الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ [[من، في قوله تعالى: ﴿مِنْ أَزْوَاجِنَا﴾ ابتدائية، على معنى: هب لنا من جهتهم ما تقر به عيوننا. "تفسير الرازي" 24/ 115.]] وتقرأ و ﴿وذريتنا﴾ [[قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم في رواية حفص: ﴿وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ بالجمع. وقرأ أبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي: ﴿وَذُرِّيَّتِنَا﴾ واحدة. كتاب السبعة في القراءات 467، و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 352، و"النشر في == القراءات العشر" 2/ 335، قال الأزهري: المعنى واحد في القراءتين؛ لأن الذرية تنوب عن الذريات، فاقرأ كيف شئت.]] والذرية، تكون واحدًا وجمعًا. فكونها للواحد، قوله: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ [آل عمران: 38] فهذا كقوله: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي﴾ [مريم 5، 6] وكونها للجمع قوله: ﴿ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ [النساء: 9] فمن أفرد في هذه الآية، فإنه أراد به الجمع، فاشغنى عن جمعه لما كان جمعًا، ومن جمع [[(ومن جمع) في (أ)، (ج).]] فكما تجمع هذه الأسماء التي تدل على الجمع، نحو: قوم وأقوام، ورهط وأرهاط. وقد جمعوا بالألف والتاء، والواو والنون، الجموع المكسرة، كقولهم: الجُزُرات [[جَزَر الناقة يجزَرُها جَزْرَاً: نحرها وقطعها، والجَزور: الناقة المجزورة، والجمع: جزائر وجُزُز وجُزُرَات جمع الجمع، كطرق وطرقات. "لسان العرب" 4/ 134 (جزر)، و"القاموس المحيط" ص 465.]]، والطُّرقات. وجاء في الحديث: "صواحبات يوسف" [[جزء من حديث طويل في أمر النبي -ﷺ- أبا بكر -رضي الله عنه-، أن يصلي بالناس، ومراجعة عائشة، وحفصة -رضي الله عنهما- رسول الله -ﷺ- في ذلك، فقال لهن رَسُولُ الله -ﷺ-: "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". أخرجه الترمذي 5/ 573، كتاب المناقب، رقم: 3672. والنسائي 2/ 434، كتاب الإمامة، رقم: 833، وأخرجه البخاري، في مواضع من صحيحه، بلفظ: صواحب يوسف. "الفتح" 2/ 164، 206، و6/ 417، و13/ 276. وقد وهم محقق كتاب "الحجة للقراء السبعة" 5/ 353، بعزو لفظ: صواحبات، للبخاري.]]. وقال العجاج: جَذْبُ الصَّرارِيِّين بالكُرُور [["ديوان العجاج" ص 191، وأنشده الأزهري 9/ 442، وقال: جعل العجاج الكَرَّ حبلاً تقاد به السفن على الماء، والصراري: الملاّح. وأنشده أبو علي في "الححة" == / 353، ونسبه للعجاج. وكذا في "لسان العرب" 4/ 454 (صرر)، وفيه: وصواب إنشاد بيت العجاج: جذبُ برفع الباء؛ لأنه فاعل لفعل في بيت قبله.]] وإنما الصراري جمع صُرَّاءٍ، وهو مفردٌ نحو: حُسَّانٍ [[في "لسان العرب" 4/ 454 (صرر): وكان أبو علي يقول: صراءٌ واحد، مثل: حُسَّانٍ للحَسَن.]]، فَكَسَّرَه ككُلَّابٍ، وكَلاَليب؛ لأن الصفة تُشَبَّه في التكسير بالأسماء. ويدل على أن الصُرَّاء واحدٌ قول الفرزدق: أَشاربُ قهوةٍ وخدينُ زِيرٍ ... وصُرَّاءٍ لفسوته بُخارُ [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 353، بنصه، ونسب البيت للفرزدق، وعزاه المحقق لديوانه 1/ 388، وأنشده في "لسان العرب" 4/ 454 (صرر)، منسوبًا للفرزدق؛ وفيه: أشاربُ خمرة. وفيه: ولا حجة لأبي علي في هذا البيت؛ لأن الصراري الذي هو عنده جمع، بدليل قول المسيب بن عَلَس، يصف غائصًا أصاب درة: وترى الصراري يسجدون لها ... ويضمهما بيديه للنحر]] قوله: ﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [[﴿قُرَّة أَعْيُنٍ﴾ كل ما تقر به عين الإنسان، ومعنى ذلك: أن الرجل إذا فرح بالشيء خرج من عينه ماء بارد، وهو القَرُّ، وإذا اغتم وبكى خرج من عينه ماء ساخن، فيقال: سخن الله عينه، إذا دعوا عليه، وإذا دعوا له: أقر الله عينه، ويقال: معنى أقر الله عينه، أي: غنم، وقيل: أقر الله عينه، أي: بلغه الله مراده حتى تقر عينه فلا تطمح إلى شيء وتستقر. "إعراب القراءات السبع وعللَّها" 2/ 128.]] قال الفراء: ولو قرئت: قُرَّاتِ أعين؛ لأنهم كثير، كان صوابًا. والوجه التقليل: ﴿وقُرَّةَ﴾؛ لأنه فعل، والفعل لا يكادون يجمعونه، ألا ترى أنه قال: ﴿وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ [الفرقان: 14] فلم يجمعه، وهو كثير. والقُرَّة: مصدر، تقول: قَرَّت عينُك قُرَّةً [["معاني القرآن" للفراء 2/ 274. بنصه. قال الألوسي 19/ 52: اختير الأعين جمعاً للعين الباصرة، والعيون جمعاً للعين الجارية، في جميع القرآن الكريم.]]. قال ابن عباس، في هذه الآية: يريد أبرارًا أتقياء [[أخرج ابن جرير 19/ 52، وابن أبي حاتم 8/ 2742، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من طريق علي ابن أبي طلحة: من يعمل لك بالطاعة فتقر بهم أعيننا في الدنيا والآخرة. وذكر الهواري 3/ 219، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أعواناً على طاعة الله.]]. وقال مقاتل: يقولون: اجعلهم صالحين، فتقر أعيننا بذلك [["تفسير مقاتل" ص 47 ب. ونحوه في "تنوير المقباس" ص 305.]]. وقال الكلبي: ﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ في الدنيا، صالحين مطيعين لك [[نحوه في "تفسير الماوردي" 4/ 160، منسوبًا للكلبي.]]. وقال الضحاك: اجعلهم أبرارًا صالحين. وقال القرظي: ليس شيء أقرَّ لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله [[ذكره البخاري، تعليقاً عن الحسن، ولفظه: وما شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى حبيبه في طاعة الله. "الفتح" 8/ 490. وكذا ابن جرير 19/ 52. وذكره البغوي 6/ 99، عن القرظي، والحسن. وأخرج نحو هذه الأقوال، ابن أبي حاتم 8/ 2742، عن عكرمة، والحسن، قال المقداد بن الأسود -رضي الله عنه-: حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان، يعلم أنه إن هلك دخل النار فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وإنها للتي قال الله: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾]]. قوله عز وجل: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ قال ابن عباس، ومقاتل: يُقتدى بنا في الخير [[أخرج ابن جرير 19/ 53، وابن أبي حاتم 8/ 2742، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-. و"تفسير مقاتل" ص 47 ب. وفيه: قال أبو محمد: سألت أبا صالح عنها، فقال: قال مقاتل. اجعلنا نقتدي بصالح أسلافنا، حتى يُقتدى بنا بعدنا. وهذا القول اختيار الفراء في "المعاني" 2/ 274. والهواري 3/ 219.]]. وقال أبو صالح: يُقتدى بهدانا [[قال ابن أبي حاتم 8/ 2742، بعد ذكر قول ابن عباس -رضي الله عنهما- السابق: وروي عن أبي صالح، وعبد الله بن شوذب نحو ذلك.]]. وقال عكرمة: إمامًا مثالًا [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2743.]]. وقال مكحول: أئمة في التقوى، يَقتدي بنا المتقون [[أخرجه الثعلبي 8/ 105 ب، وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2743، بسياق أطول من هذا. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم 8/ 2743، عن سعيد بن جبير، والسدي.]]. قال الفراء: إنما قال: ﴿إِمَامًا﴾ ولم يقل: أئمة، كما قال: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 16]، للاثنين، وعلى هذا هو من الواحد الذي أُريد به الجمع [["معاني القرآن" للفراء 2/ 274، بمعناه]]، كقول الشاعر: يا عاذلاتي لا تُردْن ملامتي ... إن العواذل لسن لي بأمير [[أنشد البيت الأخفش 2/ 643، ولم ينسبه. وأنشد عجزه أبو عبيدة 2/ 45، ولم ينسبه، وقال: أراد: أمراء. وذكره ابن جرير 19/ 54، من إنشاد بعض نحوي البصرة. وأنشده ولم ينسبه: الثعلبي 8/ 105 ب، وابن قتيبة، "تأويل مشكل القرآن" ص 285، وابن جني، "الخصائص" 3/ 174، وابن هشام، "مغني اللبيب" 1/ 211.]] وحكى أبو علي الفارسي، عن الأخفش قال: الإمام هاهنا جمع: آمّ فاعل من: أمَّ، يُجمع على: فِعَال، نحو: صَاحب، وصِحَاب [["معاني القرآن" للأخفش 2/ 643. ولفظه: فالإمام هاهنا جماعة، كما قال: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ [الشعراء: 77]، ويكون على الحكاية كما يقول الرجل إذا قيل له: من أميركم؟ قال: هؤلاء أميرنا وذكره أبو علي في كتابه: "التكملة" 464، ولم ينسبه. قال ابن جزي ص 488: هو جمع آمّ، أي: متبع. وكذا الأنباري، "البيان في غريب إعراب القرآن" 2/ 210.]]. ونحوه قول الحطيئة: .... الأَطِبَّةُ والإسَاءُ [[أنشده كاملاً، ونسبه للحطيئة، المبرد، "الكامل" 2/ 722، وأنشده مع أبيات أخر ص: 724، وأنشده كذلك الأزهري، "تهذيب اللغة" 13/ 140 (أسى)، والبيت بتمامه: همُ الآسُونَ أُمَّ الرأسِ لمَّا ... تواكلها الأطبة والإساء والبيت من قصيدة طويلة يمدح فيها الحطيئة بني أنف الناقة، وهم من بني عوف بن كعب. "ديوان الحطيئة" 82. الآسي: الطبيب. "الكامل" 2/ 722، والإساء: الدواء "تهذيب اللغة" 13/ 140 (أسى)، وأم الرأس: الجلدة الرقيقة التي أُلبست الدماغ، والمعنى: أنهم يصلحون الفاسد. "ديوان الحطيئة بشرح ابن السكيت" ص 82.]] جمع آسٍ. وقال غيره: الإمام، هاهنا: مصدر سمي به؛ يقال: أمَّ فلان فلانًا إمامًا، كقولك: قام قيامًا، وصام صيامًا [["تفسير ابن جرير" 19/ 54، بنصه، والثعلبي 8/ 105 ب، ولم ينسباه.]]. وروي عن مجاهد، في هذه الآية روايتان؛ إحداهما: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ قال: مؤتمين بهم مقتدين بهم [[أخرجه عبد الرزاق، في تفسيره 2/ 72. وعنه ابن جرير 19/ 53.]]. وعلى هذا يجب أن تكون الآية من باب القلب؛ على تقدير: واجعل المتقين لنا إمامًا [["تفسير الثعلبي" 8/ 105 ب. وذكره ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" 200 ورده، فقال: وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عز وجل، لو لم يجد له مذهباً؛ لأن الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية، أو لاستقامة وزن البيت. ثم ذكر شواهد كثيرة لفعل الشعراء. ثم قال: والله تعالى لا يغلط، ولا يضطر. وهذا قول حسن، وحمل ابن قتيبة، الآية على ظاهرها، فقال ص 205: يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ [السجدة: 24]، أي: قادة، كذلك قال المفسرون. وروي عن بعض خيار السلف، أنه كان == يدعو الله أن يُحمل عنه الحديث، فحُمل عنه. وقال بعض المفسرين، في قوله: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ أي: اجعلنا نقتدي من قبلنا، حتى يقتديَ بنا مَنْ بعدنا. فهم على هذا التأويل متَّبِعون، ومتَّبَعون. وجعل الماوردي 4/ 161، هذه الآية دليلاً على أن طلب الرياسة في الدين ندب. وذكر نحوه ابن عطية 11/ 81، عن إبراهيم النخعي. واستدل عليه الرازي 24/ 115، بقوله تعالى عن الخليل عليه السلام: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ [الشعراء: 84]. وذكر الطوسي 7/ 512، أن قراءة أهل البيت: واجعل لنا من المتقين إماماً. وتبعه الطبرسي 7/ 282. ولم أجد من ذكر هذه القراءة غيرهما، فلا يبعد أن تكون من تأويلات الشيعة لإثبات عقيدة الإمامة. والله أعلم.]]. والثانية قال: اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يَقتدي بنا مَنْ بعدنا [[أخرجه عنه، ابن جرير 19/ 53، وأخرج نحوه ابن أبي حاتم 8/ 2742، ثم قال: وروي عن الحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي نحو ذلك.]]. وعلى هذا في الكلام محذوف يدل عليه الباقي؛ حُذف سؤالهم الاقتداء بمن قبلهم من المتقين، وذُكر سؤالهم أن يقتدي بهم المتقون؛ لأنهم لا يصيرون قادة متبعين حتى يقتدوا أولاً ويتبعوا. وحكى الفراء، والزجاج، هذا القول الأخير [["معاني القرآن" للفراء 2/ 274. وذكر قبل قول مجاهد، أن المراد: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا. وأما الزجاج 4/ 78، فذكر قولاً واحداً واقتصر عليه، ولم ينسبه، وهو: واجعلنا ممن يهتدي بنا المتقون، ونهتدي بالمتقين. ولم يرجح الواحدي -رحمه الله- أحد القولين، مع أنه اقتصر في "الوسيط" 3/ 349، على القول الأول. ومال في "الوجيز" إلى الجمع بينهما فقال: اجعلنا ممن يهتدي به المتقون، ويهتدي بالمتقين. "الوجيز" 2/ 784. وأما ابن جرير، فقد رجح القول الأول: اجعلنا للمتقين إمامًا يأتمون بنا في الخيرات. لموافقته لظاهر الآية. وقال ابن عاشور 13/ 435: ولما كان المطلوب من المسلمين الاجتماع في الطاعة حتى تكون الكلمة في المتابعة واحدة، أشاروا إلى ذلك بتوحيد الإمام وإن كان المراد الجنس فقالوا: ﴿إِمَامًا﴾.]]. قال مقاتل: أخبر الله تعالى عن أعمالهم ثم أخبر عن ثوابهم [["تفسير مقاتل" ص 47 ب، بمعناه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب