الباحث القرآني

وقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ مفسر في سورة الأعراف [[عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الأعراف: 54]، حيث تكلم عن كلمة: ستة، وبين أصل اشتقاقها، والمراد بها في الآية، والحكمة من ذلك، ثم تكلم عن بقية معاني الآية في خمس صفحات.]]. إلى قوله ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ قال الكلبي: يقول: فأسأل الخبير بذلك [["الوسيط" 3/ 344، ونسبه البغوي 6/ 91، للكلبي. وهذا القول اختيار الهوارى 3/ 215: أي: خبيرًا بالعباد.]]. وعلى هذا الكناية في: ﴿بِهِ﴾ تعود إلى ما ذُكر من خلق السماوات، والأرض، والاستواء على العرش، والباء: من صلة الخبير قدم عليه، وذلك الخبير هو: الله -عز وجل-، وقيل: جبريل -عليه السلام- [["تفسير الثعلبي" 8/ 101 أ، بنحوه.]]. وقيل: هذا الخطاب ظاهره للنبي -ﷺ- والمراد به غيره [[وجزم به في "الوسيط" 3/ 344. وكذا البغوي، في "تفسيره" 6/ 91.]]. وقال مجاهد: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ أي: فأسأل الله تسل عالمًا بكل شيء لا يخفى عليه خافية [[أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2715، بسنده عن مجاهد: قال: ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك. وأخرج أيضًا بسنده 8/ 2715، عن شمر بن عطية: ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ قال: هذا القرآن خبيرًا.]]. وعلى هذا القول، معنى الآية: فاسأله تسل بسؤالك إياه خبيرًا. كما تقول: سل؟ تريد عالمًا. والمسؤول هو زيد، أي: سل زيدًا تسأل بسؤالك إياه عالمًا. وكان علي بن سليمان، يذهب إلى أن الكناية في ﴿بِهِ﴾ تعود إلى السؤال. وقوله: ﴿فَاسْأَلْ﴾ يدل على السؤال. والمعنى: فأسأل عالمًا بسؤالك [["القطع والائتناف" 2/ 486، ونسبه لعلي بن سليمان. وهو: علي بن سليمان بن الفضل النحوي، أبو الحسن الأخفش الأصغر، قرأ على ثعلب والمبرد، وغيرهما، من مصنفاته: "شرح سيبويه"، و"التثنية والجمع". ت 315 هـ. انظر: "سير أعلام النبلاء" 14/ 480، و"بغية الوعاة" 2/ 167.]]. وقال أبو إسحاق: المعنى: فاسأل عنه خبيرًا [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 73.]]. وهو مذهب الأخفش، وجماعة، جعلوا الباء، بمعنى عن، كقوله: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج: 1]. وأنشدوا: وإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب [[ذكره ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" ص 568، ونسبه لعلقمة. وهو في "ديوانه" ص 23. وذكره الثعلبي 8/ 101أ، ولم ينسبه. وذكره الطبرسي 7/ 274، ونسبه لعلقمة بن عبدة، وفيه: بأغواء النساء. وذكره أبو البركات ابن الأنباري، في "البيان" 3/ 59، ولم ينسبه، ونسبه الشوكاني 4/ 81، لامرئ القيس.]] أي: عن النساء [["تفسير الثعلبي" 8/ 101 أ. وممن ذهب إلى هذا القول ابن قتيبة، "تأويل مشكل == القرآن" ص 568. وأنكر علي ابن سليمان هذا القول: لو لقيت فلانًا لقيك به الأسد؛ أي: للقيك بلقائك إياه الأسد. "تفسير القرطبي" 13/ 63. ورد ذلك أيضًا الألوسي 7/ 38؛ فقال: والسؤال كما يعدي بعن، لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالباء لتضمنه معنى الاعتناء .. فلا حاجة إلى جعلها بمعنى عن، كما فعل الأخفش، والزجاج.]]، والمعنى: سل عن الله أهل العلم يخبروك، كما قال الشاعر: هلا سالت القوم يا ابنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي [[البيت لعنترة، من معلقته، "ديوانه" ص 25. وقد نسب البيت في "تفسير الشوكاني" 4/ 81، لامرئ القيس، ولعل ذلك خطأ؛ لأنه ذكر بعده مباشرة البيت السابق منسوبًا لامرئ القيس أيضًا. والله أعلم.]] فإن قيل: هل كان يحتاج النبي -ﷺ- إلى أن يسأل عن الله أحدًا؟ قيل: يحتمل أن يكون الخطاب له، والمراد به غيره. ويحتمل أن يكون كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ﴾ [يونس: 94] وقد ذكرنا ما قيل فيها مستقصى [[قال الواحدي: اختلفوا في هذا الخطاب لمن هو؛ فقال أكثر أهل العلم: هذا الخطاب للرسول -ﷺ-، والمراد غيره من الشكاك .. ثم نقل عن أبي إسحاق الزجاج قوله: هذا أحسن الأقوال .. ثم قال: وذكروا في هذه الآية أقوالًا متكلفة بعيدة فلم أحكها. سورة يونس: 94.]]. وكان ابن جرير، يذهب إلى أن الباء صلة؛ ويقول: المعنى: فاسأله خبيرًا، ويذهب إلى: أن ﴿خَبِيرًا﴾ منصوب على الحال [[حكاه عن ابن جرير النحاس، "القطع والائتناف" 2/ 486، وهو في "تفسير ابن جرير" 28/ 19، وساقه بسنده عن ابن جريج.]]. قال أبو علي الفارسي: قوله ﴿فَاسْأَلْ بِهِ﴾ مثل سل عنه، فأما ﴿خَبِيرًا﴾ فلا يخلو انتصابه من أن يكون على أنه حال، أو مفعول به، فإن كان حالًا لم يخل من أن يكون حالًا من الفاعل، أو المفعول، فإن جعلته حالًا من الفاعل السائل لم يسهل؛ لأن الخبير لا يكاد يَسأل إنما يُسأل. ولا يسهل الحال من المفعول أيضًا؛ لأن المسؤول عنه خبير أبدًا، وليس للحال كثير فائدة. فإن قلت: يكون حالًا مؤكدة، فغير هذا الوجه إذا احتمل أولى، فيكون ﴿خَبِيرًا﴾ إذًا: مفعولًا به؛ كأنه قال: فأسأل عنه خبيرًا. أي. مسؤولًا خبيرًا. وكان المعنى: سل يتبين بسؤالك، وبحثك من تستخير ليتقرر عندك ما اقتص عليك من خلقه ما خلق، وقدرته على ذلك وتعلمه بالفحص عنه والتبين له، قال: ومما يقوي: أن السؤال إنما أريد به ما وصفنا، قول أمية: وسلْ ولا بأسَ إنْ كُنتَ امرءًا عَمِهَا ... إنَّ السؤالَ شِفا منْ كانَ حيرانَا [[العمه: الذي يتردد متحيرًا، لا يهتدي لطريقه ومذهبه، والعَمَه في الرأي، والعمى في البصر. "تهذيب اللغة" 1/ 149 (عمه). ولم أجد من ذكر هذا البيت.]] أراد: سل حتى تتبين بسؤالك؛ ألا ترى أنه قال: إن السؤال شفاء من كان حيرانًا. والسؤال إذا خلا من العلم لم يكن شفاء، إنما يكون شفاءً إذا اقترن به العلم والتبين. وكذلك المراد في قوله: ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ اسأل سؤالًا تبحث به لتتبين. وأجاز أبو إسحاق، وغيره، في هذه الآية، أن يكون الوقف والتمام عند قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ ثم يبتدئ ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ فيكون ابتداء، و ﴿فَاسْأَلْ بِهِ﴾ الخبر [[الوقف التام هو الوقف على كلام تم معناه، ولم يتعلق بما بعده لفظًا، ولا معنى، وهو الذي يحسن الوقف عليه، والابتداء بما بعده. والوقف الكافي: هو الوقف == على كلام يؤدي معنى صحيحًا مع تعلقه بما بعده من جهة المعنى. والوقف الحسن: هو الوقف على كلام يؤدي معنى صحيحًا، مع تعلقه بما بعده لفظًا ومعنى. والوقف القبيح: هو الوقف على ما لا يؤدي معنى صحيحًا، وذلك لشدة تعلقه بما بعده لفظًا ومعنى. وبعضه أقبح من بعض. ولا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة من انقطاع نفس ونحوه. "النشر في القراءات العشر" 1/ 224، و"حق التلاوة" لحسيني شيخ عثمان ص 51ـ.]]. ومن لم يقف على العرش، فارتفاع الرحمن يكون من وجهين؛ أحدهما: على خبر ﴿الَّذِي﴾ على [[(على) في (أ)، (ب).]] تقدير: الذي خلق السماوات والأرض الرحمن، أي: [[(أي) في (ج). فقط.]] هو الذي فعل ذلك. وإن جعلت ﴿الَّذِي﴾ متصلًا بالآية المتقدمة ارتفع الرحمن على البدل مما في قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾ فبُيِّن بقوله: ﴿الرَّحْمَنُ﴾ [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 73. وذكره النحاس، "القطع والائتناف" 2/ 485، ولم ينسبه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب