفراء [["معاني القرآن" للفراء 2/ 279.]]، ومذهب أبي العباس [["تهذيت اللغة" 2/ 232 (عبد).]]، ووجهه: أن فرعون لما قال لموسى: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ أي: لنعمة تربيتي لك، أجاب موسى فقال: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ﴾ الآية؛ يقول: هي لعمري نعمة إذ ربيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل، فـ ﴿أَن﴾ تدل على ذلك. ومثله في الكلام: أن تضرب أحد عبيدك وتترك الآخر، فيقول المتروك: هذه نعمة عليٍّ أنْ ضربت فلانًا وتركتني، ثم تحذف: وتركتني. والمعنى قائم معروف. هذا كله كلام الفراء؛ قال: وقد تكون ﴿أَن﴾ رفعًا ونصبًا، أما الرفع فعلى قولك: وتلك نعمة تمنها علي تعبيدك بني إسرائيل. والنصب: تَمَنَّها عليَّ لتعبيدك بني إسرائيل. انتهى كلامه [["معاني القرآن" للفراء 2/ 279.]].
ووجه هذا القول يصح في النظم بتقدير محذوف؛ كأنه قال: وتلك التي [[التي. في نسخة (أ)، (ب).]] تذكر نعمة لك تمنها علي لأن عبدت بني إسرائيل. هذا وجه الإقرار بنعمة التربية. ومذهب المفسرين: الإنكار. وما حكينا من أقوالهم يدل على الإنكار.
{"ayah":"وَتِلۡكَ نِعۡمَةࣱ تَمُنُّهَا عَلَیَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق